ونستون تشرشل .. البدين الداهية

                                      

                       علي لطيف الدراجي

بين المعسكرات والكتابة والرسم والسياسة، نشأ شابٌ ينحدر من عائلة مخملية محافظة سياسياً، جدّه دوق مارلبورو الأول ووالده لورد.

لم تشأ الظروف ان ينعم هذا الشاب الذي اصبح فيما بعد اسطورة بحياة الرفاه والخيرات، فبعد وفاة والده في ظروف مأساوية تم تجريده من لقبه الذي كان قد اكتسبه عنه، فما كان على هذا الفتى الا أن يشق طريقه بنفسه وأن يكسب رزقه بقلمه ولسانه. انه رئيس وزراء بريطانيا السير ونستون تشرشل او ما يعرف بالرجل البدين، الذي سميت ثاني قنبلة ذرية ألقيت على مدينة ناغازاكي اليابانية في 9 آب 1945 باسمه بسبب بدانته.

في 30 تشرين الثاني 1874 ولد ونستون تشرشل في قصر بلاينهام الشهير القريب من أوكسفورد مقر حكام مقاطعة مارلبورو، ونشأ في جو عابق برائحة التاريخ والحروب والانتصارات، وساعدته في ذلك والدته. على عكس ما ستظهره المعلومات الواردة ادناه لما يمتلكه تشرشل من ذكاء وحنكة سياسية محترفة، الا انه لم يظهر أي نجاح في المدرسة الثانوية حتى انه لم يتمكن من الوصول أبدا إلى الصفوف العليا، وكان يستعمل لغته الخاصة غير مبال باللغة الإنكليزية وأدبها الكلاسيكي.

بدأ حياته السياسية في حزب المحافظين، وانتُخب عضواً في مجلس العموم، وفي سنة 1904، انضم إلى حزب الأحرار بعد خلافات بينه وبين المحافظين. وكان تشرشل قد دخل البرلمان بعد ان جمع مبلغاً من المال كان قد حصل عليه مقابل المحاضرات التي القاها في الولايات المتحدة الاميركية، والتي روى من خلالها تجربته العسكرية في جنوب افريقيا وقصة هروبه من المعتقل.

وفي عام 1908 عين تشرشل وزيراً للتجارة ثم وزيراً للداخلية في العام 1910، ووزيراً للبحرية في العام 1911. وفي مطلع الحرب العالمية الأولى، كان تشرشل وراء حملة الحلفاء إلى الدردنيل لعزل تركيا عن أوروبا، والتي أخفقت إخفاقاً ذريعاً ويعد تشرشل مسؤولاً عن هذا الإخفاق، ما اضطره إلى الاستقالة.

وفي العام 1915 بدا لتشرشل أن حياته السياسية قد انتهت خصوصاً بعد اشتراط المحافظون للدخول في تحالف حكومة الائتلاف بتجريده من منصبه كقائد للقوات البحرية، فتعلم الرسم لتمضية وقته، واستمر يمارس الرسم حتى آخر لحظات حياته.

وقرر العودة إلى المعسكرات، وفي العام 1916 ولاه رئيس الوزراء لويد جورج منصب وزير الإمدادات العسكرية، وبنهاية الحرب صار وزير الدولة لشؤون الحرب والقوات الجوية، اذ عمل على تحديث القوات الجوية البريطانية.

وفي أيار عام 1945 قاد تشرشل مواكب المحتفلين بالنصر في شوارع لندن، إلا انه – كما ورد في أحد كتبه – كان يشعر بغصة في القلب لعدم قدرته على الحد من النفوذ الشيوعي داخل أوروبا. وبعد شهرين من ذلك سقطت حكومته في الانتخابات، وبعد تولى حزب العمال للسلطة انصرف تشرشل إلى الكتابة والرسم مرة أخرى. وأهم مرحلة في حياة تشرشل السياسية برزت في الحرب العالمية الثانية، فقد عُين عند اندلاع الحرب سنة 1939 وزيراً للبحرية، وفي 10 ايار 1940 أصبح تشرشل رئيساً للوزارة البريطانية، وأعلن في 7 حزيران أن بريطانية ستتابع الحرب وحدها، وتعرض بعد ذلك للوم شديد، بعد أن عجزت بريطانيا عن صد الجيش الألماني في اليونان، وخاصة في جزيرة كريت، وله أثر في نشوب الحرب

بين ألمانية وروسية، وبذلك تجنبت بريطانية أي غزو محتمل لأراضيها.وهو الذي رفع معنويات شعبه أثناء الحرب ولم يخضع لأدولف هتلر، وقال له هتلر حينها: اننا لا نريد محاربتك نحن نريد استسلامك، ولكن تشرشل لم ينصع وقاوم حتى النهايه وكان النصر حليفا له، وهو اول من أشار بعلامة النصر بواسطة الاصبعين السبابة والوسطي، وقال حينها: إن غزا هتلر الجحيم، سأمتدح الشيطان –ستالين- على الأقل في مجلس العموم. ولعل من غرائب القرن العشرين التي تكاد لا تحصى انه في الوقت الذي كان تشرشل يوقع على أمر بالبدء بإنتاج القنبلة الهيدروجينية كان يفوز بجائزة نوبل للآداب سنة 1954 لكتاباته التاريخية.

كان رجل دولة بارز، خطيب مفوه، مخطط استراتيجي ، اتقن الشعر وكتبه باسلوبه الخاص، تمتع تشرشل بروح النكتة وبإطلاقه حركات وشعارات ميزته عن غيره. تعرف في حياته على كليمانتين هوزييه وصارا خطيبين وعندما كتب حياة وأيام جون تشرشل دوق مارلبورو، شكلت قاعات ذلك القصر وحدائقه النبع الذي استقى منه تشرشل مصادر كتابه. وقد عرف عنه نزعته الأرستقراطية البعيدة عن الشعب في الداخل، والاستعمارية المتطرفة في الخارج.

وفي 24 كانون الثاني 1965 غادر تشرشل الحياة، ودفن في حديقة الكنيسة الصغيرة التابعة لقصر بلاينهايم حيث ولد قبل تسعين سنة. ليطوي بموته صفحة أهم رئيس وزراء مرّ في تاريخ الحكم الملكي البريطاني. ومن أقواله في السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة. والشخص المتواضع هو الذي يمتلك الكثير ليتواضع به. والمسؤولية ثمن العظمة. واذا كنت ترغب بحق في اكتشاف بحار جديدة ، يجب عليك ان تتحلى بالشجاعة اللازمة لمغادرة الشاطئ. والمتشائم يرى محنة في كل

منحة ، والمتفائل يرى منحة في كل محنة . ولا تستسلم ابداً ابداً ابداً ابداً ابداً ابداً .. وإمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1037 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع