قصة مدينة الفئران وعازف الناي

مؤيد الناصر


في أحد مقاهي بلدة " هاملن " الألمانية جلست الغجرية الحسناء "ميلا " تحكي للجنود

خلال فترة راحتهم قصة " عازف الناي " التي أصبحت جزاءً من تراث بلدة " هاملن " المطلة
على نهر " الويزر " أستوت الغجرية الحسناء في جلستها وبدأت حكايتها
منذ زمن بعيد فوجئ أهالي بلدة " هاملن " بأعداد كبيرة من الفئران قادمة
من أقصى الشمال, كانت الأرض تبدو وكأنها أكتسحت حلة سوداء لكثرة
هذا الجيش الغازي ولم يكن باستطاعة أحد أن يمشي حراً طليقاً في أزقة البلدة
دون أن يتملكه الرعب, وأتت الفئران على كل شي صادفته في طريقها
خاصة مخازن الحبوب مثلما أستطيع أنا الآن أن أعب هذه الكأس في برهة وجيزة
وبحركة رشيقة رفعت الغجرية يدها, ثم تابعت حكايتها الشيقة التي بدأت تأسر من يسمعها
ولم تنفع كل حيل أجدادنا, أستعملوا الشراك والسم وأستعانوا بالسحرة, لكن كل هذا ذهب أدراج الرياح
وأستقر رأيهم أخيراً على أستقدام باخرة من " بريمن " تحمل على متنها 1100 قط
لكن هذا الحل أيضاً كان كسابقيه ولم ينفع في شئ, وكان الأهالي عندما يتخلصون
من بعض الفئران يفاجأون بأعداد أخرى أكثر نهماً وشراسة
وللحقيقة لو لم يأت الخلاص سريعاً لما بقي في بلدة " هاملن " ولا بذرة واحدة ولمات الأهالي جوعاً عن بكرة أبيهم

 
وذات جمعة قدم الى البلدة غريب طالباً مقابلة " البوغمستر " كان رجلاً طويل القامة, نحيفاً
تعلوه سمرة واضحة, ذا عينين كبيرتين وعميقتين, كانت نظراته كالسهم النافذ, وكانت ملامح
وجهه تدل على صرامة لاتخفى على أحد, كان يرتدي معطفاً أحمر بأزرار في لون النار
وقبعة حادة من الجهة الأمامية, وجوارب رمادية طويلة, وحذاء يميل الى اللون الأصفر
وسروالاً مزيناً بأشرطة ملونة وكان يتمنطق بحزام سميك, يحمل في جانبه الأيمن جراباً
 يخيل ألي وكأنني أراه في هذه اللحظة بالذات
كانت كل العيون متجهة الى حيث أتجهت نظرات " ميلا " الى جدار بجوار سوق البلدة
_ "اذاً أنتي رأيته ؟ قال الجندي " ميرجي
_ لا, جدتي هي التي رأته وأستطاعت أن تصفه كما أصفه الآن لكم
_ قال ميرجي, وهل تقابل الغريب مع عمدة البلدة؟
_ نعم, تقابل معه, وأقترح أن يتكفل بأبعاد الفئران الغازية عن البلدة نظير مائة قطعة ذهبية
ولم يتردد العمدة والأهالي في قبول هذا العرض ولو أن المبلغ المطلوب كان باهظاً, وبمجرد الأتفاق
على هذه الصفقة أخرج الغريب من جرابه ناياً من البرونز واتجه الى ساحة البلدة, حيث بدأ في عزف ألحان غريبة
لم يعزفها من قبل عازف الماني, الحان وصل صداها الى كل مكان في بلدتنا الودود, وكانت المفاجأة
أن الفئران غادرت مخازن الحبوب والدهاليز والاقبية لتشكل مسيرة كبيرة لايعرف أولها من أخرها
متجهة نحو الغريب الذي لم يتوقف للحظة عن عزف الحانه الغريبة, وعندما أدرك عازف الناي تأثير
أنغامه السحرية على الفئران, أتجه الى نهر " الويزر " حيث خلع حذاءه الأصفر وغاص في النهر
وحذت حذوه الفئران الغازية, فلاقت حتفها غرقاً, ولم يبق في بلدة " هاملن " الأ فأر أبيض مسن
عندها شرع الغريب في عزف الحان أخرى أغرب من الاولى, ليشاهد الأهالي آخر فأر من الفئران
المتجهة الى النهر يختفي في زقاق من ازقة البلدة ليعود بعد برهة جاراً الفأر العجوز من ذيله في
اتجاة النهر ليلقي وأياه مصير الآخرين
هكذا نجت البلدة وعاد اليها الأمان والطمأنينة
وبفخر وأعتزاز اتجه الغريب نحو العمدة ليتسلم مكافأته نظير انقاذه البلدة, لكن العمدة ومعه الأهالي
تراجعوا عن وعدهم, عندما زال الخطر عن بلدتهم, وقرروا التخلص من الغريب بأن عرضوا
عليه عشر قطع ذهبية فقط ؟ مستغلين عدم توفر أي حماية, وأحتج الغريب بقوة وتمسك بحقه
في الحصول على القطع الذهبية المائة الموعودة, ولما أصر على موقفه, أتخذ العمدة والأهالي
قراراً بطرده وابعاده عن البلدة, ولكن
عازف الناي
هدد
وتوعد
بأنهم سوف يدفعون الثمن غالياً
وانه
سيرد
الكيل كيلين
ولم يكترث الأهالي والعمدة بتهديده ووعيده ودوت الساحة بالقهقهات وكلمات الأزدراء التي رددها الأهالي صغاراً وكباراً
وراءه في الطرقات المؤدية الى مدخل البلدة, حيث أنصرف الغريب ولم يظهر في البلدة لـ أسابيع
 صمتت الغجرية قليلاً ثم تابعت حكايتها
وفي ظهيرة يوم الجمعة عاد الغريب الى " هاملن " وظهر في الساحة الرئيسية مرتدياً قبعة غريبة في لون الأرجوان
وأخرج من جرابه ناياً مختلفاً عن نايه الأول, وبمجرد مابدأ عزفه تجمع حوله كل أطفال البلدة من سن السادسة الى سن الخامسة عشرة
 



وتحرك عازف الناي في أتجاه مدخل البلدة وتبعه الأطفال
وقاطع الغجرية " ميلا " صوت " ميرجي " قائلاً
_ وماذا كان رد فعل الأهالي ؟
هل تركوا اولادهم يتبعون عازف الناي ؟
_ لم يكن باستطاعتهم أن يفعلوا أي شيئ, لقد كان لعزف الغريب تأثير عجيب على الأطفال
فتبعوه حتى جبل " كبونبرك " المطل على البلدة حيث دخل عازف الناي الى كهف هناك
ودخل معه الأطفال, وكان صوت الناي يصل الى مسامع الأهالي لفترة قصيرة
ليتلاشى
شيئاً
فشيئاً
الى أن لم يعد يسمع وغاب الأطفال
وغابت أخبارهم عن ذويهم
وتوقفت الغجرية عن السرد لتلاحظ اثر حكايتها على الجنود, وأستغل أحدهم الذي يتحدر أصوله من " هاملن " هذا التوقف ليقول
_ هذه الحكاية صحيحة حتى انه عندما يريد أهالي " هاملن " التأريخ لحدث يقولون حدث هذا بعد خمسين أو مائة عام من خروج أطفالنا
وأستأنفت " ميلا " حكايتها
والأغرب من كل هذا أنه في ذلك الوقت بالذات وبعيداً عن بلدة " هاملن " والمانيا, ظهر اطفال في منطقة " ترانسلفانيا " يتحدثون لغة المانية قحة
لكنهم لايعرفون شيئاً عن مسقط رأسهم ولا من أين قدموا, وكبر هؤلاء الأطفال وتزوجوا في موطنهم الجديد ولقنوا لغتهم الالمانية لأولادهم
وأحفادهم
 ولهذا مازال أهالي منطقة " ترانسلفانيا " يتحدثون لغة المانية لا فرق كبير بينها وبين اللغة الألمانية التي نتحدث بها هنا في المانيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1000 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع