أحمد العبداللّه
حافظ أسد:لهذا السبب عاديتُ صدّام ووقفتُ مع خميني!!
في الساعة الثانية من ظٌهر يوم السادس من تشرين الأول 1973, شرَع الجيشان المصري والسوري بهجوم منسّق ومحدود لتحريك(المياه الراكدة)!!. وأُخِذ العراق على حين غرّة بهذه الحرب, وسمع بأنبائها من الإذاعات. فعقدت القيادة العراقية اجتماعًا عاجلا, وقررت الزجّ بكافة الإمكانيات والموارد العسكرية وغيرها في المعركة, واعتبرتها معركة العراق بالدرجة الأساس, رغم المخاطرة الكبيرة لهذا القرار, لأنه يجعل الحدود مع إيران مكشوفة, وكانت العلاقة معها في أسوأ حالاتها.
وفي اليوم الثاني للحرب, وصل بغداد بشكل مفاجئ نائب رئيس الوزراء السوري(محمد حيدر)بطائرة عسكرية, وقابل النائب صدّام حسين بمقرّه في المجلس الوطني, وكان منهارًا, وهو يطلب التعجيل بوصول الدعم العسكري العراقي, لأن القوات الإسرائيلية بعد امتصاصها زخم الهجوم السوري في ساعاته الأولى, شرعت بهجوم مقابل عزوم. فقال له صدّام حسين؛ الطائرات في طريقها إليكم, ولو كانت للدبابات أجنحة لطارت معها, ولكنها الآن تزحف على السُرف للوصول بأقصى سرعة.
وصلت طلائع جيش العراق لجبهة القتال بعد خمسة أيام فقط, والتحمت على الفور بالقوة الإسرائيلية المهاجمة, وكان وزير الدفاع(موشيه ديان)يبشّر قومه بأنهم على وشك احتلال دمشق, ولكن المفاجأة الصاعقة كانت بانتظاره, فتصدى له صناديد العراق النشامى وحالوا دون تحقيق هذا الهدف. وبعد أيام وليالٍ من القتال الضروس والملحمي اختلط فيه الدم العربي على ثرى الجولان, توقفت الحرب(التحريكية), وباحتلال إسرائيل لأراضٍ عربية إضافية فوق التي احتلتها في 1967!!.
كانت المشاركة العسكرية العراقية في القتال على الجبهتين؛السورية والمصرية, فاعلة ومؤثرة. ولكن النظام الأسدي النُصيري غيّب هذا الدور تمامًا وتنكّر للعراق, واصطفَّ عسكريًا وسياسيًا وإعلاميا مع حكم(خمينو)الدجال في عدوانه على بلدنا على مدى ثماني سنوات. وفي عام 1998, وبمناسبة ذكرى مرور25 سنة على حرب تشرين, أقام نظام حافظ أسد احتفالية بالمناسبة, ووُجّهت الدعوات للجيوش العربية التي كانت لها مساهمات رمزية في تلك الحرب القصيرة, ووُزّعت عليهم الأوسمة التذكارية وتم الإشادة بدورها. ولكن الغريب إن جيش العراق كان الغائب-الحاضر الأكبر في ذلك الاحتفال, فلم تُوجّه له الدعوة, ولم يتم الإشارة لدوره وتضحياته ولو بشقِّ كلمة!!. فكانت فضيحة مخزية أكثر منها جحودًا ونكرانًا للجميل.
https://www.youtube.com/watch?v=JZ--lE8XoGI
وفي ختام هذا المقال سأوثّق واقعة لم تُنشر سابقًا أبدًا, وقد حدّثني بها شخصيًّا الدكتور يوسف حمدان*؛ الشخصية السياسية والأكاديمية العراقية, عندما درّسني في مرحلة الدكتوراه في الجامعة المستنصرية عام 2001. إذ قال لي؛ إنه في أحد أيام شهر تموز من عام 1983, كان هو إلى جانب عدد من السياسيّين المعارضين للحكومة العراقية في لقاء مع رئيس النظام السوري حافظ أسد في قصره بدمشق, وكان محور الحديث عن الحرب العراقية - الإيرانية. فتكلّم الدكتور يوسف حمدان مُبديًا استغرابه لحافظ أسد من الموقف السوري المساند لإيران, التي بدأت بشن هجوماتها على الأراضي العراقية, بعد انسحاب العراق من كافة الأراضي الإيرانية منذ منتصف سنة 1982. وكان مبعث الاستغراب هو إن إيران دولة أجنبية طامعة ومعتدية ويقودها حكم متخلّف برداء ديني مزعوم, بينما سوريا يقودها(حزب عربي علماني تقدمي), فكيف يستقيم هذا؟!.
وكان جواب حافظ أسد بالنصّ؛(إن بسطال أصغر جندي عراقي, هو أشرف من رأس خميني وعمامته السوداء. ولكن موقفه الداعم لإيران سببه هو بغضه الشخصي لصدّام حسين)!!!.
...........................
* الدكتور يوسف حمدان عامر, قيادي شيوعي سابق, ترك الحزب الشيوعي ورجع للعراق بعد عدوان 1991, وحاول تأسيس حزب جديد باسم؛الحزب الشيوعي العراقي/ اتحاد الشعب, بالاستفادة من قانون الأحزاب الذي تم تشريعه في أواسط التسعينات, لكن وزارة الداخلية عرقلت مسعاه. ثم صار عضوًا في المجلس الوطني في دورته الرابعة؛1996-2000, كشخصية مستقلة. وكان يكتب مقالات في جريدة الجمهورية فيها نقد لبعض السياسات والقرارات الحكومية. وهو يجاهر برأيه المعارض بلا مجاملات خلال محاضراته, وكان التدريسي الوحيد الذي يُسمّي الرئيس صدّام حسين,باسم(رئيس البلاد), ولا يضيف إليه ألقاب التفخيم الأخرى التي درج الجميع على استخدامها تقريبا.
بعد أسابيع من الاحتلال زرته في المعهد, وقد صار عميده, بعد هروب العميد السابق؛الأردني(حسن طوالبة), فارًّا بجلده. وهنأته على منصبه الجديد, وقلت له؛أنت الرجل المناسب في المكان المناسب. ولكنه لم يكن سعيدًا بـ(التغيير), ولا بالمنصب, فالبلاد تنوء تحت احتلال غاشم, والفوضى تضرب أطنابها في كل مكان. ولم يمكث طويلًا في موقعه هذا, فقد عيّنوا مكانه(الحوزوي)الجديد, و(البعثي القديم)؛ناظم الجاسور(الطويرجاوي),عميدًا, بعد تغيير جلده, وكحال كثيرين غيره من أدعياء النضال!!. ودافع ذلك الرجل الشريف الوطني النزيه؛يوسف حمدان, عن قضية بلده المحتل, أحسن من قيادات بعثية كثيرة توارت عن الأنظار, أو نكصت على أعقابها, بعد أن كانت تملأ الساحة ضجيجًا وصريخًا وعجيجًا.
لقد كان الدكتور يوسف حمدان, من غير المرغوب بهم في عهد صدّام حسين, وصار من المغضوب عليهم في زمن سلطة الحثالات الطائفية الفارسية, ولغاية وفاته في داره البسيطة في حي الحرية الشعبي في بغداد, سنة 2015.
3390 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع