هل تمكّنَ الذكاءُ الاصطناعي على إبداع الروح الانسانية؟

د. عصام البرّام
القاهرة

هل تمكّنَ الذكاءُ الاصطناعي على إبداع الروح الانسانية؟

يشكل الفكر الانساني عند الابداع، حالة فريدة وله خاصيّة لدى المبدع، وتختلف من انسان الى آخر، ومهما تعددت أنواع الكتابة في الفنون الابداعية المختلفة في الرواية أوالشعر الى السينما والمسرح أو الموسيقى وصياغة الالحان، تبقى الفرادة والتميز هي التي تقف الفيصل بين ما يبدعه انسان عن انسان آخر، وذلك بما تفيض قريحة المبدع في نتاجه الابداعي بما يتمخض عنه شعراً او رواية أو أي موضوع أبداعي آخر.
وما يشغل اليوم الناس من مخاوف الذكاء الاصطناعي وتداخله في صناعة البشراو ما سيكتشف لاحقا من اكتشافات اخرى ربما تعلو على الذكاء الاصطناعي اوغيره، وتحديداً في مجالات الأدب والفنون، هذه المخاوف؛ ينبغي أن لا تشكل خوفا او قلقا مزمنا يخالج المبدعين والنقاد، فالآلة هي الآلة، تبقى خالية الشعور والوجدان والاحساس والتفاعل والاختلاجات أو الارهاصات التي تعصف بالمبدع في حالة مخاضه عند الشروع بالكتابة؛ ذلك إن الانفعال الحقيقي لا يتحقق ولا يأتي إلا بوجود فيض من الاحساس والمشاعر والتجارب الحياتية، فضلاً عن الحالة الابداعية والثقافية المتراكمة لدى المبدع والكاتب.
فالذكاء الاصطناعي مهما علا بذكائه، يبقى مبرمجاً من الانسان الذي صنعه، وإن حمّلهُ بالعديد من البرامج التقنية في مجال الفكر أو الثقافة المتخصصة او الفنون وبكل انواعها أو حتى في المجالات العلمية الاخرى، فالحالة الانسانية الفذة التي يمتلكها العقل البشري وذلك المزيج من الروح والجسد، وما يختلج المبدع عند تفاعله مع الحدث الذي يعيشه لحظة بلحظة، لا يمكن للذكاء الاصطناعي ان يرتقي الى هذا التفاعل الحسي العالي بين الروح والجسد عند الانسان.
فالفعل جراء الانعكاس من الواقع الى الانسان لا يمكن أن يحمله الذكاء الاصطناعي أو يكمله في ذاته كما هو عند الانسان، ولا يستطيع ان يتفاعل روحياً وحسياً كما يعيشه المبدع عند الشروع بكتابة القصيدة او القصة والرواية أو بكتابة النوتة الموسيقية ..الخ، حتى إذا ما اخذنا بالاعتبار ان هذا الذكاء الخارق سيعطينا ذلك الاحساس الروحي المتفاعل في حالة الغناء مثلاً.
فمهما تقدم العلم بنا من صناعة الروبوتات وما تسعى العلوم من تطور سريع في التكنولوجيا، قد تضاهي الانسان شكلاً، أوبعض الحركات الروبوتية التي نشاهدها قد تستفز الكثير من الناس وتبهرهم بالتطور العلمي الذي وصل اليه العقل البشري، إلا أنه تبقى الروح عصيّة على الانسان أن يصنعها أو يجسدها او يبرمجها أو الوصول الى حالة التحايل عليها بشتى الطرق..لتسمو على الروح الانسانية الحقة. (يسألونك عن آلروح قل الروح من أمر ربّي) قرآن كريم.
لقد أثبتت التجارب عبر سنوات خلت، منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر من القرن المنصرم، وحتى يومنا هذا، أن سلالات التنوع البشري والاكتشافات البشرية المتلاحقة في العلوم التطبيقة وغير التطبيقية أو أكتشافات الذرة ودقة تفاصيل أبعادها، كانت كلها اضافة مبدعة للتاريخ الانساني وخدمت البشرية كثيراً بلا شك (إلا في حالة سلوك الانسان بسوء تطبيقها)، أثبتت ومنذ ذلك الحين، أن الروح لم يتمكن الانسان من الأمساك بناصيتها وتجسيدها؟ أو القدرة على الزمام للوصول اليها؟ ولم يعرف كنهها؟ ولم يدرك ماذا هي؟ وما يسكن فيها؟ وكيف تكون؟ والى أين تسير؟
لذا، يبقى الأدب والفن وكل الأبداع الانساني، حراً سامياً يمتلك زمام أرضه بيده ولا يمكن للذكاء الاصطناعي ان يتفوق عليه، وأن كان ذلك التفوق جدلاً؛ فأن أبداعه خالٍ من كل ما يصدر من تفاعلات بين ما هو سلسلة أفكار متداخلة بعضها ببعض كما في العديد من الروايات العالمية التي كتبها؛ أمثال جورج أورويل برواية الحيوان او مائة عام من العزلة لجابريل غارسيا ماركيز أو رواية الكريات الزجاجية لهيرمان هيسة وغيرهم الكثير.. فتلك الرويات الكلاسيكية كُتبت بطريقة عصيّة على قدرة الذكاء الاصطناعي، كأن يخلق شخصيات هي من نسيج الواقعية السحرية أو أعمق ماوراء الخيال، أو له القدرة على أختلاق خيال بعيد المدى ان صح التعبير متشابك متعدد الاحداث والشخوص متشعب الافكار ذات ثيمة تتفرع منها ثيمات عدة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي من الامساك بها أو العروج الى هكذا قدرة فنية أبداعية روحية تجعل المتلقي ان يعيشها كما يعيش نتاج أبداع بشري انساني حقيقي.
كما إن القدرة عند الذكاء الاصطناعي، لا يمكنه من تحديد الشخصيات وأبعادها وعمقها كما يصورها الابداع البشري في صياغتها، وان أراد في رسم أبطال القصة او الرواية أو كتابة النص الشعري، فهو يعيد ولا يخلق نصاً، ولا يمنح النص الجديد الروح الابداعية للنص الاصلي، فضلاً إنه يخلط فكرة مع أفكار أخرى تنأى بعيداً عن جوهر النصوص الاصلية.
لقد وجد أن ما يقدمه من نصوص تكاد تكون خالية العمق والدلالة والرمزية وتوظيف الموروث وعمق الخيال مقارنة بنص أبداعي بشري، إذ تجد بوضوح نمطية النص وضعف التفاعل بين المتلقي وما يرسم من أحداث داخل هيكلية العمل الابداعي المكتوب.
إن المتلقي العام أوالمثقف، ومن خلال وعيه بممارسة القراءة، أضافة الى درجة ثقافته، يميز أو يدرك على الاقل، إن الكتاب الذي بين يديه لو قورن نصه مع نص كتابٍ لذكاءٍ أصطناعي، سيُدرك بالحال قيمة ما يحتويه والفرق بين النصّين.
ولا شك فيه، إن الذكاء الاصطناعي خلقَ مشكلة في عالم الابداع، ورغم ما يمتلك من جوانب إيجابية، إلا أنه يبقى عصياً على تقليد ما أبدعه الفكر الانساني أو الارتقاء الى قمة أبداعه، ذلك ما أشرنا اليه، إن النص الابداعي تكتنزه الروح البشرية وعذاباتها ومنها تختلق نفائس الشعر والرواية وتبدعه الروح لا الآلة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1241 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع