علي المسعود*
"غزة مون أمور " صورة متفائلة بحرارة وحذر لأرضِ تتوق إلى الحبِ والسلام
فيلم" غزة حبيبتي" (غزة مون أمور) إخراج ألأخوين التوأم عرب ناصر وطرزان ناصر الذي نال جائزة أفضل فيلم عربي بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته ال 42، بالمناصفة مع فيلم (نحن من هناك). عرض لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي لعام 2020، وتم اختياره كفائز بجائزة أفضل فيلم آسيوي. كما تم اختياره كدخول فلسطيني لأفضل فيلم روائي طويل دولي في حفل توزيع جوائز الأوسكار الثالث والتسعين. شارك الأخوان التوأم طرزان وعرب ناصر في كتابة وإخراج الفيلم، فيلم (غزة حبيبتي) يدعم المناخ السياسي الحالي والصراعات اليومية في غزة، ولكن الفيلم يضعنا في طابع إنساني على تجارب مواطنيها.
ولد الأخوان التوأم عرب وطرزان ناصر في غزة عام 1988، وغادروا قبل عقد من تدمير إسرائيل لغزة في الهجوم العسكري. في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، حين بدأ الاحتلال الإسرائيلي عدوانه العسكري على قطاع ، بعملية سماها "الرصاص المصبوب"، في حين اختارت المقاومة الفلسطينية أن تسميها "معركة الفرقان"، واستمرت نحو 23 يوما وأنهت الحربَ تهدئة دامت ستة أشهر تم التوصل إليها بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واسرائيل برعاية مصرية في يونيو/حزيران 2008، وأسفرت الحرب عن نحو 1500 شهيد ودمار هائل في البنية التحتية بغزة. ورغم انتهائها ومرور سنوات عليها، لم يعاقب قادة الاحتلال الاسرائيلي على جرائمهم في حق القطاع وسكانه، رغم إقرار منظمات دولية وحقوقية في تقاريرها بوقوع جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين .
(غزة حبيبتي) رومانسية وسط الموت والخراب
عنوان الفيلم يحمل أشارة واضحة لتحفة المخرج الفرنسي آلان رينيه (هيروشيما... يا حبي) عام (1959). لكون غزة تشبه هيروشيما بعد أن تحولت مدينة الحرب، (غزة ) مدينة التي لا يعرفها العالم الا فيها إلا عندما تتعرض للمجزرة من قبل قوات الاحتلال ، لكن الأخوان ناصر صورا مدينة غزة مكان للحب والرومانسية، يفتح ألأخوان ناصر وهم أنفسهم من غزة فيلمها على أصوات إطلاق النار من على شاشة التلفزيون. تحجب التفجيرات المنتظمة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي السماء، ورغم ذالك يواصل الناس أنشطتهم العادية وحياتهم اليومية في جميع أنحاء غزة، ونراقب أيضا الانقطاعات اليومية في التيار الكهربائي، و الصعوبات والمضايقات عند نقاط تفتيش الشرطة، على الرغم من هذه الخلفية الكئيبة، يستخدم المخرجان الاخوان الكوميديا للتغطية على الكآبة ودون تطغى نبرة قاتمة وسوداوية على الفيلم بشكل مفرط وسط التفجيرات والحرمان الاقتصادي. هذا يذكر الناس بشكل فعال أنه على الرغم من التحديات الجيوسياسية، فإن سكان غزة هم أناس مثل بقية البشر عاشقين للحياة. ومع ذلك، لا يتراجع المخرجان الأخوان في سرد الحقائق عن الواقع القاسي لأهالي غزة ومعاناتهم اليومية. واستطاعا المخرجان الأخوان كسب تعاطف المشاهد مع أهالي غزة وكيف يحبط الحصار سبل عيش أهلها وإمداداتهم الغذائية اليومية.
يسلط المخرجان التوأمان الضوء على الفقر بطريقة خفية للغاية ويأخذوننا داخل منزل بطل حكاية (غزة مونا مور) الصياد "عيسى" الذي يبلغ من العمر 60 عاما، العازب الذي لم يتزوج أبدا، نشاهده حيث يريد أن يستحم، ولكن الماء لا يصعد الى الدش ولا يوجد تدفق للمياه. بدلا من ذلك، يملأ وعاءان بالماء الذي يغمر نفسه. الرجل أصبح كبيراً ولا يريد أن يكون وحيدا والموضوع الرئيسي في الفيلم عاطفته نحو سهام (هيام عباس)، وهي خياطة تعمل في محل متواضع في السوق ، أمرأة خجولة ومتحفظة مع بريق واضح في عينها . تقاوم سهام بشكل متواضع مغازلات عيسى. في غزة المحاصرة، يعمل الصياد عيسى ناصر (الممثل الفلسطيني سليم ضو) في كشك لبيع الأسماك في سوق المدينة. يزور عيسى المحب للغاية صديقه سمير (جورج إسكندر)، ويتبادلان قصص عشق الماضي ويمزحان معاً عن الحياة والنساء. ويسخر من ذلك، "لقد كنت حكيما عند بقاءك أعزباً وبمفردك، لا زوجة ولا أطفال، ولا حتى كلب!، والله انت يا عيسى ملك!"، يكشف سمير في وقت لاحق عن أحلامه في الهروب إلى أوروبا مع عائلته، ويسأل عيسى إن كانت لدية رغبة في مرافقته. أجاب عيسى "لا، مستقبلي هنا". نكتشف خطط عيسى المستقبلية عندما يعلن ذات صباح "لقد قررت الزواج". هذا يدفع أخته منال (منال عوض) إلى جمع مجموعة من النساء في منتصف العمر ليختار واحدة للاقتران بها. ولكن عيسى مغرم بالفعل بسهام (هيام عباس) أرملة وتعمل خياطة في السوق مع ابنتها المطلقة حديثاّ ليلى (ميسا عبد هادي)، الطالبة الجامعية المتحررة التي تساعد والدتها في الخياطة لتأمين لقمة العيش، ولا ترتدي حجاباً على رأسها ولا لباساً تقليدياً مثل نساء القطاع عامة والتي تفكر بالهجرة ومغادرة غزة.. التقى بها في موقف السيارات العامة ورجاها أن تقوم بتقصير سراويله، ووافقت على ذلك. وعند قياسها بعد التعديل كانت السراويل قصيرة ومضحكة في حين عيسى كان يردد بسذاجة انها جيدة ومناسبة. سهام أيضاً ربما بدأت تشعر بشيء ما اتجاهه. عيسى الصياد واقع في حب سهام (تقوم بدورها الممثلة هيام عباس)، لم يكن لدى عيسى الشجاعة بمصارحتها بحبه لها. في الوقت الذي تستمر أخته في دفعه للعثور على زوجة، تعرف سهام أن عيسى لديه مشاعر تجاهها لكنها تحاول تجنبه. لم يمتلك عيسى أبدا الشجاعة في إخبار سهام أنه يحبها تتعثر خطة عيسى في الزواج من الخياطة سهام بعد اكتشافه تمثالا يونانيا قديما لأبولو عالقا في شبكة الصيد الخاصة به. في أحد الليالي وأثناء الصيد يسحب شبكة صيده ويجد تمثالا عملاقا عالقا فيها، تمكن من إدخاله في قاربه وسحبه بدراجته النارية ويجتاز نقطة التفتيش من قبل سلطة حماس .
تأخذ الأمور منعطفا أكثر من روح الدعابة حيث قوبلت محاولاته غير المجدية لإخفاء تمثال أبولو عن رجال الامن التابعين لحركة حماس بالحبس، ويواجه الاستجواب الصارم والسجن والغضب من قبل محقق الشرطة الذي يدعي أن التمثال ملك السلطات الفلسطينية داخل غزة التي تسيطر عليها حماس. يجلب صيادنا التمثال إلى منزله المتواضع للغاية حيث يقفل عليه في خزانة ملابسه. لسوء الحظ، أثناء سحبه للتمثال ينكسر جزء منه (عضوه الذكري) الذي يحمله الصياد عيسى إلى صائغ محلي لتثمينه، يخبره أنه لا يستحق الكثير لكنه سيكون على استعداد لشرائه. يرفض بطل الرواية عرض الصائغ، في الليل تداهم الدار شرطة حماس المحلية وتبدأ في تفتيش الدار والعثور على التمثال ويزج بالصياد في السجن بتهم غير محددة ويصادر التمثال. يوافق "عيسى "على مضض على التوقيع على "اعتراف" ودفع 5000 شيكل، وبعد ذلك يكون حرا في الذهاب الى بيته. الآن خارج السجن، وبعد قت قصير يقرر الذهاب إلى دار الحبيبة ولكنه يتجمد امام الباب ويتردد في طرقه، ويرجع دون أن يبوح بحبه الى سهام. في المشهد الأخير، بعد أن يتأنق عيسى ويذهب الى بيتها ليصارحها برغبته بالزواج منها، يحشد ما يكفي من الجرأة للمحاولة مرة أخرى وبعد أن يتأنق ويرتدى أفضل ملابسه ويغمر نفسه بالكولونيا، يعود إلى منزلها وهذه المرة يطرق الباب. سمحت له بالدخول وهو ينفجر "هل ستتزوجني؟" تفاجئ في البداية، لكنها تغرق في موجة بالضحك مع الأبنة عند وصولها على الشقة وتشاركهم هستيريا الضحك. وفي الختام يتزوجون وبينما هم على وشك التقبيل نسمع صوت قصف الاحتلال الإسرائيلي للقطاع. يقدم فيلم "غزة مون أمور" دراما مبسطة ذات نغمات سياسية خطيرة مع رؤية للوضع الفلسطيني في وقت واحد ، وتكشف كيف يمكن إحباط حتى أبسط قصص الحب وسط صعوبات الحياة في القطاع .
على الرغم من كل شيء، لا يزال هدف عيسى الأساسي قائما، وهوأعلان مشاعره وحبه للخياطة سهام مهما حدث. من ناحية أخرى، تعمل سهام طوال اليوم في السوق وتقضي لياليها في مشاهدة فيلم قديم( حبيبتي ) بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين مرارا وتكرارا والذي يذكرها بزوجها المتوفى. الصياد عيسى ( الذي يؤدِّي دوره بشكل مثير للإعجاب الفنَّان والمخرج سليم ضو ) رجل عازب، إلا أن أهم ما فيه هو حسه الإنساني الذي يعكس المزاج الشعبي الفلسطيني، كذلك بطلته التي تقوم بدورها الممثلة هيام عباس، فهي امرأة من وسط الشعب البسيط في غزة ، استسلم عيسى لنمط حياة رتيبة ونراه في مشهد يتراقص وهو يقلي السمك في بيته المتواضع ويستمع الى صوت المطرب الاسباني (خوليو أخلا سياس) في أغنية رومانسية، ومرة أخرى نراه منتشيا مع صوت عبد الحليم حافظ في اغنية (رسالة من تحت الماء). مستذكراً اللقاء الرومانسي مع سهام وتحت المطر في موقف الحافلات. كانت حياة عيسى نسخة مصغرة من حياة الملايين من الفلسطينيين الذين اعتادوا على العيش وسط كل التفجيرات والغارات والاضطرابات المستمرة، يبدو أنهم نسوا كيف ولماذا يعيشون . المشي مثل الأشباح والكفاح من أجل الابتسام، لم يمنحهم ماضيهم المؤلم أي مجال للتفاؤل. عندما يسيطر اليأس على مفاصل حياتهم، ما الفائدة بعد الآن؟، هذه هي حياة عيسى، تماما مثل جيرانه وعائلته وأصدقائه - باستثناء أن الكثيرين يعتبرونه محظوظا لأنه لا يتحمل أي مسؤوليات عن الأبوة والزواج. بالنسبة لهم، فهو حر على الرغم من كونه عازب ولكن هذه الحرية نسبية. كل شيء يتغير في ليلة مصيرية واحدة عندما يذهب عيسى للصيد - داخل دائرة نصف قطرها خمسة أميال والتي يسمح لسكان غزة بالصيد تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، يجد تمثالا لأبولو. سيناريو ذكي وثاقب وصادق من قبل الأخوين ناصر الذين استلهموا من شخصية والدهم الأكبر في الحياة وكرسوا الفيلم لروحه ومع ذلك لا تنسى أبدا الخلفية السياسية التي يتكشف العمل على أساسها.
على هذه الارض ما يستحق الحياة
ما يجعل فيلم "غزة مون أمور" لذيذ ولايت حقا هي الطريقة التي تتعامل بها ببراعة مع الروح العربية والفلسطينية بالتحديد التي تجابه القسوة وصعوبة الحياة بالسخرية والتكيف معها. هناك الملايين من الناس في الشرق الأوسط الذين نسوا ببساطة كيف يكونون سعداء. ربما بسبب الاضطرابات السياسية التي قتلت بالتأكيد آمالهم في مستقبل أفضل، ولكن تقاوم غزة اليأس الذي يمكن محاربته بقدر الحلم وسعة الأمل، عندما يستسلم المرء لفكرة أن كل شيء قد ضاع، يصبح البقاء على قيد الحياة حالة افتراضية. يعيش عيسى حتى في عمره المتقدِّم حياة مختلفة كلّ الاختلاف عن الحياة الاعتيادية، فهو يبدو أحيانًا غير واثق تمامًا من أسلوبه، إذ يُبالغ على سبيل المثال في استخدامه الكثير جدًا من العطر حين يحضَّر نفسه للجلوس مع سهام في سيارة أجرة. ولكنه نشيط ومفعم بالأحلام، وحتى أنَّه ذات مرة قد احتلم، وهو يخجل من ذلك، ولكنه يذكر ذلك بوضوح. يسأله ضابط الشرطة متفاجئًا: "في سِنِّك هذه؟". بخفة الظل والحس الفكاهي يؤكد أن الحب والحياة لا توقفهما الحرب والمواقف الصعبة، أختُ عيسى الجزء التقليدي حين تعرف نيته تقوم بتنظيم "عرض عرائس": تَظهَر فيه هي مع خمس نساء جميعهن مُرشَّحات مثاليات للزواج منه: "لَسْنَ سمينات جدًا ولا نحيفات جدًا" وجميعهن محجَّبات. تمدحه أخته قائلة "عيسى رجل لديه قدراته وإمكانياته. للسينما الفلسطينية تشابكات كثيرة مثلها في ذلك مثل القضية الفلسطينية إجمالا، وهي بذلك تُمثِّل في الحقيقة مثالًا نموذجيًا لارتباط ما هو جيوسياسي بما هو ترفيهي، وهو ارتباط يتردَّد صداه طوال الوقت لدى الأخوين ناصر. وبذلك لنا أن ننظر إلى قصة عيسى وسهام كمحاولة لترسيخ صِيَغ النجاح الكلاسيكية السينمائية في مكان قد يكون فيه تحقيق ذلك تحديًا مستحيلاً، هيام عباس وضعت نفسها دائمًا كممثِّلة مرموقة في خدمة القضية الفلسطينية. وهذا عدا أننا نتعرَّف أيضا على قصة حب سابقة يرويها الصياد عيسى لصديقه ، وهي قصة شبابية رومانسية باءت من جميع نواحيها بالفشل لأسباب منها أنَّ حبيبته كانت تنتمي إلى الطبقة البرجوازية، وكيف وضع والده في موقف محرج حين ذهبا الى بيت البنت لخطبتها، اخبرهم والدها بأنها مخطوبة .
من قطاع غزة بالذات يحاول الأخوان التوأمان طرزان وعرب ناصر أن يعرضا على شاشات السينما العالمية فيلمًا فلسطينيًا اعتياديًا قصته عاطفية والحبُّ فيها مفتاح كل شيء، فيلم “غزة مونا مور” أو “غزة حبيبتي” هو مرآة لنطاق محدود مداه خمسة أميال فقط مسموح لعيسى بالإبحار ضمنه بقاربه في ساحل قطاع عزة، ويبدو التمثال -الذي وجدته الشرطة لديه بمثابة خَرْق لهذا النطاق البحري المحدود . ونسمع في خلفية أحد المشاهد خطابًا دعائيًا لحركة حماس يبرر المصاعب الحالية بأنها في الواقع نتيجة خدمة هدف أكبر، وهو( فلسطين حرّة كاملة من البحر إلى النهر) . فيلم يسلط الضوء على الحياة في غزة. وفساد البعض من رجال الشرطة التابعين لسلطة حماس الذين لا ينسوا ملء جيوبهم في الوقت الذي يعاني من صعوبة الحياة وسياط المحتل الإسرائيلي وقيوده . فيلم غزة " مون أمور"، في جذوره قصة حب خالدة لمدينة يعيش الناس فيها لا مستقبل لهم وحاضر هامشي، ويكافحون فقط للحصول على لقمة العيش، محرومين من أبسط مستلزمات الحياة الضرورية (الكهرباء والماء) بسبب حصار الاحتلال الصهيوني للمدينة. الكثير من الشباب أو الرجال وحتى النساء يفكرون بالهجرة والخروج منها. يتوق سمير (أقرب أصدقاء عيسى) إلى الهروب وقد أعطى كل أمواله لشخص قد يهربه إلى الخارج. وكذالك ليلى المطلقة أبنة سهام تعيش من غير أمل لا ترى مستقبلا يبشر بالخير، الوضع الراهن يتجه للعدم. كلاهما يمثل غزة اليوم التي تحاصرها إسرائيل وتتجاهلها بقية الدول العربية المحيطة. غزة ليست أرضا للإنسان بالمعنى الحرفي.. الاحتلال لا يسمح للصيادين وغيرهم بالإبحار فوق حد خمس أميال على البحر. على الرغم من أن غزة معروفة بشواطئ جيدة بما يكفي لإغراء السياحة وتطوير الاقتصاد، إلا أن الاحتلال لن يسمح بهذا النوع من التنمية .
رمزية العثور على التمثال (أبولو)
بعد سنوات من العثور عليه في قرب شاطئ بحرغزة من أحد الصيادين الفلسطينيين نهاية عام 2013، وقام بانتشاله بمساعدة عدد من الصيادين ونقله إلى منزله في محاولة لبيعه ظناً منه أنه مصنوع من الذهب أ، عاد الفيلم التساؤل والبحث عن مصير تمثال "أبولو" أو ما يعرف بإله الشمس والموسيقى عند الإغريق، والذي تم التحفظ عليه من قبل الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة ولم يعرف مصيره حتى اليوم. التمثال المصنوع من مادة البرونز والذي يزن 500 كيلو كرام، وقام بانتشاله بمساعدة عدد من الصيادين ونقله إلى منزله في محاولة لبيعه ظناً منه أنه مصنوع من الذهب، وبمجرد أن عرض الشاب الفلسطيني صوراً للتمثال عبر مواقع إلكترونية وسيطة لبيع السلع حتى سارعت الأجهزة الأمنية في غزة للتحفظ على التمثال ونقله إلى جهة مجهولة، وترفض الكشف عن مصير التمثال الذي قدر عمره خبراء الآثار بـ 2000 عام على الأقل، فيما تتراوح قيمته المادية بين 300-500 مليون دولار، التمثال الذي بقي لمئات السنوات تحت الماء لم يتأثر هيكله المعدني الذي بقي كما هو باستثناء قطع الصياد الفلسطيني لاثنين من أصابعه بعد أن ظنه مصنوعاً من الذهب. وكانت القضية قد ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم في عام 2013، واكتشف أبولو البرونزي الوحيد في الشرق الأدنى، أخرج نيكولاس واديموف من جنيف فيلما وثائقيا له "أبولو غزة" في عام 2018. في فيلم (غزة حبيبتي) اصطاد عيسى ناصر تمثال أثري إغريقي للإله أبولو، وقام بسحب التمثال وأخذه الى بيته وإخفاؤه في خزانة بالبيت. لكن خلال عملية نقله يقع التمثال فينكسر العضو الذكري (بدلا من أصبعه في الحقيقة). فيأخذه الى محل مجوهرات لتثمينه ومعرفة قيمته، لكن البائع يحاول النصب عليه ويعرض عليه مبلغاً من المال مقابل شراؤه. يرفض عيسى ناصر ذلك ويغادر المكان. في الليل تداهم منزله الشرطة وتصادر التمثال وتعتقله وترمي به وهو في روب النوم مع المساجين. لكن يبقى “عضو أبولو" لدى عيسى ناصر. تحاول الشرطة أو السلطة بيع التمثال للاستفادة من سعره في ظل حالة الحصار التي يعيشه القطاع منذ سنوات طويلة. عند ذلك وبعد المراسلات يدركون انهم بحاجة لاستعادة الجزء المفقود من تمثال أبولو. فيداهمون منزل عيسى مرة أخرى ويصادرون القطعة المفقودة ويعتقلونه من جديد. يبدو إدخال تمثال أبولو في البداية وكأنه حدث عشوائي ومحير، يعتقد خبراء آثار أنه تمثال قديم لأبولو (إله النور والشمس وأبرز آلهة الأولمبياد في التاريخ اليوناني والروماني) وتقدر قيمته بملايين الدولارات، ويمكن استخدامه لتأمين تمويل كثير من المشاريع. ولكن لتمثال البرونزي انتهى عند أحد مسؤولي كتائب القسام التابعة لحماس، بمعرفة وزارة الداخلية التي لم تقرر بأمره بعد على الرغم من الجدل الكبير حوله. تداولت صفحات وحسابات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، خبرًا مفاده أن تمثال أبولو الأثري المفقود ظهر في فرنسا، ترى كيف وصل الى هناك؟ .
بعد فيلمهم الأول، "متدهور"، الذي جلب لهم الكثير من المتاعب مع حماس، استقر الأخوان طرزان وعرب ناصر في فرنسا. بالنسبة لتجربتهم الثانية، فهي مستوحاة من عنصر إخباري مشهور وهو الاكتشاف الغامض والاختفاء الذي لا يقل غموضا في غزة في عام 2013 لتمثال روماني لا يقدر بثمن. يوضح المخرج عرب ناصر: "نحاول تجنب الكليشيهات المتوقعة للسينما الفلسطينية. ينصب تركيزنا على البشر، شعب غزة. من المؤكد أن هؤلاء الناس يعرفون المعاناة والحرب والحياة القذرة، لكنهم مع ذلك يعيشون، مما يعني أن لديهم حياة يومية وعلاقات حب وأحلام وآمال. نريد تصوير هذا دون أن نجعل واقع غزة أجمل أو أقبح مما هو عليه. نظهر الحياة اليومية في غزة التي لا يعرفها الأجانب. حتى المشاهدون المصريون فوجئوا بأفلامنا ". أما الأخ طرزان يضيف: "نحن نعرف مشاكل الفلسطينيين، والصراع مع إسرائيل، لكن سكان غزة لا يحتاجون إلى الحديث عنه، فهم يعيشونه كل يوم .
في الختام: يقدم فيلم (غزة حبيبتي) كوميديا رومانسية آسرة تدور أحداثها في وقت مضطرب في فلسطين ودعوة صادقة للحب الحقيقي وعيش الحياة على أكمل وجه. القصة الحقيقية حول العثور على الحب والاتصال الحقيقي. قصة حب داخل نظام صارم ومحافظ وحكاية مضحكة، وقبل كل شيء، رقيقة وهادئة في تمثيلها. حقيقة أن قطاع غزة - وهو نظام مشحون سياسيا، بالرغم من أن المناخ السياسي الحالي في غزة يعمل خلفية لهذه القصة الإنسانية، لكن الإخراج قدم لمسة لطيفة وخفيفة. ينصب التركيز الرئيسي لثنائي المخرجين على إظهار قصة حب في وقت متأخر من الحياة تحدث في خضم بيئة سياسية. إنها كوميديا رومانسية غير تقليدية لأن الفكاهة تخرج في الغالب من مواقف بسيطة. في الوقت الذي يركز الاخراج عدسته على عيسى ورغباته، لكنه لا يستبعد الأشياء الأكثر إلحاحا مثل محاولة الخلاص والهروب إلى أوروبا كما يفكر البعض. كما أظهر حالة القلق والعجز والعوز في القطاع. فيلم ( غزة حبيبتي ) جميل جدا رومانسي وسياسي وشاعري .
*كاتب عراقي مقيم في المملكة المتحدة
3152 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع