الدكتور مليح صالح شكر/ نيويورك
أسقاط الجنسية أنتهاك للحقوق المدنية ، حازم جواد وزيراً للداخلية
لم تستقر الأمور للنظام البعثي الجديد عام 1963 ، ودب الخلاف بين أركانه مبكراً مما أسفر عن تعديلات وزارية هدفها نزع نفوذ هذا الشخص أو ذاك، وأبعد علي صالح السعدي عن وزارة الداخلية الى وزارة الإرشاد ، وأستقدم حازم جواد من منصبه وزيراً للدولة ليكون وزيراً للداخلية بالوكالة.
وبقيت الحالة السياسية كما أصبح معروفاً مضطربة ومتوترة حتى أنفجرت في المؤتمر القومي السادس للحزب الذي عقد في دمشق في تشرين الأول 1963 بتبنى الطريق العربي الى الاشتراكية والمنطلقات النظرية ، ولم يكن حازم جواد عضواً في هذا المؤتمر القومي وبالتالي لم يحضره.
كل ذلك وضع ، حازم جواد وأنصاره في زاوية قد يتعرضون فيها للإهمال وبعدها الإقصاء وكان يرى في علي صالح السعدي عقبة أمام طموحاته الحزبية والسياسية ، فأصبح في الواجهة الأمامية في ما كان يسمى بالتيار اليميني في الحزب.
ويقتضي الحال التذكير بأن حازم جواد وعلي صالح السعدي قد تصالحا في أوائل عقد السبعينيات من القرن العشرين بعد أن تسبب خلافهما عام 1963 في فقدان القيادة القطرية السيطرة على مفاصل الدولة وتنظيمات الحزب.
على أية حال تولى حازم جواد وزارة الداخلية في 12 أيار 1963 ، وفي وقت لاحق راجت في دوائر وزارته معاملة رسمية لإسقاط الجنسية العراقية عن 12 عراقياً يعيشون خارج العراق بعضهم قادة شيوعيين ومثقفين وشعراء ، ووقعها أحد المسؤولين في الوزارة لكنها تحمل هامشاً يحيلها المسؤول الى الوزير ، وبالتأكيد إطلع حازم عليها ، وقرأها ولذلك أخذت طريقها للتنفيذ.
وأفترض أن المسؤول الذي وقع الكتاب الرسمي بصيغته النهائية هو مدير الداخلية العام أو مدير الإدارة العام لأن صيغة وكيل الوزارة لم تكن متبعة آنذاك في الوزارات العراقية.
ولم يكن وزير الداخلية حازم جواد يتردد كثيرا ً على مكتبه لأنه كان مشغولاً اكثر بالخلافات الحزبية والسيطرة على الجهاز الحزبي ،وكانت معاملات الوزارة تنتظر أسابيع لكي يطلع عليها.
والحال نفسه ينطبق على علي صالح السعدي وزير الإرشاد.
ونُشرتْ صورة هذا الكتاب في صفحات التواصل الاجتماعي وكان عباس عبود أول من نشرها واذن لي مشكوراً بإستخدامها .
ولابد من الإشارة الى ان ممارسة إسقاط الجنسية في العراق كانت متبعة خلال النظام الملكي واستخدمها نوري السعيد وقبله حكمت سليمان والفريق بكر صدقي.
وشملت قرارات رئيس الوزراء نوري السعيد عام 1955 بإسقاط الجنسية ، الجواهري وعزيز شريف وصفاء الحافظ وآخرين من الشيوعيين أو المتعاطفين معهم إضافة الى الشاعر القومي عدنان الراوي الذي لجأ الى القاهرة.
قبل ذلك كان النظام العسكري عام 1936 أول من أدخل إسقاط الجنسية في الحياة السياسية العراقية عندما أسقطت حكومة بكر صدقي- حكمت سليمان الجنسية عن عبد القادر إسماعيل البستاني وشقيقه عبد الله وكانا شيوعيان ساهما مع جماعة الاهالي في تدبير ذلك الانقلاب العسكري ودعموه قبل ان ينقلب الفريق بكر صدقي وحكمت سليمان عليهم ويطردهم من نظامه.
الكتاب السري بوزارة الداخلية وقد أذن صاحب الوثيقة عباس عبود لي باستخدامها
وفي متابعة لمصير قرار وزير الداخلية حازم جواد وجدت أنه قد تم تنفيذه فعلاً وأسقطت الجنسية العراقية عن المشمولين بالكتاب، السري رقم ق.س / 12660 بتاريخ 26-10-1963، وهم:
محمد مهدي الجواهري وفيصل السامر ونزيهة الدليمي وصلاح خالص والزعيم المتقاعد هاشم عبد الجبار ونوري عبد الرزاق حسين وعبد الوهاب البياتي وذو النون أيوب وغائب طعمة فرمان ومحمود صبري ورحيم عجينة وعزيز الحاج.
ويوضح الدليل الذي نشره عبد المنعم الجادر في مجلته الأسبوعية ( كل شيء) قرار مجلس الوزراء في 25 آب 1968 وبعد بضعة أسابيع من تولي البعث للسلطة مرة ثانية ، بأعادة الجنسية للجواهري باقتراح من صالح مهدي عماش وزير الداخلية في النظام البعثي الثاني أن كتاب الوزير السابق قد تم تنفيذه في حينه .
مجلة عبد المنعم الجادر ( كل شيء)
وكان عماش باقتراحه إعادة الجنسية يتصرف بصلاحياته وزيراً للداخلية الذي يحصر قانون الجنسية بوزير الداخلية كل ما يتعلق بالجنسية والتجنس ، ومن المعلوم أن علاقة الصداقة التي ربطت عماش والجواهري بدأت بعد تولي البعث السلطة مرة ثانية عام 1968 وليس قبل ذلك، وتحديداً بعد تخويل وزير الداخلية عماش الشرطة بصبغ ركب الفتيات اللواتي يلبسن تنورات قصيرة!
وليس واضحاً أحتمال ان تكون حكومة الرئيس عبد الرحمن محمد عارف قد أرادت رص الصفوف الداخلية خلال حرب حزيران عام 1967 قد أعادت الجنسية لبعض المشمولين بذلك القرار لكن الأحداث تشير على وجود عزيز الحاج في العراق في اب 1967 عندما قاد إنشقاق القيادة المركزية للحزب الشيوعي.
لكن من المؤكد أن عدداً آخر قد عاد فعلاً بعد تولي البعث عام 1968 للسلطة مرة ثانية ومنهم رحيم عجينة الذي أصبح عضواً في اللجنة المركزية عند توقيع ميثاق الجبهة الوطنية عام 1973 بل تشير الوقائع التي كتبها في مذكراته الى أنه كان موجوداً في العراق في صيف عام 1967 عند وقوع الانشقاق ، وصلاح خالص الذي أصدر مجلة الثقافة الجديدة وعبد الوهاب البياتي الذي جرى تعينه ملحقًا ثقافياً في السفارة العراقية في اسبانيا.
وواصل صلاح خالص إصدار المجلة حتى العدد السادس حينما أصبح صلاح الحافظ صاحباً للإمتياز وبقي صلاح خالص رئيسا للتحرير.
وقد بقي في الخارج من أختار ذلك ومنهم ذو النون ايوب في فينيا بالنمسا وغائب طعمة فرمان في موسكو بالإتحاد السوفيتي.
وفي مراجعة سلسلة المسؤوليات في وزارة الثقافة والاعلام بعد تموز عام 1968 نجد أن هنالك عدداً من الشعراء المؤثرين في مناصب حيوية ، ومنهم الشاعر شفيق الكمالي عضو القيادتين القومية والقطرية وزير الشباب الذي كان يتولى مهام وزير الثقافة والاعلام وكالة في غياب الوزير الأصلي عبد الله سلوم السامرائي خارج العراق، وكذلك الشاعر شاذل طاقة وبعده الشاعر زكي الجابر وكيلاً الوزارة.
وفي هذه الفترة أصدر مجلس قيادة الثورة قرارين بصرف راتب تقاعدي مقطوع مدى الحياة للشاعر محمد مهدي الجواهري ، وراتب تقاعدي لورثة الشاعر بدر شاكر السياب.
حازم جواد في القطاع الخاص
وللتوثيق التاريخي نجا حازم جواد من جميع ملابسات الانشقاق وما ترتب عليه بعد 18 تشرين الثاني 1963 سوى إقامته القصيرة في مصر بل تمكن في وقت لاحق من الحصول على وظيفة في القطاع الخاص ، هي المدير المفوض لشركة التقطير والمنتوجات الشرقية التي كانت تنتج آنذاك ( عرق مسيّح )، ومقر إدارتها في بداية شارع أبي نؤاس من الباب الشرقي وكان يدير الشركة من مكتبه الذي يتصدره صورة كبيرة جداً لصاحب الشركة يوسف مسيّح حتى نبهه جليل العطية على ذلك فرفع الصورة.
وكل ما يمكن معرفته عن حصول حازم جواد على تلك الوظيفة هو ان صديقه المحامي شوكت حبيب الشبيب توسط له بهذا الخصوص وكان محامياً للشركة وأحد المساهمين فيها، وهو يعيش حالياً العام 2023 في العاصمة الأردنية عمان.
وبقي حازم مديراً مفوضاً لهذه الشركة إعتباراً من اواخر عام 1967 وحتى أواخر عام 1977 ، وكان اصحاب الشركة وأغلبهم يقيمون في بريطانيا يصرفون رواتب سخية للعاملين معهم، وسهلت له إدارته للشركة إيداع بعضاً من موارده المالية في حسابه المصرفي في لندن ، وباع بيتاً يملكه في عرصات الهندية ببغداد، وترك العمل وغادر للإقامة في بريطانيا لسنوات طويلة حتى أستقر مؤخراً في ماربيلا الأسبانية، وعمره وصل الى أكثر من تسعين عاماً ، وما تزال إضبارته موجودة في إدارة الشركة ببغداد وهي حالياً تنتج الكحول الطبي للمستشفيات والصيدليات .
ولم يتسن لي معرفة طبيعة علاقة حازم جواد مع المحامي شوكت حبيب ، وفي الوقت نفسه لم يتسن لي كذلك معرفة تفاصيل علاقة علي صالح السعدي مع المحامي يحيى الدراجي الذي عينه عام 1963 مديراً عاماً للإرشاد والصحافة بوزارة الإرشاد ، وكان معه في لندن عام 1976 عندما توفي السعدي.
حازم جواد
وعندما قصف الطيار منذر الونداوي في الثالث عشر من تشرين الثاني 1963 القصر الجمهوري لم يكن في أروقة القصر سوى الرئيس عارف ومرافقيه في مكتبه، وكذلك خمسة من قادة الحزب هم أحمد حسن البكر وحازم جواد وطالب شبيب وطارق عزيز وعبد الستار الدوري.
والخمسة هم أعضاء القيادة القطرية التي فرضها العسكريون بقوة السلاح على المؤتمر القطري في 11 تشرين الثاني 1963، وعندما أعتقلت سلطات 17 تموز 1968 عدداً من السياسيين والوزراء السابقين والبعثيين ومنهم علي صالح السعدي لم يتعرض حازم جواد للإعتقال وكان على علاقة حسنة مع بعض رجال حكم البعث ، هذا بالرغم من أن السلطات البعثية ألقت باللوم على عبد الرزاق النايف في اعتقال البعثي علي صالح السعدي والناصري عمر البجاري في سجن رقم واحد بمعسكر الرشيد ، بالرغم من حقيقة أن البعثي ناظم كزار شخصياً هو من أعتقل البجاري كما أكد الجباري لي.
وأطلق البكر سراحهما من سجن رقم واحد بمعسكر الرشيد بعد التخلص من عبد الرزاق النايف وقابلهما في القصر الجمهوري قبل أن يصطحبهما صالح مهدي عماش بسيارته الرسمية الى منزليهما.
وهما السعدي والبجاري من قصدهما البكر في خطابه في مساء يوم الثلاثين من تموز 1968 لأقصاء النايف وأنصاره باتهامه أنه أعتقل عناصر لم يتفق على أعتقالها.
1240 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع