أ.د. ضياء نافع
خمسة أصوات عن اسفار محمد عارف
الصوت الاول
=========
استلمت كتاب محمد عارف الموسوم – أسفار في العلوم والتكنولوجيا , الصادر عن دار المدى الرائدة في بغداد قبل أشهر من العام الحالي (2023) , وتذكرت رأسا غائب طعمه فرمان , الذي قال لي قبل اكثر من خمسين سنة مضت , وبعد ان تحدّث عن مكانة واهمية عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي في مسيرة القصة العراقية, ان محمد كامل عارف لو استمر بنشر قصصه القصيرة لاصبح واحدا من أعلام السرد الادبي في العراق , ولكن الصحافة سرقته من الادب , لكن محمد يكتب في مقدمة كتابه ( أسفار في العلوم والتكنولوجيا ) قائلا – ( ...وعندما سألني العالم اللبناني الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء الياس جيمس خوري عن تخصصي العلمي وشهادتي قلت له انا كاتب قصصي احكي قصة العلوم فحسب ....) . تذكرت غائب طعمه فرمان , واردت ان اقول له , ان النبوءة قد تحققت فعلا يا ابا سمير , ولكن غائب قد رحل قبل اكثر من ثلاثين سنة , ولهذا , قررت ان ( استخدم !!!) عنوان واسلوب روايته الرائعة - ( خمسة أصوات ) لمقالتي هذه عن اسفارمحمد عارف في العلوم والتكنولوجيا , احتراما واجلالا لغائب طعمه فرمان ولتلك النبوءة التي قالها لي آنذاك حول الموقع المحتمل لمحمد كامل عارف في خريطة الابداع الادبي العراقي ( ومن غير غائب كان يمكن له ان يتنبأ بتلك النبوءة الدقيقة!!!) ....
الصوت الثاني
========
محمد كامل عارف عمل ثلاثين سنة باكملها لكتابة اسفاره هذه , من عام 1991 الى عام 2021 , ولهذا لا يمكن لاي قارئ ان (يلتهم!!!) هذا الكتاب بسرعة ابدا ( كما يحدث مع الكتب التي نحبها وننتظر حصولنا عليها بفارغ الصير ) , اذ ان هذا الكتاب يحتوي على أكثر من ثمانين (قصة!!!) حول العلوم والتكنولوجيا بالتمام والكمال , أكثر من ثمانين قصة صاغها محمد كامل عارف بهدوء وعناية فائقة مثل اي صائغ من صاغة الذهب باسلوبه ( السهل الممتنع ) الساحر الجذاب والملئ بالمرح والعمق والجمال والصور الفنية المدهشة , وباسلوبه هذا يدخل الى قلب القارئ وعقله رأسا , وهي الصفة التي امتاز بها محمد طوال مسيرته الفكرية سواء في ابداعه القصصي , او , في عمله الصحفي , منذ قصصه الاولى في خمسينيات بغداد الى اصداره صفحة ( آفاق ) الرائدة بجريدة الجمهورية في بغداد السبعينيات مع رفيق دربه المبدع سهيل سامي نادر , الصفحة التي كان ينتظرها يوميا مئات القراء .
الصوت الثالث
=========
لقد مزج محمد كامل عارف موهبته القصصية مع موهبته الصحفية , واستطاع ان يمنحنا قصة قصيرة رشيقة وجديدة ومبتكرة بكل معنى الكلمة باسفاره في العلوم والتكنولوجيا , قصة قصيرة ابطالها الكومبيوتر والانسان الآلي والتلفون المحمول , ولا علاقة لهم بتاتا بقيس الذي كان ( يقبّل ذا الجدار وذا الجدارا ) في تلك الاطلال , حيث كانت تسكن ليلى قبل الاف السنين . قصص محمد عارف تعتمد على الوقائع والوثائق , اي انها ( واقعية !) و ( وثائقية !) حسب مفاهيم النقد الادبي . لنقرأ ملاحظة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات سابقا في السعودية عنه – ( ...معظم الصحفيين يكتبون مقالاتهم بالصيغة التقليدية وهي سؤال معد سلفا وجواب , الا ان اسلوب محمد عارف كان مختلفا عن الاسلوب التقليدي ...فاتفقنا على ان يقضي يومين او أكثر يلتقي مع الباحثين مباشرة في مكاتبهم ومعاملهم ويستمع الى قصصهم ويشاركهم أحاديثهم على الغداء وفترات القهوة والشاي , وبعد ذلك كتب انطباعاته وتحليله ....وخرج من تلك اللقاءات بمادة لمقالين او أكثر.... وقد اعطت تلك المقالات صورة صادقة ومتوازنة عن وضع العلوم والتقنية ..... ) , اي ان محمد ( يرسم صورا !!!) في مقالاته , او بتعبير أدق , يكتب قصصا في تلك المقالات عن دور العلوم والتكنولوجيا في حياتنا .
الصوت الرابع
=========
عناوين القصص مثيرة جدا , وهي تدعو القارئ للاطلاع عليها حتما – تأملوا معي هذه النماذج – بابل ..سينهض العراقيون // عام ابن الهيثم // ابن خلدون في قلب العالم وعقله // اسراء العلوم والتكنولوجيا الى فلسطين // كل عام والانترنيت بخير // اليابانيون صنعوا بشرا آليين يعلكون ويرقصون // .......الخ ...الخ . وعندما تقرأ تلك القصص , تندهش , اذ انه يتحدث هناك عن ( حقائق ) لا يلاحظها القارئ الاعتيادي , وهكذا نكتشف في تلك القصص ماذا قال محمد عارف لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن غزو العراق , وكيف اعلنت الامم المتحدة عام 2015 السنة الدولية للضياء بمناسبة مرور الف عام على تاليف ابن الهيثم ( كتاب المناظر), وكيف اخترع ابن خلدون علوم الاجتماع واكتشف وجود ايقاع لصعود وانحدار السلالات الحاكمة , ونعرف لماذا تسمى بغداد ب (الوردة في تاريخ الحضارة الانسانية )......
الصوت الخامس
=========
قال لي صاحبي – لو توجد في العراق جائزة نوبل للقصة القصيرة , فانه يرشّح كتاب محمد عارف ( اسفار في العلوم والتكنولوجيا ) لها , قلت له ضاحكا , العراقيون يبالغون دائما , ولكني ارشحه لجائزة البطولة والصمود , لانه كتب في مقدمة كتابه هذا ما يأتي –
ماذا كان الرحالة السندباد البحري سيعمل عندما يجابه جدارا لا يمكن عبوره ؟ لعله كان يغني , وهل غير الغناء معبرا من جدار العمى و الشلل اللذين اصاباني ؟
937 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع