ذو الفقار
سفراء ودبلوماسيو الزمن الأغبر بعد عام ٢٠٠٣/ الجزء الخامس
ملاحظة
عطفا على مقالاتنا السابقة، نستكمل الحديث عن الدبلوماسية العراقية بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق بعد ان استعرضنا الدبلوماسية العراقية في اوجها الباهر خلال الحكم الوطني السابق، وما افرزته من سفراء ودبلوماسيين لامعين كانوا مصدر فخر واعتزاز على المستوين العربي والعالمي، مثل وسام الزهاوي، ونزار حمدون، وعبد الجبار الهداوي، ووهبي القره غلي، ووداد عجام، ورياض القيسي، واكرم الوتري، وفؤاد الراوي والعشرات غيرهم.
دبلوماسية المحاصصة
تشهد الدبلوماسية العراقية العريقة منذ الغزو الأمريكي ولحد الآن سكرات الموت البطيء، فهي في حالة تدهور من سيء إلى اسوأ. ولا شك إن استمرار احتكار هذه الوزارة السيادية من الأحزاب المتنفذة وآخرهم الوزير الكردي (شيعي فيلي) من شأنه أن يعجل بموتها. إن إداء الوزارة منذ تسلم الزيباري قيادتها ولد فؤاد حسين كان مهينا ومخزيا، بل هو لطخة عار في جبين الدبلوماسية العراقية منذ فجر تأسيسها. وكل من يظن بأن هذا الإداء سيتغير أو يتحسن في المستقبل القريب فهو في ضلال مبين. لسبب بسيط وهو ان كل ما يقام على الباطل هو باطل. وعندما يكون الأساس ركيك فمن المتوقع ان ينهار البناء، وهذا ما جرى في وزارة الخارجية خلال الحقبة الاحتلالي بعد عام 2003.
من الغباء ان يظن المواطن العراقي ان الحكومات القادمة ستجري إصلاحات جوهرية في الحقل الدبلوماسي، بسبب ثقل التركة التي بنين عليها الوزارة بعد الاحتلال الأمريكي، فهي اشبه ببرميل من البارود لا يؤتمن شر انفجاره في يوم ما، شأن الوزارة شأن البلد عموما، من المحال ان يبقى العراق على هذا الحال المزرى، طالما ان المحاصصة الطائفية والعنصرية هي التي تحكم ما يسمى بالدولة العراقية، وهي لا تمتلك أي من سمات الدولة. فقدعين الوكلاء والسفراء بطرق المحسوبية والمنسوبية، وصارت السفارات مستنقعات تجمع عوائل المسؤولين وكفيلات المحاصصة، سيما تلك التي في اوربا. كما اشار لذلك عدد من النواب الذين استعرض السفراء الحاليين مفاتنهم أمامهم، قد عينوا ايضا بموجب المحاصصة التي يتبرأ الجميع منها في الظاهر ويتمسكوا جميعا بها في الباطن. أما تعيين الدبلوماسيين الخدج فحدث ولا حرج. وقد شخصنا وغيرنا الكثير من السلبيات في هذا الموضوع ولا حاجة إلى التكرار.
يقوم السفراء عادة بمهام خطيرة اهمها تمثيل بلادهم لدى الدول المعتمدين فيها، والمحافل الدولية كالمنظمات الأممية والإقليمية، هم عيون بلدهم في الدولة المضيفة، ينقلون لها بأمانه مجرى الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية المهمة وانعكاساتها على مجمل العلاقات الثنائية ويقدمون التوصيات اللازمة للارتقاء بتلك العلاقات الثنائية او المتعددة الاطراف، وتذليل المصاعب وبناء الجسور الجديدة او ترميم التصدعات في الجسور القديمة، كما يتولون مهمة تبادل الآراء ووجهات النظر بشأن طبيعة العلاقات الثنائية وتنميتها من ثم نقل توصياتهم إلى ديوان وزارة الخارجية التي ترسم بدورها اللوحة المستقبلية لتلك العلاقات بما يتوافق والمصالح الوطنية العليا.وتعد خطة عملها السنوية، وتودعها للحكومة كاستراتيجية.
السفراء إذن هم رسل الخارجية ويتم اختيار الرسل عادة ضمن مواصفات بالغة الدقة لذلك جاء في الامثال العربية القديمة "سفير السوء يفسد البين". بل بالغ العرب في شروط السفارة فوضعوا شروطا إضافية كالجسامة والوسامة والفصاحة والملاحة. ومن أبرز الصفات المطلوبة في الوقت الحاضر الثقافة العامة والمعرفة الجيدة بالقانون الدولي وحفظ نصوص وروح اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، والإلمام بالقوانين النافذة في الدولة المعتمد فيها السفراء، ومعرفة لغة البلد أو إجادة أحدى اللغات الأجنبية الواسعة الانتشار كاللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية التي تمكن السفير والدبلوماسي من التفاهم مع وزارة خارجية الدولة المعتمد فيها أو اقرانه السفراء.
من الصفات المطلوبة في العمل الدبلوماسي سرعة البديهية والرزانة. لأن السفير يمثل بلاده وحكومته وليس نفسه، علاوة على قوة الشخصية وتأثيرها على الآخرين والحكمة فقد قيل "أرسل حكيماً ولا توصه". وتفهم الخطوط الرئيسة لسياسة وزارته، وكذلك السياسة الخارجية للدولة المضيفة. والتمتع بقوة تساوميه وفهم فنون التفاوض وكيفية إدارتها مع الطرف المقابل فالتفاوض أمسى من أهم فنون الدبلوماسية. يضاف إلى ذلك اللباقة والذكاء والخبرة والمعرفة بأصول الإتكيت والمراسم. والأهم من ذلك كله معرفة الحصانة الدبلوماسية وحدود صلاحياته والخطوط الحمراء التي يجب مراعاتها وعدم تجاوزها في الدولة المعتمد فيها والتي نصت عليها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وهو ما لخصه أجدادنا بالقول " يا غريب كن اديب".
نظرة عامة لسفراء العراق المحتل سنجد أنه بالإضافة إلى فقدان عامل الوطنية فأن معظمهم متعددي الجنسيات كالقوات المتعددة الجنسية التي سلطتهم على عراقنا الجريح. فهم يفتقدون إلى معظم تلك المواصفات بما فيهم وزيرهم آغا زيباري البريطاني الجنسية وخلفه المجنون البريطاني الجنسية إبراهيم الجعفري الذي صار اضحوكة لسفراء العالم، فهو مهرج اكثر منه وزير. لذلك فهم بحق رسل الاحتلال وخير ممثلين لمصالح الدول التي خربت وما تزال تخرب العراق. وربما غالبتهم وليس كلهم يصلحون لإدارة زريبة دواب!
هذه الوزارة السيادية يتولى إدارتها وزير ووكلاء وسفراء لا علاقة لهم لا بالعمل الدبلوماسي ولا بالعراق، فهي وزارة متخصصة لخدمة مصالح الأحزاب السياسية التي رشحتهم. ولمنفعة السفراء الشخصية. فما أن تنتهي مهام عملهم حتى يولوا وجوههم القبيحة شطر الدول التي جاءوا منها بعد أن تحولوا من أكباش نحيلة إلى ثيران متعافية. وخير دليل على كلامنا هو مصير الوجبة الأولى من سفراء الأحتلال الذين عينهم رئيس الوزراء السابق أياد علاوي بمشورة وموافقة المستشارة الأمريكية (مس جونسون ذات الاصل الآسيوي) في وزارة الخارجية بعد الغزو، وبمشورة شيخ العمالة محي الدين الخطيب. وهو أحد أقطاب الاحتلال وفي طليعة المدمرين الأوائل لوزارة الخارجية على مستوى تعيين السفراء. فقد قام هذا الوغد العميل بدور تدميري مزدوج من خلال إجتثاث العناصر الكفؤة من الدبلوماسيين القدامى من جهة والمجيء بسفراء أوغاد على شاكلته وزعهم كالخلايا السرطانية في اوصال وزارة الخارجية، معظمهم من أقاربه ومعارفة منهم سعد الحياني واسعد المسعودي اللذان عبثا بوزارة الخارجية ودمرا مقومات العمل الدبلوماسي بتعيين موظفين خدج لا علاقة لهم بالعمل الدبلوماسي ولا العمل الوظيفي من اقاربهم ومعارفهم. اما الصفحة الثانية من تدمير العمل الدبلوماسي فكانت على يد الوزير الزيباري، واكمل إبراهيم الجعفري ذبح وزارة الخارجية من الوريد الى الوريد، ودفنها الوزير الحالي فؤاد حسين. كأنهم اقسموا جميعا بأن لا تقوم للخارجية قائمة مطلقا فكان لهما ما أرادوا.
لو ألقينا نظرة منصفة عن إنجازات السفراء منذ الاحتلال وحتى الآن سنصطدم بحقيقة مرعبة فالفساد الإداري والمالي والأخلاقي كان سيد الموقف وبلا منافس في معظم السفارات العراقية، فلم يقم أي من السفراء بمعالجة أوضاع الجالية العراقية البالية في الخارج أو وضع حدا للهموم التي يعانون منها كسوء المعاملة من قبل الدولة المضيفة او تعدد الجوازات التي لا تحترمها أضعف وافسد حكومات العالم والمشاكل اليومية في المطارات الدولية وغيرها. بل أن البعض منهم كان بحق سيفا مسلطا على رقاب أبناء الجالية، ومارس الطائفية بأحق مستوياتها كما حصل في السفارات العراقية خلال الفترة 2005 فصاعدا في رومانيا واليونان وإيران وبولندا وممثلية العراق الدائمة في نيويورك.
لو نظرنا إلى الوجبات المتتالية للسفراء سيتبادر الى ذهننا فورا المثل العراقي المشهور(( الزمال نفس الزمال لكن العليجة تغيرت)). فمرجعية السفراء ليس الوزير! وإنما الأحزاب التي رشحتهم للعمل وفرضتهم على وزير الخارجية. والمصلحة الوطنية أبعد ما تكون عن ناظرهم واقرب مثال على ذلك سفيرنا السابق في الكويت السيد بحر العلوم او الاصح ( بحر العمالة) - إبن السيد المتأمرك عضو مجلس الحكم السيء الصيت- فقد تسلم السفير(10) مليون دينار كويتي عدا ونقدا من مدير إدارة شركة (الكويت للطاقة) نظير جهوده الجبارة بالتنسيق والمقاسمة مع أخيه وزير النفط السابق (إبراهيم بحر الجهل) لإرساء مناقصة استثمار الغاز العراقي في حقلي السيبة والمنصورية للعشرين سنة القادمة. وهذا السفير كويتي الجنسية نشأ في الكويت ودرس وعمل فيها بمعنى آخر مملوء من رأسه لأخمص قدميه بالحقد على العراق وشعبه. وقد وافته الفرصة الذهبية لتفريغ شحنات حقده. وهو من فضلات معمل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية لصناعة السفلة والمنحطين.
ذو الفقار
للراغبين الأطلاع على الجزء الرابع:
https://www.algardenia.com/maqalat/61629-2023-12-30-07-38-53.html
596 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع