محمود الوندي
بعض التطورات السياسية الجديدة في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا التي أدت الى فوضى عارمة وسقوط بعض الحكومات وقيام حكومات جديدة ، هي التي تشجع الى امتداد نفوذ الدول الكبرى الى المنطقة .
وتسعي الولايات المتحدة الامريكية في ظل حال الاضطراب وعدم الاستقرار لتهيمن علي الشرق الأوسط ، حيث وضعت استراتيجية جديدة لإعادة التوازن في منطقة الشرق الأوسط ودعم التحول الديمقراطي في المنطقة التي تنسجم مع المصالح الأمريكية ، وكبح جماح إيران في المنطقة وتقليل مخاوف حلفاءها .
لا بد ان تكون لدى الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية فعالة من أجل حماية مصالحها في الشرق الاوسط ، لانها أدركت مدى أهميته الذي بدأ الاهتمام الفعلي به بعد ان اصبحت هي القوة العظمى الوحيدة في العالم وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ؛ وهذه الإستراتيجية تتعلق بتغيير الانظمة في الشرق الاوسط بحجة دفاعاً عن حقوق الإنسان وأنهم يريدون إنقاذ الشعوب من قسوة دكتاوريات متوحشة ومستبدين في السلطة ، ومن حهة اخرى بحجة محاربة الارهاب ، وخاصة بعد تفجيرات البرجين في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 داخل أمريكا من قبل القاعدة ( أن المخابرات الأميركية من وراء تفجيرات سبتمبر ، لآن القاعدة مجرد أداة في يد الإدارة الامريكية ) ، ومن جهة ثالثة اخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل ، ومنع حدوث سباق تسلح نووي في المنطقة ، والقصد هنا منع إيران من ان تصبح قوة نووية . واحتواء الخطر الإيراني ، وذلك من أجل حماية حلفاءها من الوقوع تحت مظلة نووية إيرانية ، في نفس الوقت لتهميش الدور الروسي في المنطقة قدر المستطاع . أدت تلك العوامل مجتمعة لان تجعل من الشرق الاوسط مركز الاهتمام نسبة الى امريكا .
أن دوائر القرار في الولايات المتحدة تبين بوضوح لديها دراية كاملة على أدق تفاصيل التناقضات الداخلية موجودة داخل الدول والصراعات الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط ، لذلك أنها تسعى لتجيير تلك الصراعات والتناقضات لخدمة مصالحها الاستراتيجية دون النظر إلى الثمن الذي سيدفعه الشعوب . لذلك صرفت الولايات المتحدة الامريكية بالدعم من مؤسساتها الكبرى ، اموالاً طائلة من اجل إيجاد أنسب السبل إلى تطبيق إستراتيجيتها في الشرق الاوسط لغرض مصالحها الخاصة . وفعلا شهدت المنطقة تغيرا واضحا وتطورا استثنائيا بعد القرن العشرين .
تقوم هذه الإستراتيجيات في المنطقة على سياسات جوهرها تدمير منظومة القيم الأخلاقية للشعوب ، أي إلحاق أشد الأضرار بالشعوب والمزيد من الكوارث ، وحيث تعتمد على بعض القوى السياسية في المنطقة والحكومات المحلية لتوسيع الاحقاد بين مكونات المجتمع وتشجيع الطائفية في المنطقة . بالتأكيد يختلف كثيرون معي لإستراتيجية أمريكية خاصة . برغم سقطت الأقنعة على وجهه الولايات المتحدة وهي تحاول نشر الفوضى على الأرض لا في باطنها في تفتيت النسيج الاجتماعي في الشرق الاوسط . مع ازدياد من احتقانات طائفية وعنصرية وعداء وأحقاد بين مكونات المنطقة .
العارفون ببواطن الأمور ترحب بالتغيير وإبعاد شبح التشدد عن المجتمع الشرقي ويرغبون بتغيير هذه الأنظمة المستبدة والموافقين على المشاركة الدولية لتغيير الانظمة الفاسدة وينظرون بإيجابية لتغير الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة ، لكنهم يخشون من صعود الإسلاميين المتشددين فتغرق توقعاتهم في المياه الداكنة ويكون تغيير مؤلماً وتتبع تأثيراته قاسياً على الشعوب .
كما أن المعطيات تشير تدخل الولايات المتحدة الامريكية في شؤون الشرق الاوسط لتغير الانظمة الفاسدة وتسلميهم الى الاحزاب الاسلامية ، تحاول احتواءها وتجييرها لمصحلتها ؛ بحيث يقوم الإسلاميون بالمحافظة على المصالح الغربية الأمنية والاقتصادية والسياسية كما هي ، مقابل تركهم يقومون بخلق مجتمعات إسلامية ، فإن مثل هذه الصفقات ما هي إلا زواج متعة لا تدوم طويلاً بسبب سذاجة الاحزاب الاسلامية ، لأن صلب الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الإسلامية يتناقض بشكل صارخ مع مبادئ العولمة التي تقوم بنشر المبادئ الرأسمالية دونما هوادة .
فستكون النتائج هذه الإستراتيجية على العكس تماماً ، عدم تمتع منطقة الشرق الاوسط بحياة هادئة ومستقرة في ظل الانظمة الجديدة والمتمثلة بالاحزاب الاسلامية ، وتكون الشعوب الأكثر تعرضاً للظلم لكونها تخضع لحكم القبضة الحديدة ، لان ليست لدى الاحزاب الإسلامية أي ايدولوجية مع تطور العولمة وعدم انسجامهم مع المجتمعات المتطورة والمتقدمة والحضارية الحديثة ، وتستخف بنظام الاتصالات وتبادل الافكار والمعلومات ، بما ان يشير مصطلح " العلمانية او العولمة " إلى فصل واضح بين المؤسسات أو السلطة السياسية وبين المؤسسات أو السلطة الدينية وهذا لا ينسجم نهائيا مع العقلية الاسلامية .
وحتماُ سيؤدي هذه الإستراتيجية الى إشعال المنطقة (هو طبيعة التنافس القوي بين السنة والشيعة ) إذا أستلم احدى الطائيفتين للسلطة ؛ تدفع المنطقة الى الاحتقان الطائفي ومزيد من التوتر ومن البؤس والفقر وتمزق النسيج الاجتماعي" , ويدفع المتطرفين السنة وبدعم السعودية والحكومات الخليجية إلى تصعيد معدل الهجمات ضد الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة ، وهي أيضا تدفع الشيعة ، وبدعم من ايران ضد الحكومة التي تسيطر عليها السنة ( كما حدث في احتلال العراق ويحدث اليوم في سوريا ، إضافة الى وضع لبناني متردئ ، وما تجرى من الاحداث في تونس , مصر , ليبيا , اليمن حسب وسائل اإعلام ) ، ولهذا السبب ان الخاسر الأكبر ستكون الشعوب . وان هذا التدخل واستعمال القوة العسكرية في الشرق الاوسط من الطبيعي يواجه استنكار شعوب ارهقتهم الحروب . لان تصبح المنطقة بسفينة تتقاذها أمواج عاصفة لم يكن أحدا يعرف الى اين سينتهي المطاف بها.
ازاء ذلك ، لا بد من ان يطرح السؤال التالي على الذين يتباكون بدموع التماسيح على شعوب الشرق الاوسط ؛ لماذا لم تُدعمْ المعارضة الحقيقية والنظيفة داخل دول الشرق الاوسط من قبل الدول التي تريد استهداف الدكتاتوريات والحكومات المستبدة وإزاحتهم ، وانقاذ الشعوب من الهلاك والتدمير ؟! أم تكون لدى الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها إستراتيجية ابعاد الارهاب عن شعوبهم وتحويله الى الشرق الاوسط ؛ وبالاخص بعد ان تعرض لها إبان تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 ، أم هي لغرض زرع "الفتنة"، والفرقة بين الطوائف والقوميات وخلق الاضطراب وعدم الاستقرار من خلال الصراع الطائفي بين المسلمين حتى تهيمن علي الشرق الأوسط . أليست إستراتيجيتها جرائم ضد الشعوب وعدوانا على العدالة وحقوق الإنسان وعلى قيم الأرض والسماء بحجج واهية ؟!
1129 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع