عبدالجليل الشيخ
ليلى الأطرش، سنتتان على الرحيل و المسافات بلا صهيل
فاصلة:( اذا رأيت إعلامية لوحدها في محلات السلام سنتر، فاعلم أن زوجها سيكون في معرض الراية للكتاب).
هذه سالفة من حكايات شارع السد في العاصمة القطرية. حيث كانت محلات السلام مركزاً للتسوق، و كان بجواره أكبر معارض الكتاب الدائمة أنذاك.
ليلى الأطرش، أديبة و إعلامية فلسطينة أردنية(1948-2021م). و زوجها الأكاديمي، الشاعر و شيخ المترجمين فايز الصيّاع (1942-2020م) ولدت في بلدة يت ساحور بفلسطين. و فيها درست المرحلة الابتدائية في المدرسة الإنجيلية اللوثرية. و فيها درست المرحلة المتوسطة في مدرستها الحكومية، و منها أنتقلت الى بيت لحم للدراسة في مدرستها الثانوية للبنات. و من ثمّ بدات الحياة العملية مبكراً ، لكنها لم تنقطع عن الدراسة، حيث التحقت بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة بيروت العربية بالانتساب، و حصلت على درجتها العلمية في الأدب العربي. و بعد سنوات ، حصلت على دبلوم اللغة الفرنسية من قسم اللغات بكلية الأداب و العلوم الإنسانية بجامعة قطر 1982م. و في مطلع التسعينيات ، التحقت بجامعتها الأم مرة أخرى بالانتساب، و حصلت على ليسانس الحقوق في عام 1995م. و سارت حياتها العملية و الأدبية في خطين متوازيين، إذ أرتبطت بالكتابة مبكراً. فقد نشرت قصتها الأولى بعنوان "جريمة شرف" في صحيفة المساء 1961م - أثناء دراستها المتوسطة-، كما نشرت في صحيفة الجهاد عام 1963م في عهد رئيس تحريرها محمود يعيش. مما أتاح لها لاحقاً فرصة العمل محررة في الصحيفة مع التدرج في مهامها حتى أصبحت مسؤولة التحقيقات.
أول محاولة لكتابة الرواية في المرحلة الثانوية، الا أنها فشلت في نشرها لأن الناشر طلب منها مبلغ 100 دينار أردني أنذاك لكي تطبع على حسابها لأن العمل غير ناضج . تم الإشارة الى هذا الحدث فنياً بقولها على لسان سلمى:" لماذا يعجز الكبار عن فهم تلك الأحاسيس، و يدّعون أنها غير ناضجة ؟. و ما معنى ناشر و اتوزيع ؟.. و ما يهمها هي أن تُطبع القصة فتصير كتاباً يحمل اسمها "( رواية و تشرق غرباً ، ص:80).
خلال فترة دراستها الثانوية، تقدم لها فايز الصيّاغ المدرس في مدرسة بيت لحم الثانوية للبنين عن طريق قريبها و تلميذه مكرم قميصه - المهندس لاحقاً -، الا أن رغبة الزواج غير واردة منها و بدعم من والدتها.
تم الإشارة اليها من خلال شخصية هند النجار، حيث تم من خلالها سرد بعضاً من سيرتها و تكوينها الثقافي بدعم والدها في شخصية شكري النجار ( رواية و تشرق غرباً).
أمضى الصيّاع عامين في بيت لحم مدرساً ، و ينشر قصائده في مجلة "الأفق البعيد"، في عهد رئيس تحريرها محمود إسماعيل الشريف، صاحب جريدة المنار المقدسية و رئيس تحريرها أنذاك. لاحقاً رئيس تحرير جريدة الدستور التي تاسست بعد دمج المنار و فلسطين في عام 1968م.
عاد الصيّاغ الى عمّان، و مارس الكتابة في مجلة أفكار التي رأس تحريرها صديقه محمود الشريف . و أستمر في عمله مع رغبة أن يوفق في استكمال الدراسات العليا. و جاءت نكسة حزيران / مايو 1967م لتكون فاصلا في حياته و التراجع عن الكثير من أفكاره مع التوقف عن كتابة الشعر . و من جانب أخر ، كانت النكسة سبباً في هجرة العائلات المقدسية، و اغلاق دور الصحافة، و من تلك العائلات بيت الأطرش . و من ثمّ عملت ليلى كاتبة عمود ثم مسؤولة التحقيقات في صحيفة الدستور. الصحيفة التي جمّعتها بشريك حياتها فايز الصيّاغ ، الذي يكتب في مجلة أفكار مع محاولاته للعمل في الجامعة الأردنية التي حسرها لظرف ما ، مع خسارته منحة الجامعة الأمريكية في بيروت .
غادرت بمعية زوجها الى الدوحة، حيث سبقهما محمود شريف، الذي وصل اليها في 1969م ليكون مديراً للإعلام. و عمل الصيّاغ محرراً في مجلة الدوحة ، ثم أنتقل الى القسم الإنجليزي بالاذاعة. و هي تفرغت لعائلتها، ثم عملت كاتبة عمود في صحيفة محلية لمدة سنة تقريباً ، و بعدها التحقت بالتلفاز القطري عام 1975م في عهد مديرها المخضرم جواد مرقة (ت 2013م). حيث عملت معدّة ومذيعة، و مقدمة نشرة الأخبار مع كوكبة من الإعلاميين، نذكر منهم: من الأردن غالب الحديدي (1929-2023م)، ذهبية جابي . كوثر مطر (مصر)، و من قطر: فوزي خميس (ت)، أحمد عبدالملك ، و عبدالعزيز السيد ، الذي قدم برنامجاً عنها في قناة الريان - حلقة مذاعة في 2019.04.19م :" برنامج الرعيل التلفزيزني الأول في قطر".
قدمت خلال مسيرتها الإعلامية برامج ثقافية و أدبية، و أجرت مقابلات مع رموز الفكر والأدب والسياسة و الفن العرب طيلة عملها في التلفاز القطري (75-1995م). و من برامجها: على ضفاف النيل، بحور القوافي ، فكر و فن. و قد وثقت هذه الأعمال و الحوارات في كتابها:" مباخر العطاء: من حواري مع أهل الفكر و الفن "، اصدار المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت 2022م.
زارت العديد من البلدان أثناء عملها في الاعلام المرئي ، منها عشرون عاماً في قطر . و ما بعد 1995م تنوعت في عملها ما بين المرئي و المكتوب خصوصاً بعد أن حصل زوجها على درجة الدكتوراة من جامعة تورنتو بكندا ، التي حاضر في جامعاتها قبل عودتهما الى عمّان ، حيث بدات بكتابة مقال اسبوعي في صحيفتها الأم الدستور منذ 2000م حتى رحيلها . بالإضافة الى مقالها الثقافي الشهري في مجلة عمان . و شاركت في عدد من المهرجانات الدولية كمهرجان اصيلة 21/8/2004م . و نالتت العديد من الجوائز عن برامج تلفزيونية منها " الذهبية عن برنامج اليهود في المغرب. في مهرجان الإذاعة و التلفزيون في مصر، و الفضية عن"عرار شاعر الأردن" في مهرجان البحرين للتلفزيون. تم تكريمها في ملتقى المبدعات العربيات بتونس 2000م و في المغرب 2001م. و نالت شهادات تقدير عن برنامج" بقعة ضوء طه حسين" بمهرجان دمشق للإذاعة التلفزيون،
عملت محررة لموقع " حوار القلم " الاليكتروني ، الذي سا همت من خلاله في إطلاق مشروع مكتبة الأسرة في 2007م، و شاركت في برنامج الكاتب المقيم في جامعة أيوا الأميركية 2008، وحاضرت في عدد من الجامعات الامريكية و البريطانية، و ليون الثانية الفرنسية. و ساهمت في إعداد ملف الأردن في معجم الكاتبات النسويات الصادر بالفرنسية عن اليونسكو 2013م.
الأعمال الأدبية :
كانت بداياتها مع القصة القصيرة أثناء دراستها الإعدادية، ثم اتجهت إلى الرواية في الصف الثاني الثانوي ولكنها لم تنشر، قبل أن تأخذها الصحافة والإعلام و حين عادت للكتابة وجدت أن أفكارها لا تتسع لها سوى رواية. حيث كرست أدبها منذ انطلاقها في عالم الأدب والرواية للدفاع عن أهم القضايا الإنسانية والاجتماعية، ورصدت بأسلوب سردي شفاف ومميز وواقعي معاناة المرأة العربية.
- " وتشرق غربا "، اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،1988م.
- " امرأة للفصول الخمسة " المؤسسة العربية للدراسات، بيروت 1990م (ثنائية فلسطين).
- " يوم عادي و قصص أخرى"، مجموعة قصصية، المؤسسة العربية للدراسات ، بيروت 1992م.
- " رواية " ليلتان وظل امرأة "، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت 1998م.
– " صهيل المسافات " اصدار دار شرقيات، القاهرة 1999م . الطبعة الثانية اصدار مكتبة الأسرة 2008م.
- " مرافئ الوهم "(طبعتان)، دار الآداب ، بيروت 2005م (الطبعة الكاملة). و الطبعة الثانية اصدار مركز أوغاريت الثقافي ، رام الله 2005م (الطبعة الناقصة، حيث تم حذف بعض النصوص خوفاً من الرقيب).
- " الأعمال الكاملة "، اصدار الدائرة الثقافية في أمانة عمّان، 2006م. حيث تم جمع أعمالها الروائية المشار اليها أعلاه في مصنف واحد.
- "رغباتُ ذلك الخريف"، اصدار الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت 2010م. و تحقق هذا العمل نظير منحة التفرغ الإبداعي الأردني في 2008م. حيث أنجزت فيها الرواية في 2009م (و تمثل ثلاثية فلسطين).
- "أبناء الريح" اصدار الأهلية للنشر والتوزيع، 2012م..
- " ترانيم الغواية "(طبعتان)، الأولى اصدار دار ضفاف ، بيروت 2014م الطبعة الثانية اصدار مكتبة كل شيء ، حيفا 2014م(و ثمثل رباعية فلسطين). حازت طبعة بيروت على جائزة الدولة التقديرية في الآداب بالأردن مشاركة مع الروائية سميحة خريس، والروائي جمال ناجي، عن عامي (2014-2015م). كما حازت على جائزة فلسطين التقديرية في الآداب 2017م عن طبعتها الثانية 2015م. و رُشحت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2016 م(البوكر).
- " لا تشبه ذاتها "، اصدار دار الشروق 2018م. حازت على جائزة كتارا للرواية العربية 2018م.
- "نساء على المفارق" المؤسسة العربية للدراسات - بيروت 2009م . مقالات و شهادات عن نساء في العديد من البلدان مع حوارات في سردية لجماليات المدائن التي عاشت فيها أو زارتها ضمن نسق أدب الرّحلات .
الأعمال المسرحية:
- مسرحية أوراق الحب 2011م. تم عرضها على مسرح المركز الثقافي الملكي، اخراج د. مجد القصص .
- مسرحية « في ظلال الحب »، تم أداؤها و عرضها في مهرجان رم المسرحي الثاني 2019.06.26م من اخراج حسين نافع و اشراف المخرجة د. مجد القصص .
- مسرحية «البوابة 5» 2005م ، التي تم أداؤه تحت اشراف و اخراج د. مجد القصص . حازت على جائزة وزارة الثقافة الأردنية للإبداع المسرحي لمسرحبة لعام 2005م.
- مسرحية زرقاء اليمامة 2018م(مسرح الطفل). تم أداؤها بإخراج مهند النوافله ، و موسيقى يعرب سميرات و زيد مضني. و اشراف المخرجة غادة سابا.
حازت أعمالها الأدبية لعدد من المراجعات و القراءات و دراسات أكاديمية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر: نزيه أبو نضال، د. محمد معتصم، د. عادل الأسطة ، د. وليد المشوح ، الشاعر أحمد دحبور، الناقد وليد أبو بكر، الناقد أحمد هلال . و الدكتور إبراهيم خليل ، الذي أصدر كتاباً عن مروياتها :" جولات حرة في مرويات ليلى الأطرش 1988 - 2014م "، الصادر عن الآن ناشرون و موزعون ، عمّان . كما أصدرت وزارة الثقافة كتابا استذكارياً ضمن سلسلة فكر و معرفة بعنوان " أيقونة الإبداع "، جمع وتحرير وتقديم الكاتب والروائي مفلح العدوان. و هي مجموعة من شهادات الندوة الاستذكارية التي أقامتها وزارة الثقافة في المركز الثقافي الملكي تكريماً للراحلة لما قدمته من إبداع وكتابات وحياة حافلة بالعمل الثقافي والإبداعي.
تناولت أعمالها الأدبية عدد من الدراسات الجامعية، منها: رسالة ماجستير باللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية في الأدب المقارن بعنوان « بين بيت الدمية لإبسن وامرأة للفصول الخمسة لليلى الأطرش، د.يوسف عوض. و أنجزت غادة إسماعيل رسالة الماجستير " شخصية المرأة في أدب ليلى الأطرش الروائي"، بجامعة اليرموك في عام 2009م. كما حازت الطالبة / تمام سلامة عسكر الرشود، على درجة الماجستير عن رسالتها " البناء الفني في روايات ليلى الأطرش "، باشراف/ أ.د. نبيل حداد 2008/2009م في الاداب و النقد كلية الاداب و العلوم الإنسانية قسم اللغة العربية في جامعة آل البيت 2009م. و صدرت عن الدار الأهلية للنشر 2011م. و ربما تكون هذه الدراسة العلمية الأقرب الى ليلى الأطراش، استناداً الى مقابلاتها الشخصية بتاريخ: 6/9/2007م، 23/7/2007م، 21/10/2007م، 24/12/2007م، التي أجرتها الباحثة معها و كشفت عن أسرارها و أسلوبها و تشكيل البنية الفنية.
أيضاً رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بعنوان " القضايا الموضوعية و الفنية في روايات ليلى الأطرش ، للباحثة سناء سميح العزة. تم إصدارها من قبل الأكاديميون للنشر ، عمان 2014م. و تم مناقشة رواية أبناء الريح في رسالة ماجستير للباحثة رؤى موسى حسن عجوة بعنوان:" سيميائية الشخصيات في رواية أبناء الريح للروائية ليلى الأطرش"، برنامج اللغة العرية و أدابها بكلية الدراسات العليا، جامعة الخليل 2016م.
كما حازت أسماء محمد ذياب الزريقات على درجة الدكتوراة عن رسالتها العلمية:"الرؤيا و اتشكيل في أعمال ليلى الأطرش الروائية "، اشراف د. سامح عبدالعزيز الرواشدة، قسم اللغة العربية و آدابها بكلية الآداب، جامعة مؤتة. تم إصدارها قي كتاب عن دار فضاءات للنشر ، عمّان 2020م. كما لها لها نصيب من الدراسات العربية في شبه القارة الهندية ، حيث انجز منصور حسين رسالة الماجستير في كلية اللغة العربية بالجامعة العثمانية في حيد آباد في الهند بعنوان:"المكان في روايات ليلى الأطرش". و تم دراسة أعمالها ضمن مجموعة من الروائيات في رسالة دكتوراة للاكاديمية مارية رفعت، كلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية العالمية - اسلام آباد، باكستان 2015م بعنوان:"الاتجاه الاجتماعي عند الروائيات الفلسطينيات و الباكستانيات خلال النصف الثاني من القرن العشرين - دراسة بين الأدب العربي و الأردي.
وقفة مع د.عادل الأسطة.
مقطتف من مقال منشور في صحيفة الأيام الفلسطينية بتاريخ 2018.07.22م:"ليلى الأطرش، أبناء الريح":"يبدو الواقع الاجتماعي في الرواية واقعاً أسود حتى ليمكن القول إن الرواية تندرج تحت مسمّى"الأدب المظلم"، أدب الواقعية النقدية المتشائمة، وهو ما عرفته الرواية الأوروبية في القرن التاسع عشر ومثالها "بؤساء" (فكتور هوجو) و"مدام بوفاري" (فلوبير). عموما إن أكثر صفحات الرواية يصور العالم فيها عالماً كابوسياً مرعباً، ويبقى هذا اجتهاداً. وأنا أقرأ الرواية تساءلت بعض تساؤلات (برونتير) فيما يخص موضوع الرواية وما يخص مكانتها في نتاج ليلى الأطرش نفسها".
" ماذا لو قارن القارئ بين لغة ساردي هذه الرواية ولغة ساردي رواية "مرافئ الوهم "2005 ؟ إن ساردي الروايتين مختلفون علما وثقافة ومع ذلك فإن بنية الجملة لديهم واحدة، وأظنها لغة ليلى نفسها التي ربما غاب عن ذهنها أنها تتعامل مع شخصيات مختلفة أو أنها أسلبت لغة شخوصها، وهذا شيء آخر. و ماذا لو تتبع القارئ حركة الزمن في الروايتين؟ وماذا لو تتبع تعدد الساردين فيهما؟ وماذا لو نظر في عدد أقسام كل رواية منهما ؟.. غالبا ما استشهد بما فعله (ميخائيل ريفاتيري) في أثناء دراسته قصيدة (بودلير)"القطط" وقصيدة ثانية له ليلاحظ أن القصيدتين تعكسان البنية نفسها، وهو ما فعله أيضاً كمال أبو ديب حين درس ثلاث قصائد لأبي نواس ولاحظ أنها تعكس البنية نفسها. هل أشتط حين أقول إن رواية "أبناء الريح "تعكس البنية نفسها لرواية "مرافئ الوهم "؟".
هي لغةُ واحدة لأنها الصوت الإعلامي الناقل لحديث الشخصيات مع الواقع الاجتماعي. و لا تقوم بتقمص الشخصيات أو تقوم بدورها. رحلت في السابع عشر من شهر أكتوبر 2021م، أي بعد عام و شهرين من رحيل زوجها الذي لا يفارقها الا في حالة التسوق اذا وجد مكاناً للقراءة .
و القراءة سر النجاح مع الالتزام المهني و جمال الروح و عمق المعرفق . وفق ما ورد في تغريدة لزميلها في تلفزيون قطر سابقاً ، د. عبداللك أحمد في تغريدته يوم رحيلها.
772 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع