بقلم خليل حمد
عضو رابطة الأدب الحديث بالقاهرة
عضو المركز الدولي للاستشارات وتنمية القدرات الذاتية
نظرية"العربية اللغة الشاعرة" عند العقاد
عرض وتعليق
يقول الأستاذ العقاد :
فن الشعر في اللغة العربية يناسب هذه اللغة الشاعرية التي انتظمت مفرداتها وتراكيبها ومخارج حروفها على الأوزان والحركات وفصاحة النطق بالألفاظ..
فلا حاجة بالشعر العربي إلى إيقاع الرقص.. [كاللغات الأخرى] لأن أشعار تلك اللغات تستعير الحركة المنتظمة.. ولا.. إلى ملازمة الإيقاع المستعار من الرقص واللعب؛ لأن أوزانه مستقله بإيقاعها.. يغنيها عن الأقسام والحدود في الفنون الأخرى.
ولا.. إلى مصاحبة الغناء لترتيب أوقاته، وضبط مواقع المد والسكون في كلماته، لأنه مرتب مضبوط في كل كلمة، بل في كل جزء من أجزاء الكلمة، يجمع بين الحركة والسكون... لأنه ما من كلمة عربية تخلو من حرف متحرك وحرف ساكن على اختلاف الترتيب بين الحركة والسكون، وما من وزن على وضع من الأوضاع لا تضبطه حركة الشعر المسموع بغير حاجة إلى الغناء.
وأسباب هذا الفن الكامل.. تظهر من دراسة تاريخ النظم في اللغة العربية.. [و] أن التركيب الموسيقي أصل من أصول هذه اللغة لا ينفصل عن تقسيم مخارجها ولا عن تقسيم أبواب الكلمات فيها ولا عن دلالة الحركات على معانيها ومبانيها بالإعراب أو بالاشتقاق.
وهذا السبب الشامل هو الذي يسر النظم المطبوع لأصحاب السليقة الشعرية من الناطقين باللغة العربية منذ أقدم عصور الجاهلية إلى هذه الأيام..
ولولا جريان اللغة في ألفاظها وتراكيبها على السليقة الموسيقية لما تيسر ذلك للشاعر الجاهلي بالأمس ولا للزجال الأمي في هذه الأيام .
وأبلغ من كل ما تقدم في الإنابة عن معدن اللغة العربية وعن هذه الخاصة الفنية فيها أن أوزانها تتفق في كل ترتيل فصيح ولو لم يكن شعرا مقصودا كما اتفقت في الآيات الكثيرة من القرآن الكريم ، وينبغي أن يؤمن المسلم وغير المسلم بأن القرآن الكريم لم يكن شعرا وما هو بقول شاعر كما جاء فيه وكما جاء في كلام الرسول الذي أوحى إليه: فمما يوافق.. الطويل "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. [و] المديد "إن قارون كان من قوم موسى".. [و] الكامل : "صلوا عليه وسلموا تسليما".. [و]وزن بيت كامل "لن تنالوا البر حتى*تنفقوا مما تحبون" و "ويخزهم وينصركم عليهم*ويشف صدور قوم مؤمنينا"
.. ويخلص لنا من جملة هذه الخصائص في الشعر العربي واللغة العربية أن فن النظم بهذه اللغة فن دقيق كامل الأداة مستغن بأوزانه عن سائر الفنون، ولكنه –على هذا- فن مطبوع.. ومن هنا يظهر لنا كل الظهور أن الدعوة إلى إلغاء الأوزان ذات البحور والقوافي في اللغة العربية لا تأتى من جانب سليم ولا تؤدي إلى غاية سليمة، فلا يدعو إليها غير واحد من اثنين: عاجز عن النظم الذي استطاعه الشاعر العامي في نظم القصص المطولة.. من أمثال السيرة الهلالية.. أو عاجز عن النظم الذي استطاعة الشاعر العامي والشاعرة العامية في نظم أغاني الأعراس.. ولا خير للفن في كلام يقوله من يعجز عن هذا القدر من السليقة الشاعرية والملكية الفنية، وأحرى به أن يأتي بما عنده في كلام منثور ويترك النظم وشأنه بدلا من هدم الفن كله وحرمان اللغة من آثار القادرين عليه، ونحن نستشهد بالقصاصين.. لأن استطاعتهم نظم القصص.. بغير تعلم ولا معرفة ثقافية ينفي عن الأوزان العربية تلك الصعوبة المزعومة التي يدعي الأعياء أنها تجعل النظم العربي من أصعب فنون النظم في اللغات العالمية، ونسكت عمدا في هذا المقام عن الملاحم المترجمة.. فإن المتشاعرين الأدعياء قد يزعمون أن تذليل هذه الصعوبة عمل يحتاج إلى الثقافة والاطلاع ولا يقتدر عليه عامة المترجمين.
فإن لم يكن نقص الملكة الفنية سبب العجز عن أوزان الشعر العربي.. فهو إذن عمل من أعمال الهدم الصراح عن سوء نية وخبث طوية، يعتمده الجاهرون به لتقويض معالم اللغة العربية ومحو آثار الأدب وفصم العلاقة الفكرية بين روائع الثقافة العربية في مختلف العصور، وتلك شنشنة نعهدها في العصر الحاضر من دعاة الهدم المستترين وراء كلمات التقدم والتجديد . وأين يعمل هؤلاء عملهم الهادم إن لم يكن هذا عملهم المقصود من وراء الستار؟ إن هدم الفن الجميل الذي امتازت به لغة العرب بين لغات العالم ولا يصدر إلا عن عجز أو إصرار على الهدم ... ولا خير في دعوة يتولاها العجز العقيم والضغينة النكراء.
ويتناول الأستاذ العقاد قضية:العروضية باعتبارها من خصائص العربية اللغة الشاعرة
وفي ذلك يقول "
(وُجد الشعر في كل لغة من لغات القبائل البدائية والأمم المتحضرة، ولكنه لم يوجد فنا مستقلا عن الفنون الأخرى في غير اللغة العربية .. [أي] هو الشعر الذي توافرت له شروط الوزن والقافية وتقسيمات البحور والأعاريض التي تعرف بأوزانها وأسمائها وتطرد قواعدها في كل ما ينظم من قبيلها .
.. أما الشعر الذي يلاحظ القافية والوزن وأقسام التفاعيل في جميع بحوره وأبياته فهو خاصة من خواص اللغة العربية دون غيرها من لغات العالم أجمع، ومنها اللغات السامية التي تنتمي إليها لغة الضاد.
.. فالشعر في اللغة العبرية وهي أشهر اللغات السامية بعد العربية إنما هو سطور متلاحقة تعرف الصلة بينها بترديد فقرة منها أو بتفصيل عبارة مجملة تذكر في السطر الأول وتشرحها السطور التالية ..
ونكتفي بمثل واحد من أمثلة الوصايا التي وردت في كتاب العهد الجديد منسوبة إلى السيد المسيح صلوات الله عليه ، وهذه فقرات منها :
"واسألوا تعطوا" "اطلبوا تجدوا" "اقرعوا يفتح لكم" "لأن من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد ، ومن يقرع يفتح له الباب" " من منكم يسأله ابنه خبزا فيعطيه حجرا" " أو يسأله بيضة فيعطيه عقربا".
.. وكل ما ورد في كتب العهد القديم والعهد الجديد من التراتيل والأناشيد فهو على أسلوب كهذا الأسلوب..
فالعرب لم يبدعوا فن الشعر لأنهم سلالة سامية .. ولكنهم تفردوا فنهم الذي لا نظير له بين أمم العالم لأسباب كثيرة ذكرنا بعضها فيما تقدم ونضيف إليها عماد هذه الأسباب في هذا المقال [أنه] الحداء. إن الحداء غناء مفرد موقع على نغمة ثابتة وهي حركة الحمل في حالتي الإسراع والإبطاء.
.. وكذلك اقتبس شعراء اللغة العبرية أوزان العروض العربية بعد اتصالهم بالعرب والمغرب، ولم يكن للعبريين شعر موزون قبل ذاك .
على أن كلمة "الشعر" .. كما يرى الثقات من اللغويين المحدثين ، فكلمة "شيرو" في الآكادية القديمة تدل على هتاف الأناشيد في الهياكل ، ومنها انتقلت إلى العبرية التي تأتي فيها كلمة "شير" بمعنى "أنشيد" وإلى الآرامية التي تترادف فيها كلمة "شور" وكلمات الترنم والترتيل ، ويسمى كتاب نشيد الإنشاد بالعبرية "شير هشيريم" بهذا المعنى .
.. ومهما يكن من رأي في نشأة الأعاريض العربية فالحقيقة التي لا محل فيها لاختلاف الآراء أن لغتنا الشاعرة قد انفردت بفن من النظر الشعري لم تتوافر شرائطه وأدواته، لفن النظم في لغة من اللغات).
التعليق على المقالة
هذه المقالة موضوعية تتناول قضية الأوزان الشعرية في اللغة العربية، ويظهر ذلك من عنوان المقالة غير أن لب القضية هو أن الشعر العربي مطبوع ولائم لهذه اللغة، فالدعوة إلى إلغاء الأوزان الشعرية دعوة غير مبررة بل هي عدوان يجب التصدي له.
فالفكرة الرئيسة للمقالة إنما اتضحت في فقرات متفرقة من النص، حيث بدأت بفروض في المقدمة ((فن الشعر.. يناسب هذه اللغة الشاعرة)) ثم الاستدلال –في صلب المقالة- بقرض الجاهلي للشعر وهو أمي لا يعرف عن العلم والعروض شيئا، وبورود المنثور من الكلام على أوزان دون قصدها، كما هو الحاصل في آيات غير قليلة من القرآن الكريم. وقد اكتملت الفكرة الرئيسة على تخطئة من ينادي –بحجة التجديد المزعوم- بإهمال هذه الأوزان والتحرر من القوافي. وعلى هذا فالكرة الأساسية مبثوثة في ثنايا هذه المقالة.
قام العقاد في هذه المقالة ببيان أن الشعر في العربية مطبوع، وذلك يكمن في طبيعة هذه اللغة، حيث إن ((مفرداتها وتراكيبها ومخارج حروفها [منتظمة] على الأوزان والحركات وفصاحة النطق بالألفاظ)).
وعلى هذا فالشعر العربي ليس بحاجة إلى إيقاع الرقص، أو ملازمة الإيقاع المستعار من الرقص واللعب؛ ((لأن أوزانه مستقله بإيقاعها.. يغنيها عن الأقسام والحدود في الفنون الأخرى))، ولا إلى مصاحبة الغناء، ((لأنه مرتب مضبوط في كل كلمة، بل في كل جزء من أجزاء الكلمة)) فما من كلمة عربية تخلو من حركة وسكون، وما من وزن إلا مضبوط بحركة الشعر المسموع دون الحاجة إلى الغناء.
ومن الحجج على أن العربية لغة شاعرة وما التزام الشعر بأوزان مخصوصة إلا صورة من هذه الطبيعة، ((أن التركيب الموسيقي أصل من أصول هذه اللغة لا ينفصل عن تقسيم مخارجها ولا عن تقسيم أبواب الكلمات فيها ولا عن دلالة الحركات على معانيها ومبانيها بالإعراب أو بالاشتقاق)). ولولا أن العربية جارية على السليقة الموسيقية لما استطاع الشاعر الجاهلي بنظم الشعر ولا الأمي في عصرنا الحاضر بنظم شعر الزجل!.
هذا، وقد جاءت المقدمة لتطرح مسألة عبر جملة خبرية، والمسألة هي أن فن الشعر في العربية يناسب تلك اللغة لانتظام مفرداتها وتراكيبها ومخارج حروفها على الأوزان والحركات وفصاحة النطق بالألفاظ. فالشعر في العربية غني عن الغناء والرقص واللعب، فالعربية لغة موسيقية بالسليقة.
وقد شرع العقاد في تنمية الفكرة من الفقرة الثانية مباشرة، فوضح الفرق بين الشعر العربي والشعر عند الأمم الأخرى باستغناء الشعر العربي عن مصاحبة فنون أخرى بل يقوم بنفسه ويحلو ويجود.
ومن تلك الأدلة المنطقية اشتمال اللغة نفسها على إيقاع موسيقي، وطبيعة مفرداتها وتراكيبها. ومن أجل ذلك نجد –حتى في القرآن- آيات تصلح أن تكون شعرا لولا أن ذلك ليس المقصود، كقوله تعالى: (( يوافق الطويل "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. [و] المديد "إن قارون كان من قوم موسى".. [و] الكامل : "صلوا عليه وسلموا تسليما".. [و]وزن بيت كامل "لن تنالوا البر حتى*تنفقوا مما تحبون" و "ويخزهم وينصركم عليهم*ويشف صدور قوم مؤمنينا")).
هذه الخصائص في الشعر العربي تؤدي بنا إلى حقيقة أن ((فن النظم فن دقيق كامل الأداة))، والحقيقة الثانية أن دعاة التجديد -المزعوم- في الأوزان الشعرية العربية ليسوا إلا واحد من اثنين: ((عاجز عن النظم الذي استطاعه الشاعر العامي في نظم القصص المطولة والملاحم التاريخية )) أو ((عاجز عن النظم الذي استطاعه الشاعر العامي والشاعرة العامية في نظم أغاني الأعراس)). والنصيحة اللائقة لهؤلاء الدعاة ترك الشعر العربي إلى النثر، فمن لا يستطيع شيئا تركه وأخذ غيره، وأما أن ينادي بمثل هذا، فإن ذلك حرب على فن جميل امتازت به لغة العرب بين لغات العالم! وإلا فإنه ((لا خير للفن في كلام يقوله من يعجز عن هذا القدر من السليقة الشاعرية والملكية الفنية)).
وإن لم يكن الدافعَ العجزُ فتلك ضغينة وإصرار على الإفساد وسوء نية؛ والهدف منه تقويض ((معالم اللغة العربية ومحو آثار الأدب وفصم العلاقة الفكرية بين روائع الثقافة العربية في مختلف العصور)).
وجملة القول إن الشعر العربي موسيقي بالطبع وغني عن الفنون الأخرى للإمتاع والإبداع، كما أن الذين ينادون بهجرة الأوزان الشعرية وإبطالها دفعهم إلى ذلك عجز ونقص في الملكة الفنية، أو دفعهم إلى ذلك سوء نية فتستروا بالتجديد، وتلك دندنتهم في العصر الحاضر، و ((لا خير في دعوة يتولاها العجز العقيم والضغينة النكراء)).
وقد بنى العقاد المقالة على جمل طويلة النفس، ومتوفرة المفردات، بحيث تعني أكثر من جمل معنى واحدا، فتكون الثانية للأولى توضيحا حينا وتأكيدا حينا آخر، ومن أمثلة الجمل الطويلة: ((وأبلغ من كل ما تقدم في الإنابة عن معدن اللغة العربية وعن هذه الخاصة الفنية فيها أن أوزانها تتفق في كل ترتيل فصيح ولو لم يكن شعرا مقصودا كما اتفقت في الآيات الكثيرة من القرآن الكريم)) حيث نجد أن المصدر المؤول من ((أوزانها..)) هو الواقع في محل رفع مبتدأ مؤخر!
ومثلها قوله ((ويخلص لنا من جملة هذه الخصائص في الشعر العربي واللغة العربية أن فن النظم بهذه اللغة فن دقيق كامل الأداة مستغن بأوزانه عن سائر الفنون)) فالمصدر المؤول من (أن فن النظم ..)) هو الواقع فاعل لفعل ((يخلص)).
ولتمكن الكاتب من اللغة فقد خلت المقالة من الأخطاء النحوية والإملائية. كما أنه كان منطقيا في مناقشته للقضية، وعرض براهينه، ودحضه القول المنادي بإهمال الأوزان الشعرية، بحجة الصعوبة. وفي الفقرتين الأخيرتين من المقالة استخدم العقاد أسلوبا ساخرا وغاضبا على أولئك الذي يقولون بترك الأوزان الشعرية، وأرجع سبب ذلك إلى عجز فيهم أو سوء نية منهم. ومن ذلك قوله: ((وأحرى به أن يأتي بما عنده في كلام منثور ويترك النظم وشأنه بدلا من هدم الفن كله وحرمان اللغة من آثار القادرين عليه)) وكذا فإن قرض الجاهليين والأميين للشعر ((ينفي عن الأوزان العربية تلك الصعوبة المزعومة التي يدعي الأعياء أنها تجعل النظم العربي من أصعب فنون النظم في اللغات العالمية)) وكذلك قوله: ((وتلك شنشنة نعهدها في العصر الحاضر من دعاة الهدم المستترين وراء كلمات التقدم والتجديد)). ومن ذلك الأسلوب الساخر والغاضب قوله: ((ولا يصدر إلا عن عجز أو إصرار على الهدم ... ولا خير في دعوة يتولاها العجز العقيم والضغينة النكراء)).
هذا، وقد جاءت الفكرة الأساسية للمقالة واضحة في سطور المقالة، وكان تنظيمها حسنا، واستطاع الكاتب أن يكون مقنعا في أن الأوزان الشعرية يجعل الشعر العربي موسيقيا وغنائيا دون الاعتماد على فنون زائدة كالرقص أو الغناء أو الإيقاع الغنائي.
وفي النص الثاني يتناول العقاد الحديث عن العروض باعتباره من خصائص العربية، ويؤكد اختصاص العرب بفن العروض والقافية، وأن الشعر العربي فريد في نوعه بين الأمم ذوات الأدب الراقي. وقد أورد العقاد هذا المقصود من أولى فقرة في المقالة، حيث ذكر ((وُجد الشعر في كل لغة .. ولكنه لم يوجد فنا مستقلا عن الفنون الأخرى في غير اللغة العربية..)).
والعقاد في المقالة الموضوعية يتخذ فن العروض والقافية موضوعا له، فهو يناقش المنزلة التي حازتها العرب بشعرها، وتخصصت به عن أخواتها من اللغات السامية فضلا عن الأمم الأجنبية الأخرى. كما أورد العقاد مجموعة من الأدلة والبراهين على ما يراه.
بدأ العقاد مقالته ببيان الشعر الذي يقصده، فقال: ((هو الشعر الذي توافرت له شروط الوزن والقافية وتقسيمات البحور والأعاريض التي تعرف بأوزانها وأسمائها وتطرد قواعدها في كل ما ينظم من قبيلها)).
كما قارن العقاد بين الشعر في العبرية ثانية أكثر اللغات السامية انتشارا وبين الشعر في العربية، فتوصل إلى أن الشعر في العبرية ما هو إلا ((سطور متلاحقة تعرف الصلة بينها بترديد فقرة منها أو بتفصيل عبارة مجملة تذكر في السطر الأول وتشرحها السطور التالية..)) فمن أمثلته ما جاء في العهد الجديد مما يعزى للسيد المسيح عليه السلام ((" واسألوا تعطوا " " اطلبوا تجدوا " " اقرعوا يفتح لكم " " لأن من يسأل يأخذ ، ومن يطلب يجد ، ومن يقرع يفتح له الباب " " من منكم يسأله ابنه خبزا فيعطيه حجرا " " أو يسأله بيضة فيعطيه عقربا ")).
وقد بين العقاد أن السبب الرئيس لتفوق العرب في هذا الفن هو أن شعرهم غنائي، وهو يعتمد أول ما يعتمد عليه الحداء. وهذه الخاصية لها فقط دون أخواتها من اللغات السامية الأخرى. والنتيجة الأهم من هذه التي توصل إليها هي أن مصطلح "الشعر" نفسه مقتبس من العرب، وأنه اقتراض لغوي الدلالة أخذها الأمم الباقية من العرب!
كان أسلوب العقاد في هذه المقالة واضحا وسهلا. ففي المقدمة بدت الفكرة وضوح الشمس ((..ولكنه لم يوجد فنا مستقلا عن الفنون الأخرى في غير اللغة العربية..))، وفي المقدمة نفسها شرع العقاد ينمي الفكرة ويوضحها.
واختتم العقاد المقالة بأن الشعر الغنائي ملك خاص بالعرب، واختراع يتميزون به عن الأمم الباقية. فالشعر في اللغات الأخرى –من حيث لفظه وتنظيمه- مستفاد بشكل أو بآخر من العرب! قال العقاد: ((ومهما يكن من رأي في نشأة الأعاريض العربية ..[فإن] لغتنا الشاعرة قد انفردت بفن من النظر الشعري لم تتوافر شرائطه وأدواته، لفن النظم في لغة من اللغات)).
هذا، والعقاد في ذي المقالة استخدم الأسلوب السهل والواضح، فجاءت الجمل متوسطة الطول في مواطن كثيرة، وجمل قصيرة حينا آخر. وكان التركيب النحوي والإملائي صحيحا.
وكذلك كان أسلوبه ساخرا، حيث تتبع جزئيات القضية إلى كلياتها فأفند كل احتمال مشاركة العرب غيرهم في فن العروض والقافية، فالعرب ((لم يبدعوا فن الشعر لأنهم سلالة سامية .. ولكنهم تفردوا فنهم الذي لا نظير له بين أمم العالم لأسباب كثيرة..)) وأهمها الحداء!.
ويتضح من خلال سطور المقالة أن العقاد كان منطقيا إلى حد ما في التعبير عن أفكاره، وعرض رؤيته.
والنتيجة التي نتوصل إليها بعد عرض هذه المقالة وتحليلها أن الفكرة الأساسية واضحة وجلية من المقدمة قبل الشروع في لب الموضوع، كما كان بناء المقالة قويا حيث جاء المقدمة بتعميم ثم تبعها الموضوع بتفصيل منطقي يسانده مجموعة من الأدلة والبراهين، وأغلقت الخاتمة المقالة بأن العرب في ذا الفن متميزين عن غيرهم من الساميين قبل الأمم الأخرى!
هذا، وقد استطاع العقاد بحنكته في الباب أن يقنع القارئ أن فن العروض والقافية من خواص الشعر العربي الأصيل المتميز دون غيره من الشعر.
------------
- اللغة الشاعرة للعقاد، ص27.
- وردت المقالة في اللغة الشاعرة للعقاد، ص 22.
2248 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع