د.رعد العنبكي
لما دبر الاتحاديون وسائل التنكيل بالعرب فساقوا رجالهم الى ميادين القتال في القفقاس وشنقوا عددا من زعماء احرارهم في سورية والعراق ونفوا اطفالهم ونسائهم الى مجاهل الافاق واعلنوا سياسة التتريك الصريحة تاجج الشعور العربي فعزمت بريطانية ان تستفيد من الهوة السحيقة التي ولدتها هذه الاضطهادات بين الانبراطورية العثمانية والاقوام التابعة لها فتفاهمت مع الحسين بن علي شريف مكة المكرمة وسعت الى دعوة ضباط العرب لانضوائهم تحت رايته ولا سيما اولئك الذين كانوا في الجيش العثماني..
فوقعوا في الاسر البريطاني وبعد محاولات كثيرة استطاعة بريطانية ان تقنع هؤلاء الضباط بسلامة دعوتها من الخديعة وعدم وجود نية لاستخدامهم في مصالحها الخاصة
او خيانة رابطتهم السابقة بالدولة العثمانية قاصدة بذلك تقوية الشريف حسين الذي حالفته على اساس تحرير العرب وضمان وحدة بلادهم وامدته بالمال والعتاد فقبل الدعوة من قبلها ورفضها من لم يؤمن باخلاصها فكان يوم ( 9 شعبان سنة 1334 ه المصادف10حزيران سنة 1916م ) يوما مشهودا تفككت فيه اواصر الجامعة الاسلامية وتزعزعت اركان الانبراطورية العثمانية وامتزج الدميان العربي والافرنجي في ساحات القتال للتغلب على الترك في عقر دارهم ونادى الشريف حسين بن علي بنفسه ملكا على العرب فلم يقر نداءه زعماء العرب الاخرون ( فالملك ابن سعود يقول انه احتج على اعلان الملك حسين نفسه ملكا على العرب
فتداخل الانكليز في الامر------ وفي نفسه اضطروا الملك حسينا الى الغاء اللقب الجديد مكتفيا بملكية الحجاز وكان فيما انضم الى الملك حسين من رجالات العرب عزيز علي المصري والمعروف عن عزيز علي انه كان يرى وجوب تنظيم علاقات العرب بالانكليز وحلفائهم على اسس متينة وان تكون مساعدتهم للجيش العربي مساعدة حقيقية فيلعب دورا رئيسيا فيما يعهد
اليه في الحرب فكان نصيبه ان نحي من الخدمة وان العلاقات بين العرب والحلفاء بقيت مضطربة
وكان الامير فيصل ثالث انجال الملك حسين الرجل الوحيد الذي استطاع ان يفرض شخصيته على من اتصل به من رجال العرب والحلفاء وقد وفق في التفاهم مع قيادة الحلفاء على ان يكون للجيش العربي دوره الخاص في فتح سورية واضطلاع رجاله بادارتها وكان فيما ساعده على ذلك الوعي العربي في سقي بردى وشموله كافة طبقاته وطوائفه وميل الحكام الترك انفسهم الى تسليم البلاد السورية عند انسحابهم عنها الى العرب
وكان فيصل شاعرا بصعوبة حمل والده على مقابلة مكر الحلفاء بمثله او ارجاعه عن ارائه لصلابة عوده فاراد ان يوجه السياسة السورية بحكمته ولكن دسائس الفرنسيين وتهوراتهم احرجت وضعه فلجاء الى مجابهتهم بفرض الامر الواقع فقرر المؤتمر السوري في جلسته المنعقدة في (8-اذار- سنة 1920 م ) المنادات بفيصل بن الحسين ملكا على سورية وباخيه عبد الله ملكا على العراق فتنكر الفرنسيون وابى الانكليز ان يعاونوه فانتهى الامر الى ماساة
ميسلون في (25- تموز- 1920 م) فاضطر الامير ( الملك) ان يغادر (دمشق) الى (درعا) فانذرته القيادة الفرنسية بوجوب مغادرتها فورا فسافر الى حيفا فبور سعيد فميلانو احد الثغور على البحر الابيض
وكان العراق يموج بثورة هائلة في تلك الشهور ويطالب سلطات الاحتلال البريطانية بالاستقلال وتاليف حكومة عربية محتجا بالوعود التي قطعتها بريطانية للملك حسين وبشروط الرئيس ولسن المختصة بتقرير المصير وبتصريحات الحلفاء حول تحرير الشعوب المظلومة (التي طالما رزحت
تحت اعباء استعباد الترك تحريرا تاما نهائيا وتاسيس حكومات وادارات وطنية تستمد سلطتها من رغبة السكان الوطنين انفسهم ومحض اختيارهم (التصريح البريطاني الفرنسي المؤرخ 7- تشرين الثاني 1918 م)
وكان وجه الحق ساطعا متلالا خلال هذه الاجتماعات التي تتلالا كاشعة الشمس وتزداد لمعانا ووضوحا كلما ازدادت التضحيات وتاججت نيران الحماس والجهاد في ربوع الرافدين للثورة المذكورة واذا بالانكليز يتوجهون الى الامير فيصل مطمئنين الى ان خيبته في سورية ضمان لاتئاده في سياسته
وحذروه من الاندفاع في التصادم معهم وله من شخصيته التي برزت في الحجاز وسوريا مايطمئنهم على نجاحه في توجيه السياسة العراقية توجيها يضمن مصالحهم الرئيسية في العراق ويرضي العراقيين في الوقت نفسه او يكفل على الاقل السيطرة على هذا البركان المتاجج واستدعي الامير العربي الى لندن فبلغها في (2- كانون الاول-1920م ) فتم الاتفاق بينه وبين الجهة
البريطانية على ان يوسد عرش العراق فيؤلف فيه حكومة عربية مستقلة تحت الانتداب البريطاني وفقا للقرار الذي اتخذه مجلس الحلفاء الاعلى في جلسته المنعقدة في (سان ريمو) في (25-نيسان- 1920م)
وكان جليا ان العراقيين يابون التسليم بفرض الانتداب عليهم فتوصل الطرفان الى حل اخر :
هو ان تعقد معاهدة بين العراق وبريطانية تصاغ فيها بنود الانتداب صوغا فاستطاعت بريطانيا بهذه الطرق الملتوية وبفضل تفاهمهما مع الامير فيصل ان تفرض انتدابها بقالب اخر( يسكت العراقيين من جهة ويقنع عصبة الامم بان حكومة صاحب الجلالة البريطانية مازالت في الحقيقة في وضع تستطيع معه القيام بعهودها الانتدابية )
ولم يكن من اليسير على بريطانية اسكات العراقيين لولا لباقة الملك فيصل وما اثارته شخصيته من امال في تطور العلاقات العراقية- البريطانية عن طريق التفاهم السياسي بين حكومة صاحب العرش والحكومة البريطانية
غبر اننا سنرى ان الملك فيصلا لم تفقده نكبة سورية جرئته الادبية ولم تثنيه عن اقدامه السياسي كما ان الشعب العراقي لم ينخدع باساليب السياسة البريطانية ولم تنطل عليه حيلها ودسائسها
فقد شعر فيصل من اول وهلة ان العراق بلد صعب المراس لايكبح اندفاعه للتحرر من كل نفوذ الاجنبي ولا يتردد عن التضحية بكل عزيز لديه حتى يبلغ هدفه لهذا ابى فيصل ان يصبح الة بيد السياسة البريطانية تسيره كما تشاءت
مصالحها فلا يكون مقامه الاكمقام اي مهراجا هندي مهما عز على بريطانية بل كان احيانا يعرض عرشه للخطر
وعندما يضيق ذرعا بين تقلب الانكليز وتصلب العراقيين وهو لاشك في جانب مصلحة العراق والتعرض للخطر الا تاءباه شخصيته القومية وينافي مطامحه لذلك كان لا ينفك يسعى للتوفيق بين ضمان المصالح الانكليزية واسترضاء العراقي لذلك اختار فيصلا طريقا وسطا بين اندفاع العراقيين للظفر بالسيادة الكاملة ومحاولة البريطانيين فرض ارادتهم لحماية مصالحهم
وقد ساعده على ذلك سلوك هذه الطريق الوسطي مواهبه السياسية وخبرته بشؤونها وظروف العراق الخاصة بعد انتهاء ثورته فقبض على زمام الاتجاه السياسي في البلاد بنجاح تام واتصل بالمتطرفين من الوطنيين فتزعمهم وكان العامل الاول في تكوين الاحزاب السياسية والاحتجاج على السياسة البريطانية بين حين واخر وفي الوقت نفسه كان يقنع الساسة البريطانيين بضرورة انصاف العراقيين وتحقيق مطالبهم الوطنية ولو بصورة شكلية وبخطوات بطيئة مؤكدا لهم ضمان مصالحهم الانبراطورية الحيوية في العراق وبهذا القدر اكتفي من هذا الموضوع ( العراق في ظل المعاهدات ) على امل العودة انشاء الله للدخول في تفاصيل المعاهدات الاربع
الشكرللجميع لمواصلة قراءة هذه المقالات والتي هي تنشر عرفانا للمرحوم والصديق العزيز استاذنا الكبير السيد عبد الرزاق الحسني رحمة الله عليه..
ولكم مني اطيب المنى
اخوكم المخلص
الدكتور
رعد العنبكي
1238 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع