أنت مع من؟

                                            

                                 دلع المفتي

ربما بسبب رحيق الياسمين الذي يجري في عروقي، أينما ذهبت وكل من يراني يواجهني بالسؤال الصعب: «أنت مع من؟».

أحاول أن أجيب فتأخذني أفكاري بعيدا، أتخيل حارات الشام العتيقة، أسمع صوت الأذان من الجامع الأموي يتقاطع مع أجراس الكنيسة المريمية، أسمع مواء قطة الجيران، أرى أم أحمد تطل من شباك بيتها العتيق تنادي على أم علي للصبحية على فنجان قهوة، أتخيل طاولة «كسر السفرة» في أرض الديار بجانب البحرة، أشمّ رائحة الفتة، أرى شجرة النارنج، أشمّ رائحة الياسمين.. فأجيب: أنا لست مع أحد، كل ما أعرف هو ما أنا ضده.

أنا ضد الظلم، وضد الدكتاتورية، وضد الاستبداد.

أنا ضد القتل، ضد وجع الأمهات، ضد دموع الأطفال، ضد رغيف الخبز المخضّب بالدم.

أنا ضد الطائفية، وضد السُّنة والشيعة والعلوية والدروز، وباقي ما تبقى من مذاهب وأديان، إن رفع أحدهم السلاح في وجه أخيه السوري.

أنا ضد النفاق، وضد الحياد، وضد الوقوف بانتظار الكفة الرابحة للركض نحوها.

أنا ضد التعصّب، والتطرف، وضد تحويل سوريا الى ولاية إسلامية تُجَز فيها رؤوس التماثيل تمهيدا لجز رؤوس البشر.

أنا ضد المقاومة الإنترنتية، والجهاد الفيسبوكي والتويتري، فمن يده بالماء ليس كمن يده بالنار، ومن تفقد «ضنا»، ليست كمن تتفرج على الفقد عبر الشاشات.

أنا ضد استهداف الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية، وضد التعدي على مدنهم وقراهم وأماكن عبادتهم.

أنا ضد ترهيب المسيحيين والسعي لتهجيرهم وتفريغ سوريا منهم.

أنا ضد كل الفرق والمنظمات والأحزاب والتنظيمات التي تتقاتل فوق التراب و«الدم» السوري.

أنا ضد استغلال معاناة اللاجئين، والشحادة على ظهورهم وسرقة قوتهم.

أنا ضد نظام يدّعي الإصلاح وهو يدمّر بلدا عن بكرة أبيه.

أنا ضد معارضة تسافر على الدرجة الأولى وتنزل في فنادق 5 نجوم، تتعارك، وتتشاجر وتختلف فيما بينها، ثم تتحدّث بلسان الثوار.

أنا ضد نظام يدّعي حماية شعبه، وهو يقصفه بالطائرات.

أنا ضد التكفيريين والسلفيين الدخلاء، سواء ممن أوجدهم النظام، أو ساعد على وجودهم.

أنا ضد رؤية السوريين في خيام زُرعت وسط الرمال، وتلحفت السماء، بعد أن كانوا ملجأ لكل نازح ومحتاج ولاجئ.

أنا ضد استباحة النساء السوريات بحجة حمايتهن، وضد دعوات «المتأسلمين» لنصرة السوريين بنكاح نسائهم.

أنا ضد الدم. ضد الإرهاب، ضد العنف، ضد التفجيرات الانتحارية، ضد قتل المدنيين من أي فصيل أو مذهب أو قومية، ومن قبل أي طرف.

تسألونني أنا مع من؟

أنا مع سوريا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

521 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع