الإرادة العربية والإسلامية الهشّة

د. علي محمد فخرو

الإرادة العربية والإسلامية الهشّة

لو طبقنا التّصنيف الشهير للإرادة الذاتية الاستقلالية الأخلاقية، الذي وضعه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط منذ ثلاثة قرون، على القرارات التي أخذتها أعلى سلطات مؤتمرات القمة العربية والجامعة العربية ومنظمة التعاون العربي الإسلامي أخيراً بشأن فواجع العرب والمسلمين، لما زاد ذلك التصنيف على أدناها الممثّلة بالإرادة الهشّة التي، حسب الفيلسوف، قد تعرف الفرق بين الصحيح والخطأ، وبالتالي بين الخير والشر،

ومع ذلك وبأنانية وضعف ضمير تنحاز إلى الموقف غير الأخلاقي خوفاً وهلعاً من جهة خارجية أو ممارسة للسلوك الانتهازي المماحك تجاه جهة داخلية. ويتم كل ذلك حتى لو كان فيه أذى وموتاً لألوف الأبرياء من الأطفال والنساء، وتدميراً إجرامياً لا نظير له للمستشفيات والمدارس والبيوت والكنائس والمساجد، وتجويعاً وتعطيشاً متعمداً مذلاً للمحاصرين، وتهجيراً من وطن سكنه الآباء والأجداد عبر عشرات القرون.

هكذا تتعامل إرادات تلك القوى الممثّلة لخمس وخمسين دولة عربية وإسلامية، والتي تضم ملياراً ونصف المليار من البشر، والقدرات الاقتصادية الهائلة، والمكانة السياسية التي يحسب لها دولياً ألف حساب، والجغرافيا الممتدة عبر القارات، مع فواجع من مثل استهداف صهيوني ممنهج يومي للبشر والحجر في غزة المحاصرة وسائر أرض فلسطين المحتلة، ومن مثل دخول جيوشها لكل أنحاء سورية وتدمير كل مظاهر القوة الحربية والأمنية والعلمية والاثرية فيها، واعتبارها ضيعة من أملاك الصهاينة الاستعماريين، والتلويح بأنهم باقون للأبد في سورية بألف صورة وصورة،

ومن مثل الاستباحة الكاملة لكل شبر من أرض لبنان تدميراً وقتلاً وسرقة وطرداً واغتصاباً لكل عرض تحدياً حتى لأميركا التي وعدت كذباً بأنها ستقوم بمراقبة تنفيذ كذبة هدنة الاتفاق اللبناني – الصهيوني حتى إتمام انسحاب الجيوش الصهيونية من كل أرض لبنان المقاوم الصّامد باسم كل العرب وكل المسلمين، ومن مثل مشاهدة السودان، مصدر الأمن الغذائي العربي المرتجى، وهو يمزّق إرباً إرباً من قبل الميليشيات والجيوش المؤجرة من قبل قوى استعمارية وحتى عربية متعاونة لا تخاف الله ولا يردعها التزام عروبة أو دين، ومن مثل المؤامرة السافرة الواضحة التي تقودها أميركا وحلفاؤها من أجل تفتيت وطمس وجود القطر الليبي، ومن مثل استباحة أجواء القطر العراقي والتهديد بتدمير الحياة في القطر اليمني من قبل طيران الجيوش الصهيونية، وبالتالي انتقال الكيان الصهيوني، بدعم تام مجنون لا حدود له من قبل أميركا وانكلترا وألمانيا، انتقاله إلى تحقيق حلمه في تحقيق إسرائيل التاريخية الكبرى، تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير.

ولا تقف تلك الصور البشعة عند أقدام الكيان الصهيوني وتابعيه وخدم مشروعه، بل تمتد إلى أن تشمل دولة إسلامية كتركيا، التي بدلاً من الالتزام بالأخوة الإسلامية في سورية للمحافظة عليها وحمايتها من كل الأعداء، تحتل جزءاً من سورية وتتكاتف مع أنواع لا حصر لها من التآمر على مستقبل نظامها السياسي، وتمتد إلى أن تقف العديد من الدول الاستعمارية الكلاسيكية من مثل انكلترا وفرنسا وألمانيا مساندة بألف شكل خبيث لكل ما يقوم به الكيان الصهيوني واستخباراته وأكاذبيه الدينية عبر الأرض العربية والعالم كله،

وأن تمتد إلى أن تتآمر إثيوبيا على أمن مصر والسودان المائي وبالتنسيق مع مخططات الكيان الصهيوني في أفريقيا، وأن تمتد إلى أن تسرح روسيا وتمرح وكأنها منقذة وصديقة، حتى إذا أزفت الآزفة انزوت ونأت بنفسها خوفاً وهلعاً من سطوة الصهيونية العالمية الأخطبوطية، وأخيراً أن تمتد الأيدي الدينية الهندية المتطرفة إلى معيشة وأمن الملايين من مسلمي الهند دون أن تقابل بأكثر من احتجاج ضعيف هنا وتهديد لا ينفذ هناك.

كل تلك المشاهد المعيبة تحتاج مواجهتها إلى إرادة تضامنية ذاتية قوية عربية وإسلامية متماسكة تصدر في شكل قرارات واحدة فاعلة لتغيير الواقع ولدحر الأعداء، وعلى الأخص العدو الصهيوني، لكنها لا تصدر ولا تنطق ولا حتى يُلوّح بها.

من حقنا، نحن الشعوب، أن نسأل: متى ستفعل إرادة خمس وخمسين دولة لتقول للكيان الصهيوني: إما أن تنسحب من حيث لا يحق لك أن تكون، وتتوقف عن ارتكاب المجازر بحق أي منا، وتتوقف عن الإعلان عن أحلامك الكاذبة الدينية المزيفة، وإلا فاننا سنقطع خلال اسبوع واحد كل علاقاتنا، بدون استثناء على الإطلاق، معك. وسترون أنه سيتراجع ويتوقف وينكفئ ويعود من حيث أتى.

أصبحت الشعوب تشعر بأن التفرج على كل تلك الصور المذلّة قد أصبح عاراً لا يليق بالعروبة ولا بالإسلام. فأنتم، يا حكومات ودول، كتلة هائلة إن فعّلت إرادتها الواحدة، وأنتم كتلة ضعيفة مستباحة إن أحجمتم عن تفعيل إرادة الفعل، وعليكم الاختيار التاريخي الوجودي الآن.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

686 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع