نعمان ماهر الكنعانيّ
من ذاكرة حرب فلسطين عام ١٩٤٨- القسم الثاني
صفحات من مذكِّرات العقيد نعمان ماهر الكنعانيّ- رحمه الله- الذي شغل موقع ضابط ركن خط المواصلات وضابط ركن استخبارات القيادة العراقية في حرب فلسطين عام 1948.
القسم الثَّاني/ طبيعة الأراضي الفلسطينيَّة والقتال فيها
تتلخَّص طبيعة القتال في الأراضي الفلسطينيَّة بما يأتي:
1. القتال في المنطقة السَّاحليَّة:
تبدأ هذه المنطقة في يافا وتنتهي في عكَّا، وهذه المنطقة خطيرة إلى حدٍّ كبير لأنَّ الجيوش العربيَّة كانت تحيط بفلسطين من جهاتها البرِّيَّة جميعها عدا هذا الساحل الذي يؤلِّف المنفذ الوحيد لليهود من فلسطين إلى الخارج؛ فكان لزاماً على الدول العربية أن تسيطر على هذا الساحل لتخنق القوات اليهودية. والطريقة المثلى التي كان في إمكان العرب استعمالها لتحقيق هذا الخنق هي إرسال البواخر المصرية في المياه الفلسطينية الساحلية ومراقبتها وضرب البواخر الواردة إليها وعرقلة تقدمها، على أنْ تعاونها الطائرات بالقيام بجولات استطلاعية يومية على هذا الساحل لتخبر البواخر المصرية بالبواخر القادمة ولتساعدها في دورها بالقصف الجوي. غير أنَّ شيئاً من هذا لم يحدث فلم ترسل القوات المصرية أيَّاً من بواخرها وكلُّ ما فعلته إرسال بعض الطائرات لقصف مينائي تل أبيب وحيفا، فبقي المنفذ مفتوحاً لدى اليهود وأخذت البواخر تنقل إليهم السلاح والعتاد والرجال من أوربا وأمريكا دون انقطاع.
2. القتال في المنطقة الأرضيَّة، وهي جميع الأراضي الفلسطينيَّة وتقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول منطقة بيسان- طبريَّة – الحولة
وفي هذا القسم تكثر المستعمرات الحصينة التي صرف اليهود على إنشائها وتحصينها مبالغ جسيمة وربطوا أكثرها بمواصلات جيدة، فالخطة العملية للاستيلاء على هذه المنطقة مهاجمتها بقوات نظامية لديها مدفعية ثقيلة والاستيلاء عليها ومحاصرة العاصي منها، وقد رسمت القيادة العامة هذه الخطة فعلاً لكنَّ الجيوش العربية لم تنفِّذها، فالجيش الأردني انسحب من المثلَّث الخطر إلى القدس والجيش السوري غيَّر اتجاه زحفه والجيش اللبناني امتنع عن تنفيذها، وكذلك امتنع فوزي القاوقجي قائد جيش الإنقاذ عن التقدم نحو العفولة ممَّا أدَّى إلى فشل الهجوم وعدم احتلال المنطقة.
القسم الثاني هو القسم الجنوبي الذي يشمل منطقة النقب، وهذا القسم صحراوي فيه قليل من المستعمرات اليهودية المتباعدة وغير الحصينة كالمستعمرات في القسم الأول، فالخطة التي تؤمِّن الاستيلاء على هذا القسم هي الزحف بقوات كافية وتحطيم المستعمرات اليهودية ثم التقدم شمالاً إلى بيت لحم وغزَّة وبئر السبع وأسدود دون أن تواجه مقاومة لأنَّ هذه المنطقة عربية إلَّا ما كان من المستعمرات التي ذكرناها.
القسم الثالث يضمُّ نابلس – طولكرم – جنين، أي المثلَّث الخطر. لا بدَّ من القول إنَّ القوات التي تسيطر على المثلث الخطر تشطر فلسطين إلى شطرين منفصلين، أي أنَّ استيلاء اليهود على هذا القسم يفصل الجيوش العربية فلا يمكن تعاون الجيش العراقي والسوري والأردني والمصري، فضلاً عن أنَّه يهدِّد خطوط مواصلات الجيشين العراقي والأردني، وفي الوقت عينه يعرِّض شرق الأردن للخطر. وقد كانت حماية هذه المنطقة موكولة إلى الجيش الأردني لكنَّه تركها وسار نحو القدس فاضطرَّت القيادة العامَّة إلى أن تحرَّك الجيش العراقي إليها، وحال وصوله اشتبك في معركة تكاد تكون حاسمة وهي معركة جنين فاستولى عليها وتقدَّم نحو العفولة ثمَّ توقَّف لحدوث الهدنة الأولى. وقد أحكم الجيش العراقي هذه المنطقة وسيطر عليها.
القسم الرابع منطقة القدس وهي المنطقة الوسطى من فلسطين، وإنَّ الخطة المقترحة لاحتلال هذه المنطقة يجب أن تستهدف قطع الطرق الكثيرة المؤدِّية إلى القدس من جميع جهاتها أوَّلاً ثم القيام بهجوم عام تستخدم فيه حرب الشوارع. استطاع الجيش الأردني الاستيلاء على القدس القديمة لكنَّه لم يستطع تحرير جميع القدس، وكان الواجب يقتضي إرسال قطعات أخرى من الجيش المصري أو من جيش الإنقاذ لمساعدة الجيش الأردني لأنَّ هذين الجيشين لم يكونا في حالة قتال عندما هاجم الجيش الأردني القدس، ولم يحدث شيء من ذلك.
فالخلاصة التي تستنبط من هذه العمليات الحربية أنَّ الجيوش العربية لم تتعاون فيما بينها إطلاقاً ولم تُحسِن استخدام قواتها بما يناسب طبيعة الأراضي الفلسطينية، فلم تحقِّق ما يجب تحقيقه من الاستيلاء على المناطق الفلسطينية حسب ما تقتضيه طبيعة أراضي فلسطين.
لم تكن مدَّة الحرب كافية لإصلاح الأخطاء التي وقعت فيها الجيوش العربية لأنَّ الهدنة حدثت بعد قتال خمسة وعشرين يوماً ولم تتجاوز مدَّة القتال الثانية عشرة أيَّام، وبدا واضحاً تفاوُت قوى العرب واليهود من ناحية العدد والمعدَّات خصوصاً بعد الهدنة.
886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع