بسام شكري
حرب العقول بين المؤلفين وجشع بعض دور النشر
لم يكن سهلا علي اصدار اخر كتاب وهو مجموعة قصصية بعنوان وادي الثعابين ( قصص واقعية من الحرب المنسية) فقد كانت اصعب كثيرا مما تصورت, العقبة الأولى ان دور النشر العراقية رفضت طباعة المجموعة بسبب خوفهم من قيام الميليشيات الإيرانية في العراق من تفجير مكاتبهم لان ايران والنظام السياسي الموالي لإيران في العراق يمنع نشر أي شيء عن الحرب العراقية الإيرانية بحجة انها كانت عدوان عراقي على الجمهورية الإيرانية الإسلامية وعندما حاولت طباعة المجموعة في الأردن اصابت العدوى دور النشر الأردنية خوفا من ايران كذلك وتواصلت مع دور نشر عربية فاعتذروا بحجة انها مذكرات مقاتل في الجبهة وكان عذرا واهيا جدا, افلا يحق للمقاتل ان يكتب مذكراته على شكل قصص بأسلوب ادبي راقي؟ الا يحق للجيش العراقي والجيوش العربية ان تعرف تاريخها؟ الا يحق للجندي العراقي والعربي ان يعرف تفاصيل حياة الجنود العراقيين خلال تلك الحرب الملعونة؟
بعد كل هذا الرفض وخلال وجودي في عمان وضيق الوقت فقد تمكنت من الاتفاق مع دار نشر اردنية على طباعة المجموعة وعلى حسابي الخاص , هنا بدأت قصة الجشع والاستغلال وعدم وجود قوانين تحمي المؤلفين من جشع دور النشر : قررت طباعة مئة نسخة وكان السعر 270 دينار اردني أي ان سعر النسخة سيكون 2,7 دينار على ان تأخذ دار النشر ثلاثين نسخة مجانا لتبيعها وتأخذ ثمنها خلال مشاركتها في معارض الكتاب العربية, وعندما قررت عمل حفل توقيع كتابي معجم حكام العراق مع المجموعة القصصية وادي الثعابين في حفل واحد طلبت نسخي السبعين لكن دار النشر أرسلت لي خمسين نسخة وهنا سيكون سعر النسخة الواحدة 5,4 دينار , المهم استلمت النسخ وكانت المفاجأة بحالة الكتاب المزرية فمن اجل توفير المال والجشع فقد تم طباعة الكتاب بورق رخيص خفيف وبحروف صغيرة بحيث تعتقد ان امامك كراسة لأطفال في الدراسة الابتدائية , ودار النشر تلك لعبت على اعصابي طوال ثلاث أسابيع وانا في عمان , بدأت بتضييع تسعة أيام بحجة ان الحصول على رقم اصدار الكتاب من المكتبة الوطنية في عمان يتطلب أسبوعين وهذا غير صحيح لأني عندما فقدت الامل بالحصول على رقم اصدار ذهبت بنفسي الى المكتبة الوطنية و وجدت ان الرقم جاهز لديهم من قبل أسبوع ولم يتصل معهم احد من دار النشر, المهم وصل الكتاب قبل يوم من حفل التوقيع وحضر سعادة السفير العراقي في عمان مشكورا الى قاعة كاليري الصابونجي في عمان وقامت الانسة مينا الصابونجي بأحسن واجمل حفل توقيع والتف حولي العراقيين كعائلة واحدة يجمعهم ممثل الجالية العراقية في عمان الدكتور محمد البلداوي وقد دعمني وشجعني ووقف معي الأستاذ صفوة فاهم مشكورا, وتم بيع ثلاثة نسخ فقط من المجموعة القصصية وقمت بتوزيع معظم الكمية التي معي كهدايا, في نفس الوقت كانت طباعة الكتاب الاخر " معجم حكام العراق " من قبل دار عالم الكتب في الرياض ممتازة من كافة النواحي والذي تمت طباعته بدون ان اتحمل تكاليفه المادية وقد ظهر الكتاب عملاقا امام المجموعة القصصية " وادي الثعابين " التي كانت جرحا غائرا في ذاكرتي.
وعندما اتصلت مع دار النشر التي طبعت لي وادي الثعابين فلم يردوا على اتصالاتي وتجاهلوني كليا خلال أكثر من أسبوع حتى لم يردوا على رسائلي لهم ... فقد استلموا كامل المبلغ وظهرت حقيقة اخلاقهم وتعاملهم الجشع مع المؤلفين.
الذي اضطرني لهذه المقدمة والقصة المؤلمة الى حالة المؤلفين العرب المزرية في الوقت الحاضر ووقوعهم ضحايا بين جشع بعض دور النشر وعزوف القراء عن قراءة الكتب، قد نوهت على ذلك خلال حفل التوقيع في كلمتي الى مطالبة الحكومات العربية بدعم المؤلفين وحمايتهم من جشع دور النشر اسوة بما تقوم به الحكومات الأوروبية بدعم المؤلفين من جانب وتشجيع الناس على اقتناء وقراءة الكتب الورقية من جانب اخر، ويجب على الحكومات العربية كذلك حماية دور النشر لان تلك المهنة تسير نحو الانقراض ودور النشر وقعت ضحية عزوف القراء عن القراءة وعدم شراء الكتب وارتفاع تكاليف الطباعة .
في أوروبا نصف القراء توجهوا لشراء اللوح الالكتروني الذي يخزن فيه الاف الكتب ويستعمل ككتاب خفيف الوزن سهل الحمل والقراءة وانتعشت سوق الكتب الإلكترونية بعكس القارئ العربي الذي لا يقتني اللوح الالكتروني ليقرا الكتب والقاري العربي بالأساس لا يعرفه اللوح الالكتروني بسبب عدم قيام دور النشر والجامعات والمدارس والحكومات العربية باستيراد الالواح الإلكترونية.
ان التحولات الكبيرة التي حصلت على نظام الاتصالات وتوفير معلومات هائلة من خلال الموبايل مثلا اختصارا للوقت والجهد قد أدى ذلك بفقدان الناس عمق التفكير لأنهم فقدوا روح وتفاصيل المعلومات المتوفرة في الكتب الورقية وتحول الناس الى سطحيين بدون روح تنتشر بينهم مختصرات ومفردات سطحية غبية سيتحول فيها الانسان خلال السنوات القادمة الى رقم داخل جهاز كومبيوتر كبير هو عالم الاتصالات والانترنيت.
كما هو متوقع من التطورات الالكترونية في العالم ان أخطر ما في هذا الموضوع هو القفزة الهائلة التي ستحدث السنة القادمة عندما سيستغني الانسان عن كل الأجهزة ويصبح تدفق المعلومات في جهاز واحد واخذ الانسان الان يصنع روبوت بشري لمختلف الأغراض ابتداء من الصديق الروبوت الى الزوجة الروبوت الى الخادمة الروبوت الى العقل الروبوت الذي سيقوم بالتفكير نيابة عنا ومع كل تلك المخاطر فان علينا كبشر مقاومة تلك التطورات بشكل عقلاني وعمل توازن بين حياتنا كبشر لنا احاسيس ومشاعر ومع ما يتم صناعته لخدمتنا بحيث لا نفقد إنسانيتنا.
سوف لن أفكر في طباعة أي كتاب في المستقبل قبل ان اضمن باني لن اتحمل تكاليف الطباعة وتكاليف سفري الدى الدول العربية، إضافة الى ضياع جهدي الفكري واتوقع لن يحدث مطلقا واتشرف ان أكون واحدا من الذين نبهوا الى ضرورة حماية حقوق المؤلفين وأول من اعتزل النشر.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
869 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع