د.نسرين مراد
يُعتبر العراق الأول في خوض تجربة الديمقراطية الحديثة في العالم العربي. قبل نحو عشر سنوات توقع قادة الأحزاب السياسية أنهم سينجحون في إرساء قواعد الديمقراطية هناك، بمجرد الإطاحة بنظام الحكم المركزي الدكتاتوري.
ذهب النظام الحاكم السابق وحل نوع من الديمقراطية يصعب على النفس البشرية قبوله، من كافة الجوانب تقريباً.
أصبحت نار الدكتاتورية أكثر برداً وسلاماً على الشعب والوطن، من جنة الديمقراطية هذه. التجربة الديمقراطية في العراق وبال، يجب ألا يُحتذى بها، لما فيها من طائفية شرسة مستشرية، تشكل خطراً على الشعب والوطن، والشعوب والأوطان المجاورة، والسلام الدولي. غير معروف بالضبط ما الذي يجعل رواد «التجربة الديمقراطية» يستمرون في مناصبهم!
لماذا لا يتركونها لغيرهم؟! أو على الأقل يريحون أنفسهم من مسؤولية ما يجري من أزمات وكوارث! يتّبعون نفس المنهجية الدكتاتورية؛ فيها يزعم الحكام الشموليون أنهم لا يثقون بأن غيرهم يحرص مثلهم على سلامة الأوطان والشعوب، ومستقبل الأجيال.
الدكتاتور حقيقةً لا يرى نفسه شمولياً ظالماً، يعتقد أن الآخرين يتآمرون عليه، وعلى الشعب والوطن اللذين يحكمهما والقضايا ذات الاتصال. ربما بعد الذي حصل في تجربة العراق مع الديمقراطية، يكون الدكتاتور على حق في تمسكه بالحكم طويلاً. لا بل على الشعوب أن تسعى جاهدة وتتمسك بقادتها الشموليين، ما أمكنها!
هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها تلقائياً كل يوم، ولا تجد أجوبةً مقنعةً. ما الذي يقف سداً منيعاً يحول دون تنفيذ مشاريع وخطوات تؤدي إلى ازدهار العملية السياسية الديمقراطية؟! فرضياً للجدل؛ فقد استقرت الأحوال نفسياً ومعنوياً وروحياً ومادياً، بزوال النظام المستبد. أجهزة الأمن العراقية تتمتع بقدرات عددية وفي مجال التسليح والخبرات، ما يجعلها تتصدر قائمة الدول القوية أمنياً وعسكرياً واستخباراتياً.
ما الذي يفسر وجود حمام دم متواصل دون هوادة منذ عشر سنين عجاف؟! هل الشعب العراقي حقيقةً من النوع العاشق للعنف والفوضى وإراقة دماء نفسه؟! أم أن هنالك أيدٍ خفية تظل تعبث بالأمن والسياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والإعلام الهادر؟!
عزاء الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، أن التجربة الديمقراطية في البلدان العربية الأخرى تواجه وضعاً حرجاً. في سوريا الأقرب إلى حال العراق، من ناحية نظام الحكم سابقاً وتوفُّر أحزاب المعارضة المتباينة، تواجه تجربة التغيير وضعاً مدمِّراً في جل الاتجاهات.
كافة الدلائل والحيثيات تشير إلى احتمال ولوج سوريا في أتون فوضى عارمة طويلة الأمد، بعد سقوط النظام؛ تكراراً للسيناريو العراقي. ذلك ما قد يستلزم تدخلاً دولياً عسكرياً، على غرار ما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا. أوضاع الديمقراطية الحديثة في تونس ومصر واليمن وليبيا، لا تحمل بشائر خير بالحد المقبول من الطموح الشعبي الجماهيري.
عملياً، العراق مقسَّم ديمغرافياً بشكل سلبي. يتمتع الأكراد بدولة شبه مستقلة في الشمال. يسود نوع من الحكم الذاتي المليشياوي في كل من الجنوب والوسط. هنالك وضعت الأحزاب السياسية خطوطاً مذهبيةً شديدة التعرج، تفصل بين العامة من الشعب الواحد. العراقي العادي الآن يعرف أن الضاحية أو المنطقة الفلانية تسود فيها أغلبية شيعية، أو سنية، أو تركمانية، أو آشورية، أو كردو-فيلية، أو فارسية، أو يزيدية. التقسيم المذهبي والطائفي والعرقي طارئ ومنبوذ، لكنه لا يبدو وكأنه سحابة صيف تمر مرور الكرام.
لا توجد عصاً سحرية لفرض حل على المجتمع العراقي، لإصلاح الخلل المعقَّد والمزمن في العملية السياسية. يؤدي ذلك إلى التساؤل المحيّر؛ هل المجتمع العراقي يعاني من إحلال الديمقراطية المستحدثة فيه، أم أن الديمقراطية تعاني من التعامل مع الحالة العراقية؟! الإجابة والرد المطلوبان شعبياً وجماهيرياً، تكمن في إيجاد حلول عملية دائمة لمشاكل الشعب والوطن، وإرساء قواعد الديمقراطية الحقّة؛ لا الاكتفاء بخطابات ديماغوجية لا تسمن ولا تغني من جوع.
1506 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع