د.سامان سوراني
من النافل القول أن هدف كل معارضة سياسية في كل مكان و في كل الأزمان هو الوصول الی السلطة أي سلطة الدولة ، فلا وجود لحزب أو تيار سياسي هدفه الحصري التبشير بفكرة علیا أو الدفاع عن مبدأ أجتماعي أو ثقافي إلا بمقدار مايكون هذا التبشير و هذا الدفاع جزءاً من عملية سياسية مشدودة الی الهدف النهائي وهو السلطة.
السياسة هي مرآة المجتمع ، لا يمكن أن ينظر اليها كفاعلية سلطوية و سلطانية أو حزبية فقط بل هي قبل كل شيء فاعلية اجتماعية ومجتمعية. أن نشأة المعارضة في المجتمعات الإنسانية ، كأداة من خلالها يتم كبح جماح اي سلطة ما ، مرتبطة بنشأة السلطة. وللمعارضة السياسية علاقة وثيقة بالديمقراطية فهي تُعد جزء أساسي وشرعي من النظام السياسي الديمقراطي.
ففي الديمقراطيات الغربية، التي تجاوزت الی حدؔ ما الديمقراطية التمثيلية نحو الديمقراطية الميديائية، نری بأن السلطة والمعارضة هما قطبان جدليان في وحدة تناقضية يحمل كل منهما إمكانية أن يصير الآخر. فهما تنتميان إلى مجال سياسي مشترك ، هو المجال الذي ينتجه المجتمع ، ويعبر عن فاعليته السياسية الحرة الواعية والهادفة. وهناك طلب متزايد ومستمر علی دور المعارضة وفاعلیتها. الهدف منه هو صون الحياة السياسية من الإضطراب و مدؔها بأسباب الإستقرار. فوجود المعارضة يعني قوة توازن ضرورية في الحيز السياسي أو المجال العمومي لأنها لا تصبح عبء أو مصدر إزعاج لإستقرار السلطة. فالسياسة كالطبيعة في المنظور الأرسطي تخشی الفراغ والمعارضة هي الأثير الذي يملي هذا الفراغ الناجم من وجود سلطة منفصلة عن المجتمع و لو بشكل جزئي، لذا علیها بوصفها البديل السياسي للسلطة القائمة أن تصون الصورة الإعتبارية التي لديها عن نفسها أو لدی الجمهور عنها.
أما فيما يخص السلطة و أحزابها فإنها إن عجزت عن التأقلم مع تحولات الفكر والسياسة والواقع في عالم إعتاد علی التحول المستمر فسوف تنكمش بالنتيجة علی نفسها و تجترؔ بداهتها دون مراجعة و تدقيق وكأنها حقائق مطلقة منزؔلة أو مسطورة في كتاب مبين وهكذا تعجز عن التأقلم مع التحولات المجتمعية وموجات أجيالها الجديدة لاخارجة من رحم حقبة من المآسي والكوارث. وهنا نری استمرار خطاب المعارضة الشعاراتي في ترديد أوراده و أذكاره الغير منسقة حول التغيير الشامل و الأهداف الكبری تُزيد من هربها نحو الأمام في مفارقة صارخة تشبه مفارقة التلازم بين الهزيمة والبطولة في الوعي المجتمعي، كأنه التوازن بين ما يجب ، فيدعو للفيل إن حوصِرَت النملة.
إن تكرؔس البيروقراطية والتسلط الإداري وإنعدام آلية التداول الديمقراطي للمسٶولية داخل الأحزاب تمنع إمكان تجدد الدورة الدموية في شرايين الأجهزة الحزبية. و بهذا لا يصل الغذاء الكافي الی أعضاء
تلك الأجهزة فيقع مايشبه التصلب القاتل في شرایینها. و المآل هو غياب الديمقراطية في الحياة الحزبية الداخلية لتلك القوی.
ففي ظل غياب الديمقراطية تتعرض الوحدة الحزبية الی خطر التمزيق و الإنشقاق ، بعد أن لا يجد الرأي المعارض إمكانية التعبيرعن نفسه في الأجهزة التنظيمية و في الإعلام الحزبي أو حين يتعرض أصحابه الی التهميش أو التعتيم أو الإبعاد أو الطرد أحياناً و یبقی الملاذ الوحيد كما ينتظر الإستقلال التنظيمي أو الإنشقاق عن الحزب. أما فيما يخص الإستتباع السياسي فمن الضروري أن يمتلك الحزب قراره السياسي المستقل وهنا لا نعني بالإستقلال إمتلاك الحزب استقلاله التنظيمي فقط بل تمثيله السياسي الصادق لمصالح قسم أو جزء كبير من المجتمع ، فبدون صون الإستقلال السياسي يفقد الحزب المعارض والمتواجد في السلطة مصداقية التعبير عن القاعدة الإجتماعية التي يفترض أن يمثلها ، و هكذا ينحو بإتجاه تزوير وظيفته السياسية-الإجتماعية و يسقط في آلية من الإستبدال الوظيفي ليتحول الی قوة تعبر عن مركز أو موقف خارج عن التمثيل الأصلي الخاص به.
علینا أن لا نستسلم للتفسيرات التي تحجب و لا تفسر بثوابتها القديمة و عناوينها الحديثة، لأن بناء الوحدة الوطنية و إنهاض الخطاب الوطني الموحد ينظم بمشروع سياسي ذو رٶية متماسكة يقلل من أهمية الشعارات السياسية الخاوية ويزيد من نظرية النظام الديمقراطي. فالعمل السياسي لا يملك أن يكتسب أسباب الفاعلية والتأثير إلا إذا كان مستنداً الی مشروع سياسي و إجتماعي يبرؔره و يٶسؔس له عوامل النجاح. لنعترف بالواقع إذا شئنا معالجته أو تدبيره ، فطريق التغيير الديمقراطي لايمكن أن يقتصر من خلال ركوب موجة الضغط المنطلقة من حماسات الجهات المعارضة والمركبة علی حوامل خارجية تشتغل ببطاريات أجنبية والنضال الديمقراطي يقتضي نفس طويل و ماعداه يجلب الإنتكاس و الإخفاق. الديمقراطية ليست الترياق الشافي من جميع الآفات بل هي نظام من بين الأنظمة داخل الفضاء الاجتماعي المركب ، قد لايصلح لمختلف دوائر المجتمع و مٶسساته، فهو نظام لإنتاج الفاعلية السياسية و لممارسة السلطة و إن نجاح الديمقراطية رهن بتوفير ميزان قوی يرفده و يحميه و يفتح المسارب و الأنفاق أمام تدفق حركاته. والنظام الديمقراطي يستحيل الی الضد مالم يتعامل الناس، أفراداً و جماعات ، مع أنفسهم بوصفهم فاعلين إجتماعيين يعبرون عن فاعلیتهم السياسية عبر التفكير الحي والعمل المتقن.
وختاماً يقال: إن فاقد الشيء لا يعطيه وأن الحزب المطعون في ديمقراطيته الداخلية لا تملك أن تقدم للمجتمع بديلاً ولا مشروعاً ديمقراطياً.
الدكتور سامان سوراني
1202 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع