المٶتمر القومي الكوردستاني في زمن الفيروسات المعلوماتية والحروب السيبرانية

                                           

                           د.سامان سوراني

ما نلاحظه اليوم هو وقوف منطقة الشرق الأوسط بسبب الأحداث المتلاحقة مع الربيع العربي والمشاهد المتوترة علی مفترق طرق و تواجدها أمام حالة من السيولة السياسية غير مسبوقة.

الولايات المتحدة التي انتعشت آمالها في دور جديد بسبب تلك التغيرات لا تستطيع أن تحدد دورها بسبب غياب إستراتيجية واضحة المعالم و العجز الظاهر في تقييم المجريات بشكل دقيق ، لذا نراها تتبع سياسة خارجية متمثلة في عمل لاشيء و انتظار ما قد تقدمه التفاعلات الداخلية من نتائج. بالرغم من سعيها الدائم الی التربع على زعامة وقيادة العالم كما تشاء من دون أن يشاركها أحد في ذلك و إدعاء الی توجيه

ضربات ضد نظام الاسد المتهم بتنفيذ هجوم فتاك بالسلاح الكيميائي ضد مواطنين أبرياء.

أما روسيا و حلفاٶها فتأثيرهم واضح في المناطق الشبه مفككة من الشرق الأوسط، يعملون لیل نهار بجدية و فعالية لرفع ثمن تعاونهم التكتيكي.

الی جانب كل هذا هناك بلدان تسعی في التأثير علی الفضاء الإلكتروني ، الذي يمثل التهديد الأكبر في المستقبل، بعد أن أصبح هذا الفضاء ميداناً جديداً للحرب والوعيد. فالولايات المتحدة تسير نحو استراتيجية تمكنها بواسطة الفيروسات المعلوماتية من شل البنية التحتية لبلد ما بشكل يفوق ما تحققه القنابل وهناك هجمات تقودها الصين الشعبية تسمی بالقرصة الحاسوبية تهدف التجسس واكتشاف الثغرات ومواطن الضعف عند الآخر أو التخريب. ولقد قامت في الآونة الأخيرة ما لا يقل عن ثلاثين دولة بتشكيل وحدات متخصصة مهمتها التصدي للهجمات وأيضا القيام بشن هجمات الكترونية مماثلة. وهناك دول تشارك بعضها البعض المعلومات للحد من المخاطر و التهديدات، وبالإضافة إلى الصين والولايات المتحدة، هناك أيضاً روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسرائيل والهند، كلها تقوم بأنشطة في المجال.

أين كوردستان و "المٶتمر القومي الكوردي الأول" من كل هذه التطورات علی الساحة السيبرانية؟

بداية نقول: من يقف ضد مفهوم الدولة في الفكر الكوردستاني يفتقر الی المصداقية والمشروعية والفاعلية في ما يرفعه من الشعارات، إذ هو لا يحسن سوی طعن الديمقراطية ولا ينجح في الاسهام الايجابي في الحداثة، فضلاً عن كونه أبعد ما يكون عن العالمي.

فبعد الاجتماع الموسع بتاريخ 22 تموز ٢٠١٣ تم تشكيل لجنة تحضيرية متضمنة ٢١ عضواً للمٶتمر القومي الكوردي بهدف تهیئة الأرضية المناسبة للعمل علی مشروع يتضمن التخطيط الاستراتيجي الدقيق لإسترجاع كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والتراثية واللغوية والثقافية المسلوبة للشعب الكوردستاني و طرح حلول ديمقراطية عصرية هادفة الی بناء مجتمع كوردستاني مدني ، حرّ و ديمقراطي للوصول الی

الإعتراف بتلك الحقوق من قبل القانون والمجتمع الدولي. ما لا يجوز أن يكون له حضور في المٶتمر هو السعي الی مكاسب و مصالح حزبية ضيقة.

فالشعب الكوردي الآمن بوحدته والمٶمن بالتعايش السلمي بين شعوب الشرق الأوسط والنظام الديمقراطي كبديل للأنظمة الشمولية ينظر الی ذهنية التجزئة ونفسية الغنيمة السائدة عند بعض القوى السياسية بعين الذلّ والعار و يتطلع كباقي الشعوب الی خطوات بناءة للتخلص من الحيف التاريخي والاعتراف بهویته و التمتع بحريته. ومن اجل الوصول الی تفاهم حضاري علیه التعالي عن الصغائر، فالتحديات المستقبلية لا يمكن مواجهتها من غير السعي الی الموقف الواحد ورص الصفوف والالتزام بالوحدة الكوردستانية.

ومن لا ينهض من تخلّفە الفكري و من لا يشخص الواقع ولا يكسر عقليات البيروقراطية الفوقية لإدارة شؤونه بعقل أفقي، تواصلي، تبادلي لا يستطيع أن يجد مخارج من الأفخاخ والمآزق.

المٶتمر يجب أن يصب جلّ إهتمامه علی شخصية الفرد الكوردستاني ذاته و المجتمع من جميع النواحي لغرض تحقيق العزة و الكرامة و السعادة و الرفاهية لشعبه ولشعوب المنطقة و يجعلها دائماً تعيش في أمن و اطمئنان و رخاء و عيشٍ رغد. وكذلك توفير المناخ الديمقراطي و الأسس العلمية لدعم مشاركة المواطنين و توجهاتهم في أمور حياتهم، بالإضافة الی التخطيط الواعي و إلتزام القيادات بالأهداف الإستراتيجية المٶدية الی كسر التعارضات الخانقة، لإتقان صناعة التنمية و هندسة العلاقات السياسية والدبلوماسية بشكل يٶمن حق تقرير مصير الشعب الكوردستاني ، بعد فتح خطوط للشراكة الإستراتيجية المٶدية الی الحرية و الإستنارة والعقلانية.

نحن كشعب نعرف بأن الماضي هو زمن من أزمنتنا المتداخلة والمتعاصرة بشكل إهليلجي، بل هو طبقة من طبقات وعينا المركب الذي يمكن قراءته علی نحو جيولوجي، نمتلك إرادة التضحية والتاريخ شاهد علی مانقول. لكن الذي نحتاجه اليوم في عصر التغيير هو خلق إرادة المجازفة، لمواجهة التحولات والإستحقاقات و الإشتغال علی الهوية والذاكرة والتراث من أجل تحويل ذلك الی عمل منتج أو الی ممارسة إبداعية تتجسد في صناعة الإستقلال و نسج علاقة مع العالم راهنة و فاعلة، سيما أن العالم لم يعد كما كان عليه، بل هو يتغير بصورة جذرية و بنيوية متسارعة.

علينا بتثوير الإدراك وحرية الفرد الكوردستاني وإمتحان القِيَم قبل تبنِّيها، فثورة الإنسان على داخله، كما يراه الفيلسوف والكاتب الياباني المعاصر (Daisaku Ikeda)، هي الشرط الضروري للتقدم والمساهمة الفعالة في سبيل بناء الوطن.

أما قضايانا الوطنية والمصالح العمومية فيجب أن تدار بسياسة جديدة من مفرداتها ومفاهيمها و قواعدها الخلق والتحويل والتجاوز بعد أن سجلت نهاية لنظرية المؤامرة والأجندات الخارجية. علينا بشحذ العقول الكوردستانية و إنشاء مراكز البحث والإشتغال علی الذات بالمراجعة والمحاسبة أو بالنقد و الفحص.

الضرورة تدفعنا الی الإعتراف بالقوة الناعمة و إنشاء مراكز دراسات ومعاهد بحوث ومتابعة ، التي هي بمثابة مفاتيح الفكر وصناعة القرار المتخصص في المجالات الاستراتيجية ، لإنتاج دراسات و بحوث علمية رصينة لمعالجة الأزمات والمواقف وفق منظور علمي ومنطقي وموضوعي بهدف تجنب المفاجئة والأزمات.

وختاماً يقال: "إذا طعنت من الخلف فاعلم أنك في المقدمة."

الدكتور سامان سوراني

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1202 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع