أظن أنه ليس لائقا بي أن أتحدث عن مكارم الأخلاق والمثل العليا والمواقف الإنسانية؛ لأنني يالله و(يا دوبك) أكفي الناس خيري وشري، ولكن هذا لا يمنع أحيانا أن أورد بعض النماذج التي قد تشفع لي، وتعطيني على الأقل ولو بصيصا من الأمل في أن تتحسن أخلاقي يوما ما قبل أن (أفطس).
وقد ورد في مجلة قديمة حادثة مرت بها الكونتيسة (أوف وارويك)، وهي سيدة عجوز معروفة بمآثرها الخيرية، وأنها كانت متوجهة في أحد الأيام لأحد الأسواق في باريس، وخطر عليها وهي في طريقها أن تمر أولا وتزور عائلة بائسة كانت تحسن إليها بين وقت وآخر أثناء إقامتها في العاصمة الفرنسية وطرقت باب المنزل الذي تقيم فيه تلك العائلة وناولت الأم المسكينة ورقة مالية بخمسمائة فرنك ثم استأنفت سيرها إلى السوق وما كادت تطل عليها حتى أبصرت ألسنة النار تندلع من بنائها فسألت عن جلية الأمر فقيل لها، إن النار شبت في السوق من بضع دقائق فقط - وأن المئات من الرجال والنساء ماتوا من جراء ذلك الحريق.
وتعتقد تلك (الكونتيسة) وتجزم، أن دعاء تلك العائلة لها، هو الذي جنبها الهلاك.
وهناك مثل آخر من (سيدني) بأستراليا جاء فيه: أن حلاقا كان يرثى دائما لحاله رجل عجوز لا ولد له في هذه الدنيا ولا قريب فيعنى به عند مرضه ويكرم وفادته عندما يحل ضيفا عليه في منزله.
وقد حدث يوما أن دخل الحلاق على العجوز المذكور في بيته فألفاه جثة هامدة لا حراك بها وعندما كشفوا عليه عرفوا أن وفاته طبيعية، وفي أوراقه وجدوا أنه شريك في منجم للذهب لم يستخرج حتى الآن، وأنه أوصى بحصته لذلك الحلاق الذي طالما واساه وأكرمه.
وما أن وصل خبر تلك الوصية لإحدى الشركات الكبيرة حتى اهتمت بذلك المنجم وفعلته، واتضح أنه من أكبر المناجم البكر الواعدة وعرضوا على ذلك الحلاق عشرات الملايين من الجنيهات ليبيع حصته.
فهل صدق الشاعر العربي القديم عندما قال:
من يفعل المعروف لا يعدم جوازيه - لا يذهب العرف بين الله والناس.
وما أبعد الفرق بين هذين النموذجين المشرفين وبيني، فبيني وبينهما هي نفس المسافة ما بين السماء والأرض، فهما السماء وأنا الأرض السابعة السفلى.
وإذا كان ولا بد من الاعتراف والأسف، فإنني ألوم نفسي من هنا إلى أن تقوم الساعة، وأقدم اعتذاري المتأخر هذا؛ لإنسان طوق عنقي يوما بإحسانه عندما كنت محتاجا، وعندما شببت على الطوق، وهبط هو إلى أسفل سافلين، تنكرت له ونسيته نهائيا، إلى درجة أنني اعتقدت أنه انتقل إلى رحمة الله.
وصادف في أحد الأعوام عندما كنت أحاول تسلق أحد الأسوار في ليلة مظلمة أن سقطت من جراء رعونتي وانكسر في صدري عدة أضلع رقدت على إثرها عدة أسابيع في المستشفى، وتفاجأت بذلك الرجل على الرغم من مواقفي المخزية معه، يدخل علي في غرفتي وبيده باقة من الزهور، ثم ينكب على وجهي يقبلني ودموعه تسبق كلماته، وراضيته أنا بحبة (شوكولاته) والغريب أنه تقبل ذلك مني مع الشكر الجزيل، مما زاد في أساي أكثر.
ها أنذا أتيت بكل مالي وكل ما علي، بكل صدق وشفافية وخجل، ومن كان منكم يحمل الآن حجرا فليرجمني به، أو ليرجم على الأقل أحد عفاريتي - وما أكثرهم -
801 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع