الدكتور وائل القيسي
طوفان الأقصى شروق أم أفول
يحظى المسجد الأقصى بأهمية خاصة وعظيمة لدى الأمتين ، العربية والإسلامية ، نظرا لمكانته الدينية والروحية، كونه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وثاني مسجد بني في الإسلام بعد المسجد الحرام.
ويعتقد المسلمون أن الصخرة المشرفة هي أقدس مكان بالمسجد ، وذلك لكثرة الروايات التي تبين أنها المكان الذي عرج بالنبي محمد ﷺ إلى السماوات ، ليلة الإسراء والمعراج التي جاءت في القرآن الكريم.
أما التسمية، فقد تنزلت تسمية (المسجد الأقصى) بهذا الاسم حرفيا في القرآن الكريم بالآية الأولى من سورة الإسراء {سبحان الذي أسرىٰ بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ۚ إنه هو السميع البصير} (1)
ومعنى الأقصى تعني (الأبعد)، وتسمية المسجد الأقصى تعني المسجد الأبعد عن مكة المكرمة زمن تنزل الوحي على رسول الله ﷺ ، وكلمة الأقصى في اللغة قد تأخذ كذلك مكانة أخرى، تضاف إلى بُعد المكان، وبهذا يكون المسجد الأقصى هو المسجد صاحب المكانة المقدسة، وهذا أقرب عقديا من التفسير الذي يقصره على بعد المكان.
ومن المعروف، أن ثلاثة مساجد في الإسلام تحظى بقدسية ومكانة خاصة عند المسلمين، كما ورد في الحديث الشريف، عن النبي ﷺ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى ".
وقال:" والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثاني المسجدين، فقد كان ثاني مسجد وضع في الأرض بعد الكعبة المشرفة في مكة المكرمة ".
وفي الحرب العالمية الأولى عام 1917، احتل الجيش البريطاني المتجه من مصر، أرض فلسطين بعد هزيمة العثمانيين، ومن ثم صارت تحت الاحتلال الصهيوني، بدعم ومباركة من بريطانيا، ومنذ ذلك الحين حتى الآن والمسجد الأقصى وبيت المقدس وكل فلسطين وشعبها، أسرى مكبلين ومضطهدين ومشردين ، وأصبحت قضية فلسطين هي القضية المركزية الأولى عند الأمتين العربية والإسلامية.
قاوم شعب فلسطين الصهاينة المحتلين على مدى عقود ، وقدم تضحيات جسيمة لم تنقطع حتى اليوم.
كان الفلسطيني ولم يزل، لا وطن له، يعيش أما في المنافي وأرض الشتات، وأما اسيرا في المعتقلات الإسرائيلية ، حيث يرزح الآلاف منهم في غياهب السجون.
حاول العرب تحرير فلسطين، حيث جرت عدة حروب قامت بها عدد من الدول العربية، ضد الكيان الصهيوني المحتل، ولكنها جميعا كانت تنتهي لصالح الصهاينة ، لأسباب لسنا بوارد عرضها في هذه السطور.
وبعد كل حرب يخسرها العرب تتمدد إسرائيل لتلتهم أراضي جديدة ،حتى أطبقت أنيابها على كل فلسطين بعد نكبة عام 1967 واحتلت أجزاء إضافية من أراضي دول عربية أخرى.
وكانت القضية الفلسطينية طوال هذه السنوات العجاف كالكرة، تتقاذفها مصالح أغلب الحكام العرب ،بإستثناء القائد العربي المسلم صدام حسين المجيد الشاهد والشهيد ، وصارت مرتعا للتربح والتسول والمزايدات والتآمر المستمر.
لكن صبيحة يوم 7 أكتوبر 2023 افاق العالم كله على هول صدمة غير مسبوقة، لعملية قامت بها فصائل عزالدين القسام الفلسطينية، اسمتها (طوفان الأقصى) ردا على جرائم الصهاينة في القدس وتدنيسهم للحرم القدسي، كما أعلنت ذلك قيادة كتائب القسام، وقد اخترقت كتائب المقاومة التحصينات الإسرائيلية، برا وجوا وبحرا، واذهلت قوات الصهاينة واوجعتهم وحطمت اسطورة القبة الحديدية والطوق الأمني الذي طالما تبجحت به إسرائيل وادعت استحالة اختراقه.
وقتلت واسرت المئات من جنودهم، ولازالت عملية طوفان الأقصى مستمرة حتى الآن وبشكل اذهل العالم بأسره .
_ هل تقف إيران خلف عملية طوفان الأقصى :
من خلال المتابعة والتحليل والمقارنة والاستنباط، نجد الكثير من المؤشرات والتقارير التي يصرح او يلمح إليها العديد من الباحثين والمختصين، وكذلك تقارير بعض الصحف العالمية، حول الدور الإيراني في التخطيط والدعم وربما الإشراف العملياتي والاستخباري لهذه العملية التي أصابت الصهاينة في مقتل.
فقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نقلا عن مسؤولين كبار في حركتي "حماس" و "حزب الله"، لم تذكر أسماؤهم، أن إيران قدمت الدعم والمشورة وساعدت حماس في التخطيط للهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
وأشارت الصحيفة إلى أن ضباطا في الحرس الثوري الإيراني يشرفون على تفاصيل هذه الخطة مع ممثلي قادة حماس الأمنيين والعسكريين منذ شهر آب (أغسطس) ، وجرت اللقاءات حسب زعم الصحيفة في العاصمة اللبنانية بيروت.
كذلك قال غازي حمد، المتحدث باسم حماس، يوم السبت الماضي، خلال مقابلة مع برنامج "نيوزأور" على قناة BBC ، ردا على سؤال بشأن حجم الدعم الذي حصلت عليه حماس من إيران لتنفيذ هذه العملية: "أنا فخور بأن هناك العديد من الدول تساعدنا، إيران تساعدنا، ودول أخرى تساعدنا، سواء بالمال أو بالسلاح أو بدعم سياسي، لا بأس أن نفعل ذلك".
بالإضافة إلى أن بعض الخبراء والمحللين العسكريين، منهم اللواء الركن الدكتور مهند العزاوي رئيس مركز صقر للبحوث والدراسات الاستراتيجية والخبير العسكري اللواء فايز الدويري والعميد الركن د. هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث، وآخرين ذكروا أن حجم وقوة وأسلوب عملية طوفان الأقصى وعناصر المباغتة والتمويه وطريقة توظيف الجهد الإعلامي وتعيين وقت العملية وفق معلومات استخبارية غاية في الدقة، واختلاف السياقات بشكل مختلف عما سبقها من عمليات ،يؤكد أن دولا إقليمية كبرى قد تكون على صلة مباشرة بعملية طوفان الأقصى، وهي تلميحات واضحة على الدور الإيراني وبعض القوى الأخرى التي تستهدف خلط الأوراق لتحقيق مصالحها في التوازنات الدولية، نتيجة ارتدادات المواقف حول قضية أوكرانيا، لكسب المزيد من اوراق اللعب.
كذلك رحب يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، علنا بالعملية التي نفذتها حماس قائلا: "نعلن دعمنا لعملية طوفان الأقصى".
ونشر علي خامنئي على موقع X، (تويتر سابقا) ، مقطع فيديو لهروب إسرائيليين، وتم حذفه فيما بعد، بالإضافة إلى أنه دأب حسابه باللغة الإنجليزية، خلال الأيام الماضية، على تكرار عبارة له قال فيها: "النظام الصهيوني يحتضر".
_ ما نريد أن نخلص إليه، هو :
ماذا يجب أن يكون عليه موقفنا كعرب ومسلمين تجاه الحرب الدائرة في فلسطين المحتلة، بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني الغاصب ومن ورائه أميركا ودول الغرب وربما بعض الأنظمة العربية:
لقد مضى على احتلال فلسطين قرن من الزمان، منذ الإحتلال البريطاني الذي اعقبه الإحتلال والاستيطان الإسرائيلي الصهيوني ، وشعبها هو الشعب الوحيد في العالم الذي ليس لديه وطن، وقصة الظلم والاضطهاد التي يعانيها معروفة للجميع ، سواء من قبل الصهاينة والدول الراعية لها، أو من الأنظمة العربية ومتاجرتها بالقضية الفلسطينية ، بل وحتى من الأحزاب والكثير من القيادات الفلسطينية نفسها.
ورغم كل ذلك إلا أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولازال يقاوم ويقدم التضحيات المستمرة دون هوادة.
وجاءت عملية طوفان الأقصى التي نعيش أحداثها الآن لتؤكد يوما بعد يوم أن قضية فلسطين ستبقى هي بيضة القبان وبوصلة السلام الذي تنشده الشعوب التي تؤمن بالتحرر والاستقلال والمساواة والحقوق الإنسانية .
_ ونحن، كشعوب وجماهير تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، لا يمكننا إلا أن ننصرها وندعمها ونساندها شعبيا وجماهيريا، ونقف بقوة ضد إسرائيل ورعاتها الغربيين والصفويين .
_ أما الدماء والتضحيات التي يقدمها أهلنا في غزة، وكل فلسطين، ورغم أنها غالية وعزيزة علينا جميعا، لكن هو ثمن لا بد من أن يقدمه كل من لديه قضية مقدسة يؤمن بها ويعتقد أنها تستحق التضحيات.
_ اخيرا وليس آخرا، يعرف الكثير من أبناء الأمة أن إيران بخبثها ودهائها استغلت حماس كجزء من مشروعها التوسعي لتقاسم النفوذ مع الصهيونية العالمية، ليس في العالم العربي فقط، بل في أفريقيا وغيرها من الأماكن ، بل ربما تكون عملية طوفان الأقصى الركيزة العملية لمشروع بايدن أو ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال ستراتيجية الفوضى الخلّاقة .
إذن ليس أمامنا إلا أن نقف مع المقاومة الفلسطينية الشعبية، كمقاومة تسعى للعمل على تحرير فلسطين وإقامة دولة مستقلة، بالرغم من تحفظنا على المواقف السياسية لحماس وعلاقاتها الأخطبوطية مع إيران وغيرها من الأطراف الخفية.
نحن ندعم المقاومة الفلسطينية الباسلة ونساندها ونجهر بتضامننا وتأييدنا جهارا نهارا من جهة، وفي ذات الوقت نتعامل بحذر وبعد نظر مع معطياتها وتداعياتها التي يشوبها الغموض وتكتنفها الكثير من الشكوك من جهة أخرى.
ان ما لا يدرك كله لا يترك جله.
1049 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع