بسام شكري
جيش له دولة وليس دولة لها جيش
اكثر من ثلاثين يوما على حرب غزة وهي أطول حروب إسرائيل منذ تأسيسها مع العرب لغاية الان واخطرها لأن هذه الحرب في الأراضي التي تحتلها وتحاصرها منذ خمسة عشر عاما , حيث لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها التي صرح بها نتنياهو وهي تحرير الأسرى والقضاء على حماس ويوم الثلاثاء الماضي قد قامت قوات حماس بضرب تل ابيب من البحر وهذا تطور نوعي في الحرب يؤكد ان إسرائيل لغاية الان لم تتمكن من مسك ساحة المعركة , لقد خسرت إسرائيل كذلك حرب الصورة لان اول محاولة تشويه قامت بها قد فشلت وبعد اول فيديو مفبرك بثته محطة أمريكية حصلت عليه من إسرائيل يظهر مقاتلين من حماس يقتلون أطفال إسرائيليين وبعد التحقق من الفيديو تبين انه مفبرك وتم الاعتذار من نفس المحطة الامريكية التي بثته والمضحك المبكي ان تلك الكذبة استند اليها الرئيس الامريكي بايدن ورؤساء فرنسا وبريطانيا وألمانيا في خطابات علنية بثت على الهواء بهدف تجييش الراي العالم العالمي لصالح إسرائيل ولم يعتذروا عن تبنيهم لتلك الكذبة حتى بعد ان كشفت نفس المحطة التي بثت الخبر للخبر وهذا ما أصاب مصداقيتهم اما شعوبهم بمقتل وفي المقابل فقد حقق الفلسطينيين انتصارا كبيرا في حرب الصورة للجهد الذي قام به الإعلاميين والناس العاديين في غزة من نقل الاحداث بالصور والفيديو لحقيقة الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة بحيث اصبحنا نشاهد الحرب يوميا بث حي مباشر من ارض المعركة , إضافة الى ان شهادة الاسيرة الإسرائيلية التي عادت الى أهلها بتلقيها معاملة جيدة جدا خلال الاسر قد قطعت الطريق على البروباغاندا الإسرائيلية واسكتتها منذ بداية الحرب.
لقد أصبحت هذه الحرب حرب استنزاف لإسرائيل فهي استنزاف عسكري وقتلى كل يوم واختراقات مستمرة للحدود وقصف صاروخي حتى تل ابيب تم قصفها قبل يومين بالصواريخ و السياحة تعطلت كليا في كافة انحاء إسرائيل وانخفضت قيمة الشيكل وهرب الاف الإسرائيليين الى بلدانهم الاصلية والخسائر المادية الهائلة جراء استدعاء 300 الف جندي احتياط قد تركوا وظائفهم واصبحوا يأخذون رواتب من الدولة والتكلفة المادية للحرب والذخائر والقتلى ومصاريف المستشفيات لإسعاف الاف الجرحى الإسرائيليين وهذا حسب تصريحات وزير المالية الإسرائيلي الأسبوع الماضي , لقد فقدت إسرائيل مصداقيتها في العالم اجمع بسبب قصفها للمدنيين الأبرياء والذين تجاوز عددهم العشرة الاف نصفهم من الأطفال وعدد الجرحى تجاوز الثلاثين الف جريح , وكان قصف المستشفيات والمساجد والكنائس الابرة التي فجرت بالون الكذب الإسرائيلي , إسرائيل لم تكتفي بقصف غزة لكنها اخذت تقتل وتعتقل العشرات من المدنيين يوميا في الضفة الغربية ومناطق 1948 , فلو قام أي شخص داخل الضفة الغربية بكتابة تغريده على وسائل التواصل الاجتماعي سيتم القاء القبض عليه بتهمة الإرهاب وحتى الشباب الذين يعيشون في فلسطين اذا ما مرت بهم دورية سيتم تفتيش أجهزة موبايلاتهم واذا وجد أي صورة او خبر لغزة يتم اعتقال صاحب الموبايل بتهمة ترويج الإرهاب وقد نشرت عشرات الفيديوهات عن تحقيقات تتم في الشارع وتفتيش تلفونات وتوجيه تهمة الإرهاب في الشارع من قبل افراد الشرطة فأي ديمقراطية تلك التي يتبجح بها الغرب عن دولة إسرائيل؟ , لقد عاد النظام العسكري البوليسي الإسرائيلي الذي بدا منذ سنة 1948.
الذي زاد الطين بلة على الغباء الذي تعاملت به إسرائيل مع موضوع هذه الحرب هو تصريح وزير التراث الإسرائيلي عميهاي الياهو عندما سئل في مؤتمر صحفي هل سيتم اسقاط قنبلة نووية على غزة فقال نعم انه أحد الخيارات وبعد انتهاء تلك المقابلة قامت المعارضة الإسرائيلية بهجوم عنيف عليه ومن داخل إسرائيل بدأت موجة استنكار لتلك التصريحات امتدت لكل انحاء العالم فكيف يصدر تصريح كهذا لوزير في دولة عضو في الأمم المتحدة لقتل ثلاث ملايين مدني بسبب ان منظمة حماس قد قامت بمهاجمة إسرائيل؟
الأوضاع الان في الضفة الغربية سيئة للغاية فالاعتقالات مستمرة والمستوطنين يقومون بغارات على المدنيين وتم تهجير الكثير من العوائل البدوية من منازلهم بعد مهاجمتهم من قبل المستوطنين المدعومين من الشرطة الإسرائيلية وحملات الاعتقالات التعسفية قد شملت الجميع حتى رجال الدين فقد اعتقل راهب مسيحي قبل يومين شارك في تظاهرة في مدينة القدس تطالب ايقاف قتل المدنيين وتمت اهانته وضربه امام الناس , ولم يسلم اليهود المعارضين لقتل المدنيين في غزة من الاعتقال فقد تم اعتقال تظاهرة كاملة في مدينة القدس يوم الثلاثاء الماضي وتلك سابقة خطيرة لم تحصل في أي دولة في العالم حيث تم محاصرة المتظاهرين من قبل الشرطة الإسرائيلية وقامت بضربهم بالعصي ودفعهم بقسوة الى شاحنات كبيرة مثل الخراف ونقلهم الى جهة مجهولة.
رموز الاخوانجية في داخل فلسطين لم يصدروا تصريحا واحدا بعد ان كانوا يهرجون على مدار الساعة فهذا رائد صلاح توقف عن البث نهائيا وذاك الشيخ عكرمة صبري في القدس لم ينطق بحرف واحد وأصبح خارج التغطية حتى عندما يظهر في مناسبات اجتماعية في مدينة القدس لا ينبس بشفه وكان الخرس قد أصابه، فلماذا كنتم تحرضون الناس في الأيام الاعتيادية وعندما أصبح الامر جديا انسحبتم؟ اليس عارا عليكما ان تتصدر الرموز الوطنية الدينية الإسلامية والمسيحية الفلسطينية التظاهرات الشعبية في القدس والضفة الغربية والمطالبة العلنية بإيقاف الحرب وأنتم قد انزويتم؟ فخطباء المسجد الأقصى يوميا يطالبون علنا في خطبهم بإيقاف الحرب وأنتم لو دخلتم المسجد الاقصى كأن الخرس قد اصابكم؟ انها الانتهازية والخبث والادعاء بعينه , لقد قام الاخوانجية في كافة انحاء العالم بترويج فكرة ان هذه الحرب بين المسلمين واليهود تنفيذا لسياسة إسرائيل في تشويه الحقائق وتحويلها الى حرب دينية وتلك كذبة مكشوفة فالحرب بين المسلمين والمسيحيين واليهود من جانب وبين التطرف الصهيوني من جانب اخر ضد قتل المدنيين , ان حركة حماس حركة متطرفة وتلك حقيقة يعرفها العرب والفلسطينيين مسلمين و مسيحيين , وقد تحالفت حركة حماس مع ايران وتوابعها لكنهم خذلوها ووقفوا يتفرجون على قتل المدنيين الأبرياء في غزة ولم تصدر منهم سوى الخطابات العنترية , لكن ما ذنب اهل غزة الواقعين تحت احتلالين الاحتلال الإسرائيلي واحتلال حماس ؟
ان حماس تتحمل مسؤولية المدنيين الذين قتلتهم إسرائيل فاذا لم يكونوا قادرين على حماية سكان غزة لماذا قاموا بتلك الحرب؟ وما ذنب سكان غزة من سياسات حماس التي تحتلهم منذ سنة 2007؟ ولماذا لم يتم اجراء انتخابات فلسطينية لغاية الان؟ أليست حماس حكمت غزة لأنها فازت بالانتخابات بقطاع غزة؟ أوليس لتلك الانتخابات من مواعيد والا كيف أصبح فوز حماس لمرة واحدة هو فوز مدى الحياة؟ ولماذا يتمسك محمود عباس بالرئاسة الى درجة اعتقد فيها انه ملك قد ورث العرش من ابوه؟ وأين الجامعة العربية من الوضع المأساوي الذي يعيشه سكان غزة والضفة الغربية وقد تقاسمهم سلطة فاسدة ومنظمة متطرفة؟ ولماذا لم يقوم الرؤساء العرب خلال كل قممهم السابقة منذ توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل والمنظمة التحرير الفلسطينية لغاية الان بمسائلة الرئيس محمود عباس عن سياسة القتل البطيء للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة؟
هذه الحرب على الرغم من الخسائر البشرية الهائلة للمدنيين الأبرياء فان نتائجها حسب توقعاتي ستكون في صالح السلام العالمي وفي صالح القضية الفلسطينية مهما كانت نتيجة تلك الحرب , فكثير من الدول سحبت سفرائها من إسرائيل بعد ان استنكفت من علاقتها مع إسرائيل وما تقوم به من قتل المدنيين الابرياء , والتظاهرات العالمية تصاعدت بشكل كبير ورجعت القضية الفلسطينية للواجهة وبعد انتهاء الحرب سيتم محاكمة نتنياهو لأنه قام بتعريض المدنيين الإسرائيليين الساكنين في محيط غزة للموت بدون حمايتهم او توفير حدود امنه لهم بحيث في ليلة واحد تم اختراق تلك الحدود الواهية وقتل الف ومئتي إسرائيلي واسر اكثر من مئة وخمسين في ليلة واحدة وكذلك لأنه لم يتمكن من تحقيق أي انتصار حقيقي على الرغم من مرور شهر على تلك الحرب , سيتغير الوضع الأمريكي بشكل كبير وسينعكس ذلك على الانتخابات القادمة وستخترق الأحزاب الامريكية المتوسطة والصغيرة احتكار السلطة على مدى مئات السنين بين حزبي الجمهوريين والديمقراطيين وسيحصل نفس الشيء في بريطانيا وستتنفس بريطانيا الحرية لأول مرة منذ مئات السنين وينتهي احتكار حزبي العمال والمحافظين للسلطة وستتغير الكثير من الأنظمة العربية كما حصل بعد هزيمة 1967 وستنتهي السلطة الفلسطينية الى الابد وسيظهر جيل جديد اكثر شبابا من عجائز السلطة الحاليين الموغلين في الفساد والعجز وسيتم الاعتراف دوليا بالدولة الفلسطينية لان العالم قد ادرك بان لغة القوة لا يمكنها اغتصاب الأرض والحرية وسيتم تطبيق اتفاقيات السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل التي لم يطبق أي بند منها وخصوصا إعادة الأراضي المحتلة وتطبيق بنود تقسيم أراضي الف وباء وجيم وستشهد حركة حماس تغييرات جذرية بعد تقييم تجربتها وتحالفاتها العربية والدولية ومن المتوقع ان تنقسم على نفسها ويظهر تيار عقلاني معتدل يقدر ظروف حياة المدنيين في غزة ويبتعد ان سياساته السابقة , الحقيقة التي ظهرت للعالم بان إسرائيل جيش له دولة وليس دولة لها جيش لان كل السكان قد تحولوا الى جيش عندما بدأت الحرب وتم توزيه مئات الاف الأسلحة على المستوطنين تحسبا لاي خطر قد يصيبهم واستعدادا لمشاركتهم في الحرب , والاهم من كل تلك المتغيرات فان المجتمع الإسرائيلي سيفكر جديا في مستقبله وسيتوقف الفكر اليميني المتطرف وسيظهر تيار اكثر عقلانية وواقعية واعتدالا يفكر جديا في إعادة الحق للفلسطينيين بعد ان تأكد له عمليا بان الغرب بكل جيوشه وامكانياته المادية والذي يدعمهم في الاستمرار في الاحتلال لم يتمكن من حمايهم من منظمة صغيرة كمنظمة حماس.
اثبت المسيحيين العرب مرة ثانية على اصالتهم واستقلالية قرارهم فقد شارك الرهبان في معظم التظاهرات في فلسطين وساهمت المستشفيات التابعة للكنائس من تقديم أفضل الخدمات للضحايا وعلى صعيد احتفالات أعياد الميلاد التي ستبدأ الأسبوع القادم فقد أصدر اتحاد الكنائس في الأردن بيانا ألغي احتفالات أعياد الميلاد احتجاجا على قتل المدنيين في غزة وتخصيص ريع تلك الاحتفالات لضحايا غزة ومن المتوقع ان يصدر بيان مشابه خلال يومين من كنائس فلسطين.
سيكتب التاريخ انه في عيد ميلاد السيد المسيح سنة 2023 قرُعت أجراس الكنائس الحزينة حزنا على الضحايا الأبرياء واشُعلت شموع الخوف في كل فلسطين، فقد حصد الموت الاف الارواح.
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
825 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع