عائشة سلطان
السفر.. كشف واكتشاف!
في أدبيات السفر، هناك الكثير مما يعتبر قواسم مشتركة بين مختلف الثقافات، فأهداف الرحلة أو السفر تكاد تكون واحدة على تعدد مظاهرها وأشكالها، لذلك فقد لعب السفر دوره خلال تاريخ الإنسان ومنذ الأزل، كرافد مهم للمعرفة والاطلاع، واتساع الخيال، وإثراء المدونة السردية، حينما اندفع الرحالة والكتاب يدونون تجربة السفر في أسفار وكتب وسير ذاتية وروايات ومذكرات وأساطير وأكاذيب!
إن مصطلح السفر، إذا أعدناه لمصدره اللغوي، وإلى فعلي المضارع والماضي منه، فسنكون أمام: سفر وأسفر، وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ)، أي أضاء وأشرق وأقبل، وسفر وجه فلان وأسفر: أي استنار وأضاء، كما نقول أسفر وجهها حسناً أي أشرق، وسفرت أو أسفرت المرأة أي كشفت عن حقيقة وجهها، لذلك فهي امرأة سافر أو سافرة!
فكيف نقرأ كل ذلك في كتاب السفر ومآلاته؟
صحيح أن السفر انتقال مادي عبر المكان، نغادر فيه بلادنا وأهلنا وأماننا، إلى بلاد أخرى وأناس لا نعرفهم وواقع غريب عنا، نتنقل وننظر ونندهش، ونتعلم، ونعجب ونفرح ونلهو ونستفيد ونكتسب معارف وعلاقات والكثير من الخبرة والتجربة، وهو في الوقت ذاته انتقال من زمن إلى زمان آخر، ومن تاريخ وثقافة وحضارة إلى زمن وتاريخ وحضارة، وحتى الوقت ينقلب مؤشره أمامك رأساً على عقب فيختل توازن جسدك، وتدور بك الدنيا!
وكما يكشف السفر أمامنا كنوز المعرفة وقاموس اللغة، فإنه يكشف لنا الكثير مما كان مختبئاً في مجاهيل النفوس والقلوب! فكم صديقاً كشف لك السفر نبله، وكيف صاحب أسفر لك الترحال معه عن وجه لم تتوقعه يوماً، كم كشف لك السفر وكم صدمك وكم أفقدك من الناس؟ إنه محك إنساني أشبه بمختبر لتحليل الأخلاق والمواقف!
السفر استنارة وبصيرة، لذلك يقول لنا العارفون، أغطية كثيرة ستتطاير أمام رياح السفر، وإنك لن تعرف صاحبك ما لم تصحبه في سفر، وإن السفر الذي لطالما أسعدنا وأسقطنا في دهشة الأطفال هو نفسه من أسقط دموعنا ونحن نكتشف المخبوء خلف الأقنعة والضحكات!
1202 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع