خاطرة العدد ....

د.عدنان هاشم

خاطرة العدد...

دخل داود اللمپچي التاريخ ولكن من بابه المظلم. فقد كانت بغداد في الثلث الأول من القرن الماضي مدينة يلفها الظلام إذا خيم عليها الليل إلا من نور خافت ينبعث من فوانيس معلقة في أزقتها الضيقة. فكانت وظيفة داود إيقاد وإطفاء تلك الفوانيس في أول الليل وآخره، فلصق به إسم داود اللمپچي. وكان قدره قد حط به في محلة للمومسات متفرعة من الميدان أطلق عليها أسم الكلچية حيث يرتادها من يبغي المتعة المحرمة من شبان مكبوتين أو متزوجين غير قانعين. وهنا وجد داودنا أن دخله من إيقاد الفوانيس لا يكاد يسد رمقه فقرر أن يضيف إلى دخله دخلا آخر. وبعد إعمال الفكر والتوكل على الشيطان قرر ان يجرب حظه في هذا الميدان، وسرعان ما برع في مهنة القوادة حتى بز منافسيه في هذا المضمار فصار قوادا يشار له بالبنان. فقد أحبته مومسات ذلك الحي فصار موضع ثقتهن، يبحن له بأسرارهن ويشاورنه في شؤونهن. وكان يحنو عليهن ويمدهن بالمال ويرافقهن إلى المستشفى عند مرضهن. واكتسب خبرة في مجال القوادة فصار بحق أمير القوادين. فكان يعرف طبقات المومسات ودرجة جمالهن وميولهن وأعمارهن، فصنفهن ألى شابات جميلات ممتلئات وإلى مسنات عجفاوات وما بينهن من درجات. وانتشرصيته في بغداد بين الذوات، فكان الوسيط والمستشار لمن يبغي المتعة من موظفي الدولة من الأفندية وعلية القوم لمعرفته وخبرته وشهرته في حفظ الأسرار. وظل على تلك الحال وراحة البال حتى أتاه هاذم اللذات ومفرق الجماعات فآذنه عزرائيل بفراق الأحبة، فطومة ومريم الكردية وغيرهن من شهيرات الكلچية. خرجت جنازة داود اللمپچي يتبعها جمع من المومسات حزينات مولولات لاطمات باكيات تتقدمهن فطومة ومريم الكردية. ولم يشيع الجنازة أي من زبائنه من الأفندية وعلية القوم لأن ذلك إعتراف ضمني منهم بارتياد تلك المحلة المشبوهة.
وحدث أن كان عبود الكرخي الشاعر الشعبي الذي كان من رواد تلك المحلة جالسا في مقهى من مقاهي الميدان فمرت الجنازة أمامه فأثار هذا المنظر الطريف الحزين الغريب قريحته فأنشد شعرا:
مات اللمبچي داود وعلومه گوموا اليوم نعزي فطومه
مات اللمبچي داود ويهوّه ويهوّه عليكم يهلِ المروه
كوموا نعزي فطم وزهيه وبنت النجفي ومريم الكرديه
وهي قصيدة طويلة طريفة حفلت بالبذاءة فانتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم ، وقد غناها يوسف عمر في مقام شهير(موجود في يوتيوب) فدخل بذلك داود اللمبجي التاريخ من هذا الباب.
وأخيرا فإن عبود الكرخي دخل هذه المحلة المشبوهة لحاجة في نفس يعقوب، وبينما هو يسير في أزقتها وإذا بيد قوية تهوي بكفخة موجعة على رأسه مع سيل من السباب المقذع البذئ لهذا الشاعر، وكانت تلك الضربة الموجعة من يد مريم الكردية ثأرا لسمعتها الشريفة!!! التي لوثتها تلك القصيدة الشهيرة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

729 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع