يوسف علي خان
إن ما يحدث في هذه الايام من فوضى عارمة في كل مرفق من مرافق الحياة جعل الناس في ارتباك شديد وتخبط في تصرفاتهم وادت هذه الفوضى الى تخلخل النظام السلطوي في داخل بعض الدول التي تحدث فيها الفوضى وانعدام الامن والامان...
وتتعرض حياة الناس فيها الى المخاطر بسبب غياب السلطة وضعف الانظمة القائمة ما جعل العديد من الواجهات الشعبية تحاول ان تلعب دورا كبيرا لفرض ارادتها على الناس فانتشرت الجريمة بانطلاق الفاسدين والبلطجية كي يعيثوا بالارض فسادا فيرتكبوا الجرائم ويرعبوا المواطنين كما قامت طائفة اخرى بابتزاز الناس في ارزاقهم بممارسة التجارة و البيع والشراء والتلاعب بالاسعار وبالجودة إذ اخذوا يستوردون اردأ البضائع من مناشيء غير معروفة ويبيعونها باسعار مرتفعة ويرهقون كاهل الفقير والمعدم ويحرمونه من لقمة العيش... ومارست شرائح اخرى حرفة التزوير ومارسته بابشع صوره واخرون مارسوا نشاطات معوجة وملتوية للحصول على المكاسب والمنافع الغير شرعية ..كما اخذت طائفة ثالثة وهو ما يهمنا البحث فيه في هذا المقال وهم بعض رجال الدين والدعاة الذين نصبوا انفسهم وكلاء الله على الارض وتجاوزا حدود واجباتهم الدعوية المفروض ان لا تتعدى حدود المساجد ودور العبادة التي يكون لهم الصلاحية فيها للدعوة والارشاد وبما يرونه صالح لبني البشر في حدود نطاق دينهم وهي مجرد دعوات تبشيرية بمباديء وتعاليم هذا الدين ومزاياه وحسناته... وهو حق مشروع طالما لايعتدي على حريات الناس أو يمس ويطعن بقيم الاديان الاخرى ولا يتجاوز حدود دور العبادة إذا كانت مساجد او كنائس او أي د ور عبادة للاديان المتواجدة في البلد.... ولا يحق لهؤلاء الدعاة ان يمارسوا سلطات و صلاحيات الحكومة القائمة التي تديرتلك الدولة أو يكونوا بديلا عنها...فواجب الداعية ينحصر في الدعوة والارشاد وهو واجب مأخوذ من اسمه فهو داعية وليس حاكم بيده السلطة التنفيذية كما هو المعتاد .. فليس من حقه معاقبة من لا ينصاع الى نصحه وارشاده فعقاب المتمرد الذي لا يلتزم بشرع الله عند الله يوم الحساب .. فليس من حق الانسان أن يكون بديلا عن الخالق في معاقبة المخالفين لشرع الله وتعاليمه ..فللبشر قوانينهم الوضعية التي تنظم حياتهم بما يتلائم والضرف والمكان والزمان ..وهي التي تحدد الحقوق والواجبات الدنيوية وتعاقب من يخرج عليها ويخالفها عن طريق السلطات المختصة التي تعينها الحكومات .. ولا يحق لاي داعية ان يعاقب غيره إلا عن طريق تلك السلطات المختصة التي من حقها ان تحكم بين الاطراف وفقا للقوانين المرعية .. فالشرائع نظم وتعاليم روحانية تو جيهية واستئناسية يمكن ان تعتبر مصدر من مصادر التشريع تتيح للمشرع ان يستلهم منها ما يراه ملائما للاوضاع الاجتماعية والحياتية السائدة.... فيستنبط منه الفكرة عند كتابة النصوص التي يراد تشريعها كي تصبح قوانين بعد مصادقة البرلمانات عليها ولا يمكن أن تعتبر نصوص تنفيذية مباشرة فالمخول بالاستنباط هو المشرع داخل البرلمان فهو الذي يحدد تجريم الافعال او مخالفتها للاخلاق السائدة او للنظام العام او اجازتها.... وليس داعية المساجد والمنابر ... فالاخلاق التي هي مدار بحثنا والتي يحاول الدعاة تبنيها وفرض ارادتهم على ابناء الشعب بما يجب ان يفعلوه او لا يفعلوه وما يعتبرونه خروج عن الاخلاق الحميدة ومخالف للشريعة والنظام العام وتقييد حريات الناس بما يرونه هم صحيح او مخالف للشرع متجاوزين سلطات الدولة وقافزين على القوانين المرعية التي تحدد شرعية الفعل او تجريمه وفقا لطبيعة الحياة العامة التي يعيشها المجتمع وهي تختلف من مكان الى اخر وتتغير بتغير الازمان ... فلكل مجتمع سلوكياته تحددها قوانينه الوضعية في شرعيتها او مخالفتها وفقا لنصوص القوانين وليس من حق الدعاة الدينين التدخل بها ...وفرض العقاب على من يخالفها متجاوزين حق السلطة التنفيذية المسؤولة عن مراقبة حياة الناس ورصد المخالفين ومعاقبتهم وفقا لتلك القوانين التي تشرعها بما تجده ملائما لحياتها في فترة من الزمن... إذ قد تغيرها كلما راتها واجبة التغيير او التعديل .. فالمشرع المدني يشرع القوانين ليس لفئة معينة من الناس بل هو يشرع النصوص العامة الواجبة التطبيق على الكل والمنسجمة مع الحياة العامة لهم ...مستنيرا بالاوضاع العالمية في كثير من الاحايين ومتوائما معها ما قد يتطلب تجاوز بعض التعاليم الدينية خاصة بالنسبة لغير المسلمين إن كان ذلك في نصوص القوانين او في الانظمة والتعليمات التي تصدرها السلطات تسهيلا لادارة شؤون الحياة العامة ومؤامتها ..ومعظم هذه القوانين التي تصدر في البلاد تتعلق بسلوك المواطنين واخلاقياتهم .. فالاخلاق مصطلح لا حدود له ولا ثوابت فيه فكل يفهمه وفق محيطه ومجتمعه طبقا لاعرافه وتقاليده وضروف حياته ..وهي على اية حال احد اركان الحريات العامة التي تحدد مدياتها القوانين .. فمثلا شرب الخمر ممنوع في بلد من البلدان غير ان الحكومة قد تجيز تناوله في بعض الاماكن الخاصة كالفنادق والبارات التي يؤمها السواح .. فلا يمكنها أن تحرمها على من تعود عليها في بلده وهي مباحة فيه .. وذلك حماية للسياحة وتشجيعا لها .. كما قد تجيز فتح البلاجات على شاطيء الانهر او سواحل البحار التي يباح فيها لبس المايوهات والبكيني ... مع ان شعب تلك البلد قد يكون شعب متدين ومحافظ ومتشدد ولكن الضرورات تبيح المحذورات... وهنا لا يحق لرجال الدين أن يعترضوا على الحكومة لا باحتها مثل هذه الامور بحجة ضروف البلد وتعصبه وتدين اهله ...وحتى لو حاولت الحكومة منع تناول شرب الخمور فسوف تنتشر ظاهرة التهريب كما كان يحدث ولا زال في احدى الدول العربية المسلمة التي تنتشر فيها الخمور رغم منعها رسميا ومنع فتح محلات بيعها حتى بالنسبة لغير المسلمين .. كما ان الاخلاق لاتحمى بهذه الظواهر والمظاهر السطحية بل بالتثقيف والتوعية والوسطية والايمان بالقيم والاقتناع بها وكما يقول المثل (( لا تكن لينا فتعصر ولا تكن صلبا فتكسر- او اذا اردت ان تطاع فامر بما يستطاع )) فشرب الخمر مثلا لن يكون ظاهرة الفساد الخلقي الوحيد ولا دليل اوحد عليه .. فهناك العديد مما لم يتعودوا على شرب الخمر التزاما بتعاليم الدين او لربما لانهم لا يستسيغوها لكنهم افسد خلق الله على هذه الارض ومن عليها بسلوكهم السيء وتعاملهم مع الناس بالغش والخديعة وسرقة اموال المسلمين ... وبالفاضهم البذيئة واجرامهم الخفي .. فالاخلاق لا تتحدد بتصرف معين بل بمجمل ظواهر السلوك البشري ونظرة المجتمع الى هذه السلوكيات واسلوب التعامل مع الاخرين فكل هذه هي قيم الاخلاق الحميدة وليس الصلاة والصوم كافية كدليل على رفعة الاخلاق وسموها .. فالاخلاق مصطلح مطلق ووصف للسلوك البشري فلكل انسان اخلاقه الخاصة التي يصفها غيره بالحسنة أوالسيئة بما ينسجم واراءه ومعتقداته ورواسبه وجذوره البيئية ودرجة تأثيرها على المجتمع وهي التي تحددها في كثير من الاحايين القوانين وقد تعتبرها احدى الدول من الممنوعات والمحرمات فتجرمها وقد تعتبرها دول اخرى من الحريات الشخصية فتبيحها .. فقد تعتبر بعض الدول نوادي العراة مباحة وتنتشر في بلدانها مثل العديد من الدول الغربية بينما تعتبرها الدول الاسلامية فساد اخلاقي وتحرمها وتعاقب ممارسيها وتمنع انشاءها على اراضيها .. فنظرة الفرد او المجتمع الى فعل الانسان هو الذي يحدد نوعية سلوكه ولكن ليس من حق الفرد محاسبة ومعاقبة من يعتبر سلوكه خارج عن النظام الاجتماعي القائم بنفسه بل عليه اللجوء الى الجهات المختصة لتقديم الشكوى إن كان ما يفعله يظر بمصلحته الشخصية او الحريات العامة ومخالفة من وجهة نظر القانون .... ولكن ليس من حقه ان يفعل ذلك بنفسه اذا مارس الشخص تصرف يرفضه هو لمجرد عدم توافقه مع مبادئه واخلاقه او دينه.. وإلا انتقلنا الى حالة الفوضى وانفلات زمام الامور ...وان منع او معاقبة الناس من قبل مواطنين اخرين لانهم يجدونها مرفوضة من وجهة نظرهم هي بحد ذاتها مخالفة قانونية تعرض الشخص الرافض في موقع المسؤولية الجنائية واعتداء على حريات وحقوق الاخرين .. فحماية الاخلاق ليس بالطرق الفوضوية التي يحاول بعض رجال الدين ممارستها باعتبارها مخالفة للشريعة الاسلامية .. إلا اذا نصت القوانين على تجريمها وقامت بذلك الجهات المختصة وليس الافراد العاديين.... فالاخلاق لايقيمها فرد او مجموعة من الاشخاص بل تقيمها القوانين المرعية في ذلك البلد .. وان وصف السلوك الشخصي بالسيء من قبل احد الافراد لا يمنحه الحق باتخاذ اجراء فردي ضده ...فان ادعاء رجال الدين بان الفنون كالتمثيل والرقص والغناء مع المشاهد الخلفية ((الكلب )) دعارة واسلوب لممارسة الزنا قد يكون صحيحا وحقيقة ثابتة ولكن ليس من حق أي فرد ان يمنعه فهو يمثل ظاهرة جماهيرية عارمة يؤيدها الملايين من البشر لما يقدمونه من مشاهد ممتعة تسر الناس الذين يستمتعون بمشاهدة الممثلين وهم يؤدون ادوارهم ومن لا يعجبه المشاهدة فالامر بسيط جدا عليه اقفال التلفزيون فيبتعد عن المشاهد التي يعتبرها خليعة .... فالتمثيل قد اصبح ظاهرة فنية عالمية وصورة براقة من صور التقدم الثقافي والتطور الحضاري إن شئنا ام ابينا وهي سائرة سيرا حثيثا في التوسع والانتشار ومحاولة التصدي لها ومنعها مجرد محاولات بائسة سوف تسيء الى المعترضين عليها وتصفهم بالرجعيين والمتخلفين دون ان يتمكنوا من وقفها والغاء تواجدها حتى في اشد الدول تشددا وتعصبا بل أن العديد من الدعاة الذين يتصدون لها يذهبون خلسة لمشاهدتها مع ما يبدونه في الظاهر من معارضة وينعتون الممثلين بشتى الصفات السيئة ..وعليه فلا يمكن أن نصف ممارسيها بالفاسدين الزناة كما أن معظم القوانين في الدول تجيزه وتكرم ممارسيه ..وبالاختصار فمفهوم الاخلاق لا تحدد معالمه شريحة واحدة من ابناء الشعب وكما اسلفنا فانه ليس للاخلاق محددات ثابتة يقررها فريق معين من البشر ويفرض وجهة نظره على الاخرين... فهذا التنوع بالتصرف قد خلق تكتلات اجتماعية متعددة لا يعطي الحق لاي منا التدخل في مفاهيم وسلوكيات الاخرين فالناس احرار بما يفعلون او يمتهنون .. فإما ان تتقبل التعايش مع الجميع وكل يمارس حياته بالشكل الذي تعود عليها او ان يعزل الرافض نفسه في اجوائه الخاصة بعيدا عن غيره من الشرائح الاجتماعية .. فالاسلامييون مثلا إن لم يعجبهم التعايش مع الاجواء الصاخبة من صور حياة الشرائح الفنية فبامكانهم ان يحددوا مواقعهم في نطاق المساجد ودور العبادة وكل يعيش حياته التي يريدها بما يصف بها الاخلاق الحميدة هو لا بما يصفها له الاخرون .. كما يجب أن نوضح امرا مهما وهو أن المجتمعات لا يجوز ان تلعب بمقدراتها وتسيرها بالطريقة التي تريد الغالبية من الشعب فهو رأي مرفوض ايضا.... فداخل كل شعب العديد من الاقليات وهي جزء لا يتجزأ منه لايمكن اغفالها من قبل الاغلبية والتحكم في اسلوب حياتها فحتى لو كانت الغالبية الشعبية متدينة ومتشددة فهو لا يمنحها الحق في منع الاقلية ممن ممارسة حقوقها والاعتداء على حرياتها الشخصية بحجة مخالفة تصرفاتها او ارائها للشريعة الاسلامية او منافية لاخلاق او تقاليد او اعراف شريحة معينة من الشعب حتى لو كانت هي الاغلبية السائدة في ذلك المجتمع .. فالعبرة في تقييم الفعالية او التصرف او السلوك ليست وجهة نظر شريحة معينة من الناس... بل ما تقرر شرعيته او تحريمه القوانين التي تصدر عن نواب الشعب الذين يشرعون القوانين باعتبارهم نواب كل الشعب حتى لو انتخبتهم شريحة معينة من الناخبين فهم ممثلين لكل فصائل الشعب غالبيته واقليته مراعين حقوق جميع الطوائف بشكل متساوي .. فتشريع أي قانون يقيد حرية احد شرائح المجتمع هو اعتداء صارخ على الشعب برمته .. فالاخلاق في النهاية هو ما يحدد مواصفاتها القانون وليس اهواء الناس ورغباتهم ... !!!!
1290 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع