مصر العروبة اكبر من ان تقيدها اتفاقيات كامب ديفيد او علاقات دبلوماسية مع كيان غاصب.. ما هو الدور المصري المطلوب في هذا الوقت المفصلي؟

د. سعد ناجي جواد

مصر العروبة اكبر من ان تقيدها اتفاقيات كامب ديفيد او علاقات دبلوماسية مع كيان غاصب.. ما هو الدور المصري المطلوب في هذا الوقت المفصلي؟

منذ ان بدأت المواجهة الاخيرة بين المقاومة في غزة وقوات الاحتلال الاسرائيلي، وعيون العرب عامة وابناء فلسطين وغزة خاصة ترنو الى قاهرة المعز متأملة منها خطوات عملية، هي قادرة على فعلها، تساهم ولو بدرجة بسيطة في تقليل وتخفيف وطأة المجازر البشرية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في كل لحظة بحق المدنيين الابرياء. اول هذه الخطوات هي فتح معبر رفح من الجانب المصري والاصرار على ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع المحاصر والمدمر، حتى وان استدعى ذلك اقتحام المعابر، على ان يشمل ذلك استقبال الجرحى والمصابين وتوفير العلاج لهم. وربما تكون عملية الجيش الاردني البطل في انزال مساعدات طبية من الجو الى المستشفى الميداني في داخل قطاع نموذجا يمكن ان يحتذى به. وان يرافق ذلك توثيق اعلامي لهذه العملية ليسجل اي جريمة قد ترتكبها اسرائيل بحق هذه المساعدات. ثانيا ، ومثلما كانت القاهرة المنقذ لإسرائيل في كثير من الازمات في المرات السابقة، خاصة عندما كان جيش وحكومة العدو يصلان الى طريق مسدود مع المقاومة الفلسطينية في غزة، فيقوم نتنياهو بالاستنجاد بمصر لكي تساهم في اقناع المقاومة بوقف القتال، فانها (مصر) مطالبة اليوم ان تفعل الشيء نفسه مع الكيان، بل ومع الولايات المتحدة. بكلمة اوضح فان رئيس جهاز المخابرات المصري، الذي غالبا ما لعب دور الوسيط بين المقاومة وحكومة نتنياهو، بناء على طلب الاخير او طلب واشنطن، مطالب اليوم بالتحرك وفعل شيء ما على الاقل لحماية ارواح المدنيين والاطفال بالذات. هو قد لا يصل الى نتيجة ولكن اعلان ما يفعله والردود السلبية الاسرائيلية سيكون فضحا اضافيا لجرائم اسرائيل، وتعرية للدور الامريكي والغربي المنافق. ويبقى الامر الثالث والاهم وهو ان تخطو مصر رائدة الامة العربية، الخطوة المنتظرة شعبيا، مصريا وعربيا، وبفارغ الصبر والمتمثلة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل وبالكامل وغلق السفارة وانزال علم العدو. ومثلما كانت اتفاقيات كامب ديفيد وزيارة القدس المشؤمة واقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الخطوات التي فتحت الباب لما عرف فيما بعد بالتطبيع، فان خطوة مصرية كهذه ستكون بالتأكيد نموذجا يحتذى به من قبل الدول العربية الاخرى التي سارت على نهج مصر منذ عام 1979. من يعرف قيمة مصر الكبيرة في السياسة الامريكية، والجهود الهائلة التي بذلتها واشنطن منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 لجعل مصر ضمن منطقة نفوذها، والمغريات التي كانت تعرض على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، او الازمات الكبيرة والمؤامرات التي كانت تحاك ضده من اجل سحبه من محور الاتحاد السوفيتي، حتى نجحت بعد وفاته، يعلم جيدا ماذا سيكون تاثير هكذا خطوة. المؤسف ان الرئيس المصري الاسبق انور السادات منح للولايات المتحدة مكاسب مجانية في هذا المجال بدأها بالطلب من القوات السوفيتية مغادرة مصر عام 1972، وانتهت بزيارة القدس الشريف وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد والاعتراف باسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها. نعم حصلت مصر مقابل ذلك على معونات مالية وعسكرية، لكنها كلها لم تصل في يوم من الايام الى ربع ما كانت اسرائيل، ولا تزال، تحصل عليه. ان موقف كهذا فقط سيجعل الولايات المتحدة واسرائيل يعيدان النظر بسياستيهما تجاه مصر التي ترمي الى التقليل من قيمتها ودورها العربي الكبير، ومن الفكرة السائدة في دوائر صنع القرار في واشنطن وتل ابيب التي تقول ان التحالف المصري معهما مضمون وبصورة شبه مجانية.

(عندما اقدم السادات على اخراج القوات السوفيتية من مصر قيل ان هنري كيسنجر اصابه الذهول وقال: ماذا فعل هذا الرجل لقد حقق لنا كل ما نريد مجانا، لو كان اخبرني بانه ينوي فعل ذلك لقدمت له الكثير مقابل هذه الخطوة).
بالمناسبة فان الدول العربية سابقا كانت، على ضعف مركزها الدولي، لا تتردد في قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، وخير دليل على ذلك ما حدث في عام 1967، حينما اقدمت اهم الدول العربية على قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا (الغربية) مجتمعة، ردا على دورهم المساند لاسرائيل، ولم تكن مساندة تلك الدول انذاك بهذه الصراحة والضخامة والعلنية والوقاحة التي هي عليها الان . ان هذا العمل سوف لن يكون صدمة لاسرائيل والولايات المتحدة فقط، ولكنه بالتأكيد سيكون خطوة شعبية مطلوبة، بدليل الغليان الشعبي المتزايد والذي تحدى كل القرارات والاجراءات المانعة للتظاهر المطبقة في كل دول المنطق منذ اكثر من عقد من الزمن.
ان اكثر ما تخشاه اسرائيل والولايات المتحدة اليوم هو ليس فقط انتصار المقاومة، وانما فشل عمليات ومخططات وسياسات التطبيع وعودة الكيان الى حالة العزلة التي كان يعاني منها قبل كامب ديفيد. واذا كانت دول امريكا اللاتينية (غير العربية)، قد اخذت هكذا خطوة جريئة دون وجل او تردد، فما الذي يمنع الدول العربية صاحبة المصلحة في كل ما يجري على ارض فلسطين ان تتخذ خطوة مماثلة؟
ان هكذا خطوة، اذا ما صاحبتها عملية فتح المعبر وادخال المساعدات الطبية والانسانية عنوة الى قطاع غزة سوف لن تجرؤ اسرائيل على منعها لان ذلك ببساطة سيفتح عليها جبهة ثالثة هي في غنى عنها. وحتى الولايات المتحدة سوف لن تجرؤ على الوقوف بوجهها لكونها تمثل عملا انسانيا مطلوبا وتجاهر به كل دول العالم سواء في داخل الامم المتحدة او خارجها، ولا يرقى الى فتح جبهة قتالية اخرى تحذر منها واشنطن. (بالمناسبة اسرائيل اشتكت امس من استمرار تدفق الاسلحة خلسة الى غزة عبر سيناء، وهذا الحدث بحد ذاته له دلالاته).
لقد اثبتت الاحداث ان الدول الوحيدة في العالم التي ترفض ايصال المساعدات لأبناء غزة وترفض اي مشروع لوقف اطلاق النار هي اسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا (ثلاثة فقط من بين 193)، وهذا يعني ان اي عمل من هذا النوع سيكون مرحبا به دوليا، ناهيك عن انه سيمثل استجابة لمطلب تصدح به حناجر كل شعوب العالم التي خرجت في مظاهرات شعبية هائلة، ولا تزال تفعل ذلك يوميا.
واذا ما اقدمت مصر على هذه الخطوة ستجد ان الولايات المتحدة ستكون اول المهرولين اليها لكي تقدم لها التنازلات والمغريات لكي تتراجع عنها.
وتبقى هناك بعض الملاحظات الختامية. الاولى ان استمرار وتصاعد صمود المقاومة، رغم كل التدمير والمجازر الاسرائيلية، هو الكفيل بقلب الصورة. الثانية ان هذه الحرب سواء انتهت بانتصار المقاومة او بعدم قدرتها في هذه الجولة على تحقيق كل ما تصبو اليه (لا سامح الله)، فان عواقب الحالتين ستكون وبالا على كل الانظمة التي وقفت موقف المتفرج على ما يحدث، او تلك التي خضعت للضغوطات الامريكية وتصرفت عكس رغبة شعبها وعكس المصلحة القومية العربية. ثالثا والاهم فانه مهما كانت النتيجة فان الولايات المتحدة لن تكون قادرة على حماية حلفائها من الغضب الشعبي العارم الذي سيجتاح المنطقة بكاملها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع