حكاية الشتاء العراقي وانجماد الأنهار.. الجزء الثاني

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل



حكاية الشتاء العراقي وانجماد الأنهار.. الجزء الثاني

لقد أُثيرت مؤخرا تساؤلات حول إمكانية انجماد دجلة والفرات في فصل الشتاء، علما أن كبار المعمرين حاليا لم تمر عليهم أي فترة انجماد للنهرين.

إن من أشد موجات البرد التي ضربت العراق عبر تاريخه المعاصر هي تلك الموجة التي شهدها عموم العراق شتاء سنة 1965م لدرجة أن أنابيب المياه الخارجية في المنازل؛ سواء في بغداد أو بقية المحافظات؛ تفجّرت تلقائياً لشدة البرد. كما وظهر إعلان عبر إذاعة وتلفزيون بغداد صادر من دائرة إسالة الماء تضمن تعليمات بتغطية الميزانيات (المقاييس) بالكواني تجنبا لانجمادها ثم تحطمها، كما وأوصت التعليمات بفتح الماء قليلا في الحنفيات الخارجية لضمان عدم انجماد الماء بالأنابيب، حيث وصلت درجات الحرارة حينها إلى 7 درجات مئوية تحت الصفر!!!

تؤكد المعلومات التاريخية المُوثّقة في الكتب إلى تجمد نهر الفرات في العام 608م تبعه بعد 221 عام تجمد أجزاء من نهر النيل في العام 829م، حيث سُميت تلك الفترة في القارة الأوروبية بما يعرف بـ العصور السوداء (Dark Ages) وانتشرت المجاعات حينها في ايرلندا بسبب البرد القارص السيبيري في العام 822م.

وفي العام 865م خسر أحد النرويجيين مواشيه أثناء محاولته للعيش في آيسلاندا من جراء الطقس السيء وتجمدت مياه إحدى الممرات البحرية، وقد سماها آيسلاندا Icelandوتعني (أرض الجليد). وبعد ذلك اكتشف الفايكنج جزيرة جرينلاند (القطب الشمالي) في العام 982م وسماها بذلك الاسم (Green Land) نسبة إلى الأراضي والمروج الخضراء والتي عكست دفئ المناخ بشكل كبير، حيث كانت خالية تماما من الجليد إبان فترة العصور الوسطى. وهذه الشواهد التاريخية لم تكن محظ صدفة وتعطي صورة واضحة عن التغير في سلوك المناخ.

لقد استمرت فترة العصور الوسطى (أدفئ من وقتنا الحاضر بشكل كبير) الى أن ساد العصر الجليدي المُصغّر منذ القرن الثالث عشر الميلادي وحتى منتصف القرن التاسع عشر تخللته فترات باردة جدا كل 200 عام في القرنين الخامس عشر والسابع عشر؛ وبدا حينها توثيق النشاط الشمسي الذي بدا طرديا مع درجات الحرارة.

ومنذ العام 1850م حتى يومنا هذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية تزامنا مع زيادة النشاط الشمسي، وسط فرضيات تربط الماضي من جهة وعلاقة الشمس مع تعاقب الدورات المناخية من جهة أخرى، على التوقعات المستقبلية على كوكب الأرض.


السؤال الذي يطرح نفسه حاليا: هل سنرى دورة مناخية جديدة في مطلع ثلاثينات القرن الحالي اعتمادا على تسلسل الدورات المناخية المتعاقبة في كل 200عام؟

انجماد نهر الفرات:
لقد تعرض نهر الفرات إلى عدد من حالات الانجماد، ويذكر الدكتور طارق الدليمي أنه سمع من جدته أن نهر الفرات تجمد في إحدى السنين وقد عبر عليه الناس مشيا وكذلك حيوانات.

الجمدة المتداولة والشهيرة في وادي الفرات الشمالي هي جمدة عام 1910، وتسمى سنة (جليغيف). وكانت تلك السنة يضرب بها المثل، وكان المعمرون يقولون: (واعي جمدت الفرات). في تلك السنة ظل الثلج والصقيع 40 يوما، حيث تجمد سطح الفرات وأصبحت الإبل قادرة على السير فوقه.

ويذكر التاريخ أن نهر الفرات قد تجمد سطحه بشكل تام تقريبا في مناطق واسعة من سريره في وادي الفرات، وقد تجاوز ارتفاع منسوب الجليد في بعضها لأكثر من متر. ويذكر الموثِقين أن قوافل الخيل والإبل كانت تعبر بين الضفتين فوق النهر نتيجة سماكة الجليد. كما كان هناك ناس قد عبروا النهر راكبين على الاحصنة.


لقد حصل لنهر الفرات نوعين من التجمُد: الأول كان تجمُد كامل لسطح النهر، في مناطق شاسعة على امتداده. والثاني هو تجمُد جزئي، لمسافة أمتار واقل، ابتداءا من الشواطئ وباتجاه النهر.

 

تشير المعلومات التاريخية إلى أن سنة 608م شهدت تجمُد نهر الفرات، وفي سنة 1840م تجمّد سطح نهر الفرات بشكل شبه تام في مناطق واسعة من سريره في وادي الفرات. حيث كانت موجة صقيع قاسية جدا، وقد وصل ارتفاع منسوب الجليد وقتها لأكثر من متر.


وفي شتاء 1932م تعرضت أرض الفرات لموجة صقيع قاسية جدا، لم يشهد بمثلها التاريخ الحديث المُتناقَل، حيث أصاب النهر تجمُد شبه تام لسطحه في مناطق عدة من مجراه في وادي الفرات.


لقد أدى تجمُد نهر الفرات لنفوق أعداد كبير من الأغنام والجمال والغزلان والمواشي، وبعد زوال موجة الصقيع كانت عظام الحيوانات الميّتة متناثرة في مكانات كثيرة من أرض الفرات، وقد أطلق الناس على تلك السنة (سنة أم العظام).


وفي سنة ١٩٤٧-١٩٤٨ تجمد نهر الفرات أيضا، وفي شتاء ١٩٥٧ جاءت موجة برد قاسية تجمد فيها قسم كبير من شواطئ الفرات، كما تجمدت أيضا بِرك الماء.

انجماد نهر دجلة في الموصل:
يذكر الكاتب صبحي صبري أن من أغرب الحوادث التي شهدتها مدينة الموصل، هي عبور الجَراد على نهر دجلة وهو مُتجمد، زحفاً من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي، حيث قضى على المزارع سنة 1170م، وعادت مياهه إلى التجمُد سنة 1248م ولعمق ثلاثة أذرع عند ضفتيه، لكنها في سنة 1620م تجمّدت بكاملها بحيث تمكن الناس من عبور دجلة مشياً أو مع دوابهم.

ويذكر المؤرخ ا.د.إبراهيم خليل العلاف أنه عثر على ديوان الشاعر الموصلي قاسم الرامي (1699-1772م)، وهو من شعراء الموصل البارزين، وله قصيدة في انجماد نهر دجلة سنة 1170 هجرية/1757ميلادية.

لقد كان آخر انجماد لدجلة سنة 1905 حيث انخفضت درجات الحرارة تحت الصفر لأكثر من عشر درجات، وقد استمرت حالة الانجماد عشرين يوما، وقدً عبرت الجِمال بأحمالها على الماء المتجمّد.

يذكر الصديق (عبد الخالق الكتبي) أنه قد روى له شيخ كبير السن قبل أكثر من أربعين سنة، بأنه قد عبر نهر دجلة على عربة يجرها حصان إلى الجهة الثانية فوق النهر وقد تجمّد ماءه، وكان بسير بمحاذاة الجسر الخشبي الذي كان مقطوعا والذي كان بجوار الجسر العتيق حاليا.

وتذكر الأخت مريم صالح أن لديهم مثل شعبي متداول في قرى السبعاويين التي تحاذي نهر دجلة من الجهة اليسرى وتمتد ما بين ناحية الكوير إلى القيارة ومخمور، فيقولون (واعي صْطمة الفراه) أي (تجمّد الفرات)، ويقصدون به (تجمّد دجلة).

بقرة سحوقي:
يذكر الصديق أبو عمار السبعاوي أن تجمد ماء نهر دجلة في مطلع القرن العشرين هو حدث حقيقي، وأنه من سكنة منطقة الميدان في الموصل أباً عن جد، وقد عايشوا انجماد نهر دجلة بمنطقتهم (شط القلعة).

ويذكر أبو عمار أنه كان الكثير من سكان منطقة الميدان وحوش الخان من المسيحين، وكل بيت تقريبا كان عنده بقره ينزلها على جوانب الشط لتأكل من الحشائش وتعود إلى صاحبها مساءا. وفي مطلع القرن العشرين حدث برد قارس جدا تجمّدت على أثره جوانب النهر، أما وسط النهر فكان هشا.

ويضيف أبو عمار أنه كانت تسكن في منطقة الميدان عائلة شخص مسيحي اسمه (اسحاق)، ويلقبوه (سحوقي). وفي سنة 1905 تجمّد دجلة وأصبح الجليد طبقة صلبة، فمشت (بقرة سحوقي) على سطح النهر المُتجمّد. وعندما أرادت (بقرة سحوقي) أن تعبر النهر كعادتها وتذهب للحويجة ( حديقة الشعب حاليا)، خسف بها النهر لهشاشة وسطه، فأصبحت البقرة نصفها غاطس والنصف الآخر طائف بالماء.

جاء (سحوقي) ومعه فزعة من شباب المنطقة وحاولوا سحب البقرة من النهر وهي حيّة، فلم يتمكنوا!! وخافوا أن تموت البقرة من البرد، فعمدوا إلى ذبحها وهي في الشط، وقاموا بتقطيعها داخل النهر ليسهل عليهم نقلها.

ويذكر الصديق أبو عمار السبعاوي إن هذه الواقعة الحقيقية يعرفها أهل منطقة الميدان القدماء، وقد اتخذوها مناسبة تاريخية لكي يؤرخوا بها، فيقولوا مثلا: فلان ولد سنة (بقرة سحوقي).

https://www.youtube.com/watch?v=kgLBKkNxx4c

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1387 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع