بقلم الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم
بغداد 2025
سيدة الأعمال الأميرة سيمات –عشتار من سلالة أور الثالثة (2112-2004) ق.م
كان للأميرات في العائلة المالكة لدولة أور الثالثة دورا في تنمية وإنعاش الاقتصاد في المجتمع العراقي القديم، فقد شاركت النساء في جميع مجالات العمل، وسجلت النصوص المسمارية أنشطتهن في عمليات الإستلام والتسليم والتوزيع والوساطة بين الناس، كما لعبت المرأة دورا هاما وإيجابيا في مجتمع بلاد الرافدين، وكانت سيمات -عشتار (Simat-Ištaran) (وتُعرف أيضا شات -عشتار) (Šāt-Eštar) بمعنى (باسم الإلهة عشتار)، وصفت في نقش على ختم اسطواني بأنها ابنة ملك: (شات عشتار ابنة الملك) (ša-at-eš18-dar dumu-munus lugal)، ومن غير المؤكد على وجه التحديد أي حاكم من سلالة أور الثالثة كان والدها، فمن المحتمل انها كانت ابنة الملك أور نمو (Ur-Nammu) (2112-2095) ق.م أول حاكم في سلالة أور الثالثة في بلاد الرافدين، ولكن الباحث (Owen) له راي آخر بان السيدة سيمات-عشتار أو (شات-عشتار) التي ورد اسمها في أرشيف جرشانا (Garšana) كانت ابنة شولكي (Šulgi) (2094-2047) ق.م ملك سلالة اور الثالثة، ولكنها تدعي بأنها شقيقة (nin9) الملك (شو-سين) (Šu-Sin) (2037-2029) ق.م، وفيما بعد الملك (ابي-سين) (Ibbi-Sin) (2028-2004) ق.م سلالة اور الثالثة، بينما يعتقد الباحث (Gomi) بان السيدة آبي-سيمتي هي اخت الملكين شو-سين و ابي-سين وهي نفسها شولكي-سيمتي (Sulgi-simtī) وليس سيمات-عشتار، ولهذا من الصعب اعطاء راي محدد حول نسبها لآحد ملوك سلالة اور الثالثة.
على العموم تقع بلدة جرشانا (Garšana) في مكان ما من أراضي مدينة اوما (Umma) السومرية، وربما في محيط مدينة زبالام (Zabalam) القديمة وكركر (Karkar) القديمة، ومع هذا لا تزال مجهولة الموقع، ويُرجح أن يكون اسمها الجغرافي نيغ-شا (-آن)-نا (Nig2-ša(-an)-naki) كما أُشير إليها أيضا باسم (أوصار-جرشانة) (Uṣar-Garšana)، مما يعني أنها كانت مدينة حديثة البناء، عُرفت أساسا منذ أواخر الألفية الثالثة ق.م في عهد إمبراطورية أور الثالثة، واما تاريخ المحفوظات لهذه المدينة فانها تعود لفترة (8) سنوات من السنة الخامسة من حكم شو-سين وإلى السنة الثالثة من حكم إبي-سين في عهد سلالة أور ، وكانت ملكية العقارات تعود إلى شو-كبتا ( Šu-Kabta)، وهو طبيب وجنرال، وكانت زوجته الأميرة سيمات-عشتار أو (شات-عشتار)، ولكن لا نعرف التاريخ الدقيق لهذا الزواج فلم يذكر في النصوص، ومع هذا يمكن استنتاجه بسهولة، فهذا الزواج يوثق كيف تتم المصاهرات مع بنات واخوات ملوك سلالة أور الثالثة وحتى المقربين من أفراد عائلاتهم بشخصيات مهمة مختلفة في الإمبراطورية مثل قادة الجيش، وحكام المدن، وذوي المناصب الادارية في المملكة مثل سوكال ماخ (Sukkalmaḫ) (اعلى مسؤول في الامبراطورية)، والاغنياء سواء كانوا تجارا أو اصحاب املاك عقارية كبيرة.
جاءت معلوماتنا عن سيمات -عشتار بشكل رئيسي من النصوص المسمارية القادمة من جرشانا، فهناك إشارة بوجه خاص على وجود سجلات جنائزية للأسرة (تقديم القرابين للموتى)، ونصوص عن دورالأميرة سيمات -عشتار أو (شات-عشتار) التي تولت السيطرة على الاملاك بعد وفاة زوجها شو-كبتا ( Šu-Kabta)، فورثت ممتلكات زوجها، واستمرت في إدارتها بمفردها، وتسجل الوثائق العديد من المهام اليومية التي مارستها بنفسها واصبحنا نعرف ولأول مرة صورة شاملة ومعلومات مفصلة عن نشاطات الأميرة السومرية مثل بناء وصيانة العديد من المباني والعقارات التي شملت مصنع الجعة، ومصانع النسيج، وخياطة أنواع الملابس، والدقيق، ودباغة الجلود، والأعمال التجارية، وعمليات الاستلام والتسليم والتوزيع والوساطة بين الناس، والإشراف على البناء والعمال القادمين من مختلف المدن القريبة والبعيدة، وإدارة البساتين، وقنوات السفر والتجارة بين جرشانا والمدن السومرية الاخرى، والعديد من التفاصيل عن الحياة اليومية، وحتى تعامل سيمات-عشتار مع أشخاص وردت اسمائهم في بعض النصوص مثل: أغاتيا (Agatia)، وشولكي-موداح (Šulgi-mudah)، وأبيتوني (Abituni)، وشات-سوين (Šāt-Su’en)، وشات- نونو(Šāt-Nūnu)، وشيشكالا (Šeškala)، ولوكال- نيساج- إي (Lugal-nisaĝ-e).
بالإضافة إلى ذلك، يوفر أرشيف جرشانا (Garšana) تفاصيل جديدة وكثيرة على دور المرأة في الاشراف على العمال، وقد استغرق نشر الوثائق على مدى (7) سنوات شملت ما يقرب من (1600) وثيقة عن العقارات في المناطق الريفية تحت سيطرت سيمات-عشتار أو (شات-عشتار)، وحول دور المرأة في إدارة الاعمال نأخذ مثلا سيدة اسمها اشتقار(Aštaqqar) المشرفة على عمال النسيج والحياكة، وصفت بانها خادمة اوباني (geme2 A- bu-ni) والتي تدير مشغل للغزل والنسيج في مدينة جرسو (Ĝirsu) (محافظة ذي قار ، العراق)، واحتلت وضيفة المشرف على عمال الحياكة وهي مهنة يشغلها الرجال عادة، وأصبحت السيدة اشتقار تعمل فيما بعد لدى سيمات-عشتار، ولدينا ختمين باسمها احدهما: (اشتقار، رئيسة عمال الحياكة، خادمة اوباني) ، وختم آخر نقش فيه: (اشتقار، رئيسة عمال الحياكة، خادمة سيمات-عشتار) ، ومنصب المشرفة على العمال (اوكولا-اوش-بار) (ugula-uš-bar)، وهناك عشرات الالواح ختمت بهذين الختمين:
شكل 1: طبعة ختم المشرفة على عمال الحياكة السيدة اشتقار من سلالة اور الثالثة نقش فيه:
Aš-ta2-qar
Ugula uš-bar
Geme2 A-bu-ni
الترجمة: (اشتقار، رئيسة عمال الحياكة، خادمة اوباني)
شكل 2: طبعة ختم اسطواني المشرفة على عمال الحياكة السيدة اشتقار نقش فيه:
Aš-ta2-qar
Ugula uš-bar
Geme2 ME-dKA/DI
الترجمة: (اشتقار، رئيسة عمال الحياكة، خادمة سيمات-عشتار
دور الأميرات الاقتصادي في سلالة اور الثالثة
من خلال النصوص يظهر دور العضوات الإناث في العائلة المالكة في قائمة أور الثالثة كوسطاء بين البلاط والوكلاء غير الملكيين، بالإضافة إلى تمتعهن باستقلال وسلطة كبيرين على مجالات نشاطهن الخاصة، وكان لأفراد العائلة المالكة الإناث مثل آبي-سمتي (Abi-simti)، ملكة أمار-سين وأم الملك شو-سين، وكانت تعتبر سلطة كبيرة داخل الدولة، وكانت الاميرات السومريات لديهن احتياطيات اقتصادية كبيرة بالإضافة إلى الالتزامات الدينية ذات الصلة في جميع أنحاء أراضي دولة اورالثالثة، ومن الواضح أن بعض الأميرات تزوجن في الخارج لأسباب دبلوماسية، وأن الأميرات الأجنبيات تزوجن من العائلة المالكة في أور، مثل ترام-اورام (Tarām-uram) ابنة حاكم ماري (Mari) (تل الحريري على نهر الفرات في سورية) ويدعى ابل-كين (Apil-Kin)، وشولكي-سيمتي (Šulgi-simti) معنى اسمها (باسم شولكي) (mu-tù-dŠul-gisi-im-ti/-turn-ma) التي كانت على الأرجح من إشنونا (Ešnunna)، (كان الملك شولكي مؤله في حلول منتصف فترة حكمه، وقد استخدم العلامة الدالة على الإله أمام اسمه في بعض النصوص تقديسا له، وقدمت النذور إلى تماثيله عند ظهور الهلال أو اكتمال البدر، وتسمى الناس باسم (شولكي-إيل) أي (شولكي ربي)، و (شولكي باني) أي (شولكي خالقي) و (شولكي آبي) ..الخ، وكانت شولكي-سيمتي واحدة من أهم النساء وأكثرهن نشاطا في ذلك الوقت وأن نشاطها كمستقبلة للحيوانات، فهي التي توزع الحيوانات للمعابد كاضاحي للآلهة المختلفة، وعلى الأرجح ان آبي-سيمتي (Abi-simti) معنى اسمها (باسم ابي) ربما جاءت من مملكة ماري (Mari)، واحضرت معها أفرادا من عائلتها الذين احتلوا بانفسهم مناصب ذات قوة سياسية واقتصادية كبيرة في دولة أور، مثل شقيقها باباتي (Babati) لديه ختم اسطواني خاص باسمه، وكان باباتي شخصية مهمة من شمال بلاد الرافدين انطلاقا من الألقاب المدرجة في نقش ختمه، وعلى ما يبدو بأن باباتي كان من عشيرة ذات نفوذ، ومنهم حكام تم اختيارهم في أور لنسبهم وجدارتهم الإدارية، إن مثل هذه المصاهرات تسعى لبناء تحالفات على المستوى الدولي من خلال الزواج الأسري، ولم تكن المصاهرات غير مألوفة انما تعتبر وسيلة لضمان السلام في الشرق الأدنى القديم.
1595 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع