د. سعد ناجي جواد*
مؤتمر القاهرة الدولي لم يكن مطلوبا ولا ضروريا.. وارسل إشارات خاطئة لإسرائيل.. وتحدث عن سلام في أجواء الإصرار على الحرب والقتل الجماعي للفلسطينيين.. ما هو الشي الإيجابي الوحيد الذي كان بمقدور المؤتمر أن يفعله؟
يوم أمس (السبت 21 أكتوبر/ تشرين الأول) عُقِدَ مؤتمر اُطلِقَ عليه اسم (مؤتمر القاهرة للسلام) حدد الرئيس المصري اهدافه في كلمته التي تمنى فيها (ان تسفر القمة عن مخرجات تسهم في وقف التصعيد الجاري، وللتعامل مع الوضع الإنساني الأخذ بالتدهور وإعطاء دفعة قوية لمسار السلام). في حين ان مصادر دبلوماسية اخرى اكدت ان (هناك ثلاث اولويات رئيسية على اجندة المؤتمر هي الوقف الفوري لإطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الانسانية الى غزة بصورة مستدامة والشروع العاجل في تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي القائم على حل الدولتين). وجاء عقد هذا المؤتمر بعد فشل اللقاء الرباعي الذي أراد الرئيس الأمريكي جو بايدن عقده في عمّان مع الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وذلك بعد مجزرة مستشفى المعمداني البشعة والوحشية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية والتي راح ضحيتها اكثر 500 شهيد معظمهم من الأطفال، وإصابة اكثر من 600 آخرين. وبعد أن أظهر قادة الدول العربية الثلاث موقفا متميزا تمثل في رفض لقاء الرئيس الأمريكي، الذي تحدى مشاعر العرب بدعمه اللامتناهي لإسرائيل وتبرئتها من جريمة المعمداني وبدون أي تحقيق جدي فيها، عادوا ووافقوا على المشاركة في مؤتمر القاهرة، الذي تم توسيعه ليضم أكثر من 30 دولة. ولكن في المحصلة النهائية فشل المؤتمر تماما في تحقيق كل الاهداف التي وضعها منظميه.
بادئ ذي بد، وبوضوح وبصراحة وبكلام مباشر، ومن وجهة نظر شخصية بحتة ومع احترام النوايا الصادقة خلف عقده، فان اقل ما يمكن ان يقال عن هذا المؤتمر انه لم يكن مطلوبا وغير ضروري وعقد في وقت غير مناسب، وبلا إعداد كافي وبدون أجندة واضحة، مما تسبب في إظهاره وكانه مهرجان خطابي لجهات تختلف جذريا في وجهات نظرها، ولم يُسفر عنه اي نتيجة إيجابية سوى، ربما، رضا الولايات المتحدة على عقده من اجل حرف الرأي العام عن ما يجري في غزة من جرائم اسرائيلية يومية. وخير دليل على ذلك ان المؤتمر فشل في اصدار بيان ختامي كما هو متعارف عليه.
مراجعة اولية لمجريات المؤتمر وأعماله، واستنادا الى ما ترشح من معلومات قليلة تظهر: اولا ان بعض الدول والجهات التي حضرته لا تمتلك التأثير في الساحة الدولية، ناهيك عن عدم تمتعها بالقدرة على إنجاز اهداف كبيرة، وخاصة الهدف المتعلق بتحقيق السلام في قضية عجزت كل دول ومنظمات العالم ان تصل اليه. اما الدول الأوربية التي حضرت المؤتمر فلقد استغلته كمنصة للدفاع عن إسرائيل وإظهار الدعم لها، حيث دأب ممثليها على ترديد المقولة الاستفزازية (أن اسرائيل لها كل الحق في الدفاع عن نفسها)، متحدين بذلك مشاعر ابناء فلسطين خاصة والعرب عامة. كما أصروا على تحميل حماس نتائج ما يجري، ( وكرروا نعتها بالإرهابية مرات ومرات)، ورفضوا بشكل قاطع ادانة الاعمال بل الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال يوميا في غزة والضفة الغربية، وامتنعوا تماما عن مطالبة اسرائيل بوقف الحرب واعلان هدنة إنسانية. كما لم يكون هناك اي حديث جدي عن حل الدولتين، وجرى تداول هذا الموضوع بصورة سطحية وعامة. وعندما اُعلِنَ عن رفع الجلسات لمدة نصف ساعة، بعد سماع كلمات الوفود، لغرض التوصل الى بيان ختامي، مرت ثلاث ساعات لم يتوصل المشاركون الى صيغة متفق عليها ولم يلتئم المؤتمر مرة أخرى، وذلك بسبب الفجوة الكبيرة بين مواقف الدول العربية والدول الأوربية، الامر الذي حدا بالرئاسة المصرية اصدار بيان رئاسي عن المؤتمر بدلا عن ذلك. النتيجة الأهم ، والمؤسفة في نفس الوقت، أن كل هذه المواقف اعطت دعما جديدا وكبيرا لإسرائيل، لكي تتمادى في قصف وقتل الأبرياء بدعوى محاربة الارهاب، وفي منع دخول المساعدات، وإصرارها على اخلاء المستشفيات وإجبار ابناء شمال غزة الى النزوح الى جنوب القطاع بل ومطالبتهم بمغادرة غزة الى صحراء سيناء. وخير دليل على ذلك هو ان اسرائيل اعلنت بعد ساعات قليلة من إنفضاض المؤتمر بانها ستُكَثِف قصفها لكل مدن واحياء غزة إعتبارا من ليلة أمس السبت، كما انها رفضت فتح المعابر لإدخال مساعدات إنسانية لقطاع غزة. بكلمة أخرى ان المؤتمر خرج بنتائج عكسية تماما عن ما خُطِطَ له.
ثانيا ان اغلب الكلمات التي قيلت من قبل الدول غير الفاعلة كانت جوفاء ومليئة بالعموميات، في حين أن كلمات ممثلي الدول الغربية والاتحاد الاوربي والولايات المتحدة خلت من أية إشارة واضحة وصريحة الى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وبعضهم مر على هذه المسألة مرورا سريعا ساوى فيها بين الضحية (ابناء غزة) والجلاد او الجزار (الحكومة الاسرائيلية وجيش الاحتلال). مما أغضب قادة بعض الدول العربية مثل الأردن ومصر. وظهر ان الدول الغربية، وبقيادة الولايات المتحدة، كانت قد نسقت موقفها بحيث جاءت كلمات ممثليها متطابقة تماما.
من الامور المتعارف عليها دوليا ان مؤتمرات السلام التي تعقد للتصدي الى مشكلة ما، دولية كانت ام إقليمية، في الغالب الأعم لا تستبق الاحداث ويتم الدعوة لها بعد ان تهدا المدافع وتكون الأجواء مهيأة لهكذا عمل، او بعد ان تُظهِر الاطراف المتحاربة رغبة في ايجاد حل سلمي تفاوضي، وان يسبقه مشاورات مكثفة لضمان نجاحه. وهذه الشروط غير متحققة الان سواءا بسبب الحرب المستمرة في غزة خاصة او بالنسبة للقضية الفلسطينية بصورة عامة. حيث تصر اسرائيل على الحل العسكري وعلى تدمير غزة وقتل المئات من ابنائها يوميا وبدون اي تمييز ، (غالبية الشهداء هم من الاطفال والنساء والشيوخ)، وتتوعد بانها لن توقف الحرب إلا بعد القضاء التام على حركة حماس وإعادة إحتلال غزة، وتصر على تهجير كل ابنائها من أراضيهم (الى سيناء او اي دولة اخرى تقبلهم) حسب المقترحات التي نقلها وزير الخارجية الامريكي بلينكن الى عدد من دول المنطقة، وتشن حملات إعتقالات واسعة في الضفة الغربية شملت اكثر من اربعة آلاف فلسطينيا لحد الآن، اضيفوا الى المعتقلين الذين يتجاوز عددهم الخمسة آلاف معتقل، قضى قسما منهم فترة تجاوزت العشرين عاما. وهذه كلها تصرفات لا تُظهِر جنوحا نحو السلام من قبلها اومن قبل الولايات المتحدة الداعمة لها، ناهيك عن رفضها الإنسحاب من الأراضي التي إحتلتها بعد عام 1967.
لقد كان بإمكان هذا التجمع الكبير ان يخرج بنتيجة إيجابية واحدة (وهي أضعف الإيمان) لو ان قادة وممثلي الدول الذين حضروا المؤتمر (او غالبيتهم) توجهوا الى معبر رفح للتعبير عن رفضهم لإغلاقه من قبل اسرائيل امام شاحنات الدعم الإنساني والطبي لقطاع غزة. هذا العمل الرمزي كان سيعني الكثير لأبناء غزة الذين يشاهدون مدنهم ومؤسساتهم الطبية والخدمية تنهار امامهم وابنائهم يستشهدون اما نتيجة القصف الوحشي المستمر او نتيجة عجز المستشفيات عن تقديم الرعاية لهم. وبالتأكيد ان وقع هكذا التفاتة كان سيكون اكبر بكثير على نفوسهم وقلوبهم وذاكرتهم من استماعهم الى كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع، او مشاهدة وجوه جامدة خالية من أي تعابير إنسانية، مثل وجوه بعض ممثلي الدول الأوربية الداعمة لإسرائيل، وهي تتحدث عن معاناتهم بلا اُبالية.
أما انتم يا اهل غزة الأبطال فاصبروا وصابروا فانتم امل الأمة، وليس هناك ما يواسي فواجعكم ويثبت أقدامكم سوى قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾،
*اكاديمي وكاتب عراقي
2006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع