د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
20.12.2024
ثقافة العمل
لا يوجد دافع بدون عمل ولا يوجد عمل بدون حقوق، ولا يوجد إنسان لا يسعده أن يقوم بعمل جيد. ان سعادة كل إنسان أن يجد النجاح في شغف بالعمل. إذا كان العمل يرضي نزاهة الإنسان، فهذا يعني أنه يغذي تواضعه أيضًا".
"إن إنتاج الأفكار والتمثيلات والوعي يختلط في المقام الأول بشكل مباشر وحميم، بالنشاط المادي والتجارة المادية للرجال: إنه يجسد لغة الحياة الحقيقية" (كارل ماركس، 1818-1883).
ويقول كارل ماركس:" ان رأس المال هو عمل ميت، وهو مثل مصاص الدماء الذي لا يعود إلى الحياة إلا بامتصاص العمل الحي، وحياته تزداد بهجة كلما امتص المزيد من العمل الحي"، (رأس المال، 1867). كما يوضح ان إثراء رأس المال للرأسماليين، على حساب الموظفين المستغلين، المنهكين مقابل راتب زهيد.
اما الفيلسوف الالماني كانط، يقول أن: “الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يجب أن يعمل".
يرى إيمانويل كانط أن العمل هو واجب تجاه الذات، وهو الواجب الذي يشكل الإنسان أخلاقياً. والعمل يرضي الضمير الأخلاقي والكبرياء الإنساني. وهكذا يشبع الحيوان حاجاته بالغريزة، ويشبع الإنسان حاجاته بالعمل." بالنسبة له: " لا توجد نتائج بدون عمل ولا يوجد عمل بدون جهد".
كما طور كارل ماركس (1818-1883)، السياسي والاقتصادي وملهم الماركسية، علاقات الملكية والتطور في التنمية البشرية، الذي يسمح للإنسان بتحقيق الذات. وفي الواقع أدت القيود غير العادلة في الممارسات الاقتصادية، إلى خلق الإرهاق، والتوتر، والصراع، والشعور بالظلم. يتناول ماركس العمل أولاً باعتباره لعنة، ثم ربما يعتبره مصدرًا للحرية إلى إمكانية الاغتراب في العمل، وحرمان الانسان من الحرية. ويشير
لعله يفسر لعنة العمل على أن الإنسان، لا يحب العمل بسبب استغلاله مما يعني انه إذا عمل فهو يفعل ذلك على مضض. ولكن إذا كان من الممكن له أن يهرب منه، فإنه سيفعل ذلك بالتأكيد.
بالتالي يشكل العمل عامل أساسي ومؤلماً للإنسان من أجل البقاء. ويتطلب أيضًا تمرينًا جسديًا وحتى عقليًا. ولكن بمجرد أن يشعر الانسان بالإرهاق وعدم الرضا، يصبح الأمر مؤلمًا بالنسبة له.
في الماضي، كان ينظر إلى العمل باستخفاف لأنه كان مخصصًا للعبيد، الذين كان عليهم طاعة أوامر أسيادهم من أجل الحصول على الحق في الحياة. كما ان أصل كلمة "عمل" ترجع الي اللاتينية "بلاتينيوم" وتعني "أداة التعذيب". ولهذا السبب يُنظر إلى العمل على أنه لعنة.
بالنسبة لكارل ماركس، فإن مبدأ الحرية في العمل يركز على الإنسانية ويقول: "أنه من الخطأ الحديث عن عمل الحيوان". هناك ثلاث خصائص له:
1-النشاط الشخصي أو العمل نفسه: إن إنجاز مشروع ما على سبيل المثال، يحدد رغبة العامل في إدراك ذاته وإنتاج عمله وإكمال مشروعه.
2ـ. المادة كموضوع للعمل والذي يسمح للشخص بتكريس نفسه للمادة. بهذه الطريقة، تتاح له الفرصة للاعتراف بنفسه كشخص ذوي إمكانات، يمكنه تحرير الروح الإبداعية لديه وخلق روائع.
3ـالوسائل التي يتصرف بها الإنسان: تساهم في تسهيل الاندماج في المجتمع من خلال الإنتاج بشكل موضوعي. بهذه الطريقة، تتوفر له الفرصة لينتمي الي المجتمع ومواطن ذي تخصص.
في فكر الفيلسوف الألماني هيجل (جدلية السيد والعبد) "العمل يجعل الإنسان حرا"، ولكن فقط لأنه يعيد إلى العبد الحرية التي فقدها بالفعل، كما هو الحال مع سبارتاكوس الذي تشكل من خلال النضال والعمل، وأخيرا تمرد ضد "الاستبداد" الروماني بعد أن خدمه.
بالنسبة لهيجل، العمل هو الوسيلة التي يستخدمها الإنسان لتحويل الطبيعة وتلبية احتياجاته. إن هذا التحول ليس ماديًا فحسب، بل هو أيضًا فعل وساطة بين الإنسان والعالم. كما يبين هيجل كيف يمكن للإنسان أن يحرر نفسه من خلال العمل.
متى نفقد الاهتمام بالعمل وما هي عوامل عدم الرضا الوظيفي؟ لا يوجد ما يسمى بوظيفة مثالية، لكن الانتماء إلى الوظيفة والاستعداد لإنجاز المهام المهنية أمران مهمان لبناء مهنة احترافية. ما يجب عليك فهمه هو أنه من الضروري أن تعرف نفسك، وتتعرف على مهاراتك دون تحيز، وتبحث عن دوافعك لاكتشاف إمكاناتك واستثمار نفسك بشكل كامل.
ماذا نعني بالتحفيز في العمل؟ إن الدافع ليس مجرد مسألة إرادة شخصية، بل يعتمد على احتياجاتنا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إن الروافع الرئيسية للتحفيز في العمل هي: الراتب والتطوير المهني ونوعية الحياة في العمل وثقافة الشركة والتوازن بين العمل والحياة. وبطبيعة الحال، ومع الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية أصبحت العلاوات الآن في الخلفية.
هناك نظريتان متعارضتان رئيسيتان للتحفيز: تلك المتعلقة بالمحتوى وتلك المتعلقة بالعمليات السلوكية. التحفيز هو ما يشجع الجميع على تحقيق أهدافه.
هناك عدة أنواع من الدوافع للعمل: الدافع الداخلي، الذي يأتي من الرضا الشخصي والاهتمام بالعمل نفسه؛ الدافع الخارجي، المرتبط بمكافآت خارجية مثل الراتب أو الترقيات أو التقدير.
من الممكن أن تكون الأسباب المحتملة لقلة الحافز المهني، على سبيل المثال: كما
الملل والافتقار إلى المتعة في العمل اليومي (الكثير من العمل المكتبي)، عدم وجود دور، عبئ عمل لا يمكن إدارته، عدم الاعتراف ومنح المسؤوليات والمهام المهنية، الإرهاق والتوتر، الشعور بالركود، الصراعات المتكررة، وعواقب عدم الرضا الوظيفي او التغيير في المهنة.
كيف يكون العمل ضرورة؟ في هرم الاحتياجات لعالم النفس الأمريكي ابراهام ماسلو (1950) هناك خمسة مستويات تبدأ من أسفل الهرم إلى أعلاه وذلك حسب أولوية احتياجات الانسان واولها: الاحتياجات الفسيولوجية (الطعام، الملبس، المسكن)، ثم يأتي مستوى الأمن (الأمن الوظيفي، التأمين الاجتماعي، الخ)، ومستوى الانتماء (حقوق المواطنة)، مستوى احترام وتحقيق الذات (الحاجة إلى التقدير، الطموحات، الرغبات).
كما يدافع كارل ماركس عن فكرة، أن العمل هو نشاط إنساني خاص. بالنسبة له، من الخطأ التحدث عن عمل الحيوانات. أما بالنسبة للإنسان فهو عمل إنساني. وهو يضع في منظوره ثلاث خصائص تؤكد هذا البعد الإنساني الضروري للعمل.
وفقا لماركس، فإن نهاية العمل "توجد بشكل مثالي في خيال العامل". على عكس الحيوانات، فإن المهندسين المعماريين على سبيل المثال، سوف يتخيلون مشروعهم قبل تنفيذه، في حين أن الحيوانات سوف تتصرف بشكل غريزي وغير إرادي". ومن خلال تصور هذه الغاية، فإن العامل سوف يحدد إرادته، وبالتالي يكون هناك تحويلة في العقل عندما يكون العامل نشطًا، وهو ما لا يحدث بالنسبة للحيوان.
العيش بدون عمل يعني رفض تحمل المسؤولية أو حتى التحكم في الذات. هل يمكننا أن نجد السعادة بدون عمل؟ ومع ذلك فإننا مجبرون على العمل لتوفير ضروريات الحياة وإيجاد القليل من الرفاهية.
ولكن يمكن أن نجعل من العمل متعة، وذلك من خلال سمع ما يقوله القلب ومتابعة ما نريد القيام به في الحياة، وايجاد الشغف، وتطوير مهاراتنا المهنية في هذا الاتجاه.
888 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع