أحمد العبداللّه
حسين كامل..الرجل الذي قتله طموحه!!
حسين كامل حسن المجيد(1954-1996)؛العريف الذي لم يكن يعرفه أحد تقريبًا لغاية العام 1979, وهو بالكاد قد اجتاز مرحلة الدراسة الابتدائية. ولكن انهالت عليه الرتب والمناصب؛(هيل بلا كيل)!!, فصار مُرافقًا للرئيس ومديرًا لجهاز الأمن الخاص. وخلال عشر سنوات فقط, صعد من رتبة ملازم(دمج)إلى رتبة فريق أول ركن ووزيرًا للدفاع, و(مشرفًا)على نصف وزارات الحكومة العراقية!!. وكان بين 1991- 1995, هو الرجل الأول بعد الرئيس بلا منازع. وإن شخصًا بعقليته وتكوينه ومؤهلاته, لا يتحمّل مثل هذه(الطفرة الصاروخية), فتكون نهايته السقوط السريع حتمًا, وهذا ما حصل في النهاية. إنه؛ الصعود الذي يسبق الهاوية!!.
ففي 8 - 8 - 1995, انشقَّ حسين كامل عن النظام الذي كان فيه بموقع الرجل الثاني عمليًّا, وفرَّ إلى الأردن مع شقيقيه وابن عمّه, بسبب خلافات شخصية بينهم وبين عدي صدّام حسين. وكان لذلك النبأ وقع الصاعقة داخل العراق وخارجه, لأنه كان خارج دائرة التوقعات تماما. وعقد بعد وصوله بيومين مؤتمرًا صحفيًا بدفع من ملك الأردن, والذي أراد(استثمار)هذا الانشقاق لإعادة إحياء(الاتحاد الهاشمي). وخلال المؤتمر أعلن حسين كامل, معارضته للنظام والسعي لإسقاطه!!. وأذكر وقتها إن إذاعة(مونت كارلو)أجرت مقابلة مع الكاتب المعارض حسن عليوي, فعلّق على ذلك بقوله؛(اثنان فقط لديهما القدرة على تخليص العراق من صدّام حسين, هما؛الله وحسين كامل. وبهرب حسين كامل, لم يبقَ إلّا الله)!!.
***
أدرك الرئيس صدّام حسين بأن شرعيته قد أصيبت بضرر بالغ, والتي هي أساسًا قد انحدرت بعد سنة 1991, بعد وصولها ذروتها عام 1988. فحسين كامل هو صنيعته وأقرب الناس لقلبه, وهو قبل ذلك قريبه المقرّب وصهره المحبّب, بل ومن فرط إعجابه به, أطلق عليه تسمية(ابن شبعاد)*. فقام بعملية(ترقيعية), وهي تنظيم استفتاء شعبي عام على رئاسته, أو ما عرف بـ(يوم الزحف الكبير), بدلا من الشروع بعمليات إصلاح حقيقية في هيكل النظام الذي استشرى فيه مرض النفاق.
ويبدو إن حسين كامل قد أصيب بلوثة في عقله في الفترة التي سبقت انشقاقه. فبعد هروبه طٌلب من كل من تحدث معه بحديث غير عادي أن يكتب تقريرًا بذلك. وكان أهم تلك التقارير هو الذي كتبه ضابط كبير في الحرس الجمهوري ويشغل موقعًا قياديًّا فيه, وفحواه؛ إن حسين كامل بدأ يُسمعه في المدة الأخيرة كلامًا, ربما أراد منه أن يجسّ نبضه, من قبيل؛(ألم يأن لعمّك أن يترجّل عن بغلته؟)!!. ويبدو إنه بدأ يفكر بالقفز على ظهر البغلة وإزاحة(عمِّه)عنها!!. فموقع(الرجل الثاني), لم يعد يرضي غروره وطموحاته المتزايدة.
***
كان حسين كامل بسبب قربه من الرئيس وحيازته على ثقته الكاملة, والسلطة المطلقة التي منحت له, قد أخذ يتصرّف باستعلاء وعنجهية مع الجميع تقريبا بعد صدّام حسين, ويكاد لا ينجو من(شرّه)أحد. وقد روى لي من أثق به, إنه في أحد المرّات, عندما كان وزيرًا للصناعة, اتصل هاتفيا بمدير معمل ألبان أبي غريب, وأبلغه أمرًا يخصّ أليّة تجهيز منتجات المعمل, فأجابه؛ سيادة الوزير.. لا يمكننا تنفيذ هذا الأمر على الفور حسب طلبك, لأننا مرتبطون بعقود مع شركات التوزيع, ولكن يمكننا تنفيذه بمجرد انتهاء تلك العقود. فصاح به حسين كامل؛(اسكت ونفّذ ما قلته لك, وإلاّ قطعتُ لسانك)!!.
وأذكر إنه بعد أيام قليلة من انشقاقه, جمعني مجلس مصغّر,كان من ضمنه المهندس(طه حمود موسى)الوكيل الأقدم لوزارة النفط, والذي روى لنا الواقعة التالية التي تبيّن حجم التكبّر والخُيَلاء التي بلغها حسين كامل بعد عام 1991, قائلًا؛إنه حضر مرّتين اجتماعًا لمجلس الوزراء عندما كان محمد حمزة الزبيدي رئيسا للمجلس, وكان حسين كامل يصول ويجول خلال الاجتماع, وكان هو(الكل في الكل), ولا يتوانى عن توجيه كلمات نابية وخشنة لبعض الوزراء ورئيسهم(محمد حمزة)نفسه. وعندما سألته؛ ماذا كان رد فعل(الرفيق)محمد حمزة على تلك الإهانات؟, أجابني؛إنه كان يلوذ بالصمت المطبق!!.
إن حسين كامل يعتقد أن القوة والعنف و(العين الحمراء)هي السبيل الأنجع في الإدارة, خاصة بعد أن تناغم في ذلك مع فلسفة(عمّه)صدّام حسين, التي تقوم على أفكار, مثل؛(تبًّا للمستحيل)و(حرق المراحل)!!. ورغم إن تلك التصوّرات قد تنفع في ظروف الأزمات الكبرى والحروب والكوارث الطبيعية, كعلاج مؤقت لحالة طارئة. ولكن جعْله كسياق دائمي وبلا حدود زمنية واضحة, سيؤدي بالنتيجة لأضرار جسيمة ونتائج سلبية تنعكس على الدولة والمجتمع.
ويبدو إن فائض القوة الداخلية الذي أخذ يشعر به حسين كامل قد بلغ الزُبى, فأراد أن(يصرّفه)خارجيا, وفي قضية معقدة وشائكة ومزمنة كقضية فلسطين. إذ يروي السفير نزار حمدون في كتابه(رحلة حياة دبلوماسية)؛ إن السفيرة الأمريكية في بغداد(أبريل كلاسبي)عرضت عليه حديثا لحسين كامل أدلى به أمام وفد الكونغرس الأمريكي الذي زار بغداد أواخر عام 1988, وفيه كان حسين كامل كأنه يخاطب دولة من دول العالم الثالث, وليس وفد دولة عظمى, إذ يقول؛(أنتم الأمريكان يجب أن تعلموا, بأن الإسرائليين أخذوا الكثير من العرب, وإن الحكومة الأمريكية لم تفعل شيئا لإيقافهم...وإن الموضوع الفلسطيني لن يُحلّ إلى أن يعود الإسرائيليين من حيث أتوا, سواء من روسيا أو بولندة أو من أي مكان آخر)!!.
***
وبعد فراره, بدأ كل من؛الجانب الحكومي وحسين كامل بـ(نشر غسيل) الطرف الآخر, وكأنهما قد دخلا في مزاد مفتوح!!. ومن ضمن ما نشرته الصحف العراقية حينها, رسالة كتبها حسين كامل بخطّه موجّهة للرئيس صدّام حسين ختمها بعبارة(ولدكم المطيع), مكتوبة بإسلوب ركيك جدًا, وفيها العديد من الأخطاء الإملائية الشنيعة. فهو يكتب, مثلا, لفظ الجلالة هكذا؛(أللة)!!. ويبدو إن(السيد الوزير)لا يفرّق بين؛همزة الوصل وهمزة القطع, ولا بين؛(الهاء)و(التاء المدوّرة)!!.
وأذكر أنني في أواسط الثمانينات عملتُ بوحدة عسكرية ترتبط مباشرة بـ(الرائد)حسين كامل/مدير جهاز الأمن الخاص, وبين حين وآخر نرفع له مطالعات تخصّ عملنا, فترجع إلينا مع تعليقاته عليها, وكنّا نواجه صعوبة في(فكّ طلاسمها)بسبب رداءة الخطّ!!. فهو لم يكمل المتوسطة حتى أواخر الثمانينات, وقد حصل على شهادة الثالث المتوسط من مدرسة(نبوخذ نصّر)المسائية الخاصة بمنتسبي الحرس الجمهوري, إذ قام مديرها(ن.ح.)بتأدية دور(الطالب حسين كامل), والذي لم يكن يحضر بالطبع لقاعة الامتحان, فكتب له الدفاتر الامتحانية في كافة المواد الدراسية, وظهرت النتائج مطبوعة على أوراق الحاسبة الإلكترونية وعُلّقت على لوحة الإعلانات في باب المدرسة. ولغرض تدارك(الفضيحة),قام المدير بعمل تغيير على الاسم بطريقة الحكّ واستخدام الحبر الأبيض, فصار اسم حسين كامل حسن(بعد التعديل),هو؛(حسني شامل حسن)!!.
***
ولكن من الإنصاف أن نذكر بالمقابل, جانبًا من(مناقب)الفريق حسين كامل حسن خلال عمله مُرافقًا للرئيس صدّام حسين ومديرًا لجهاز الأمن الخاص. فقد كان من أنجح وأنشط وأقدر مُرافقي الرئيس, وهو متمكّن في السيطرة على أفواج الحرس الجمهوري الخاص التي ترافق الرئيس في زياراته الكثيرة للمحافظات أو لجبهات القتال, ويتميّز بحسٍّ أمنيٍّ عال. كما إنه أفضل من أدار جهاز الأمن الخاص, فلديه القدرة على العمل المتواصل والمتابعة الدقيقة, وبما يتمتع به من ذاكرة نشطة وذكاء فطري. كما إنه كان على المستوى الشخصي لا يُدخّن ولا يتعاطى الخمر, وكان متواضعا في بداية صعوده. وأذكر عند ذهابنا؛أنا ومجموعة من الضباط, للتهنئة بعيد الفطر في منتصف عام 1984, ودخلنا غرفته بالقصر الجمهوري, استدار من خلف مكتبه وصافحنا, ولم يصافحنا من خلف المكتب, كما يفعل من هم دونه في المسؤولية.
وخلال تسنّمه لوزارة الصناعة وهيئة التصنيع العسكري, حقق الكثير من الإنجازات والنتائج, سواء خلال سنوات التصدّي للعدوان الإيراني, أو في خلال مسيرة الإعمار بعد العدوان الثلاثيني في 1991. كما كان له دور كبير ومؤثر في بسط الأمن والنظام خلال أحداث الشغب والتخريب التي أعقبت العدوان, وكان شجاعًا مقدامًا, ولا يهاب الموت. ففي معارك تحرير الحلة وكربلاء والنجف من زُمر الخيانة والعمالة, كان يتقدّم الصفوف, وكان قريبا من الموت, وقد قُتل مرافقه(كمال التكريتي)خلال تلك المعارك. وعندما حوصر في يومه الأخير في بيت السيدية ببغداد يوم 23 شباط 1996, بعد رجوعه من الأردن, ظل يقاتل وحيدًا لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة حتى نفذ عتاده, رغم إصابته بجروح بليغة في أنحاء جسده.
وهكذا كانت نهاية(حسين كامل)المأساوية, غريبة وغير متوقعة في الوقت نفسه. وقضى نحبه برصاص الأقارب والعشيرة, وتم اعتباره(شهيد الغضب). ودُفن بقبر دارس بمقابر المجهولين في مقبرة الكرخ الإسلامية غرب بغداد, وبلا أي مراسم!!.
....................................
* بعد انشقاق حسين كامل وهروبه, شبهّه صدّام حسين بـ(يهوذا الاسخريوطي)!!.
553 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع