علي غالب البصام
صورة سلبية
كثيرة هي الانطباعات السلبية التي تنشر عن العراق بمختلف عصوره التي مر بها وخصوصاً في فترة ما بعد ٢٠٠٣ وما صاحب هذه الفترة من كوارث حلت على البلد من اجتماعية وثقافية وصحية وبيئية ومعيشية بكافة ضروب المعيشة وغيرها كثير.
انتشرت الصور والافلام والمفبركة منها خصوصاً والقديمة التي تخص دولاً أخرى مثلاً في ازمان مختلفة ليتم ارجاعها الى العراق لزيادة اوجاعه وانبرى أصحاب الاختصاص والسابلة في التحليل والتعليق في البرامج التلفزيونية والقنوات الفضائية والمقابلات لنقل الصورة السوداوية عن هذا البلد الكسير آنياً وليس هناك من يسمع انينه او يتحسس مشاعره ويحاول وضع رؤيته لبعض الحلول كأنما كتب على هذا البلد الشقاء والبأساء رغم ما حباه الله من خيرات وفيرة لا نظير لها في كل الكون وشعب جاحد لكل هذه النعم ولا يتوانى عن الامعان في ذله ومهانته لا تأخذه في عدم ادراكه لسوء افعاله وجحوده لومة لائم.
العراق هو الاب والام الحاضنة لأبنائها التي ترعاهم وتصونهم ليكبروا ويشقوا طرقهم في مشارق الارض ومغاربها أفإن مرضت هذه الام فهل ترمى على قارعة الطريق متناسين كدها وتعبها في تنشأة أبنائها لتشتد سواعدهم؟ لا بد ان يأتي اليوم الذي تشفى فيه هذه الام الرؤوم وهذا اليوم لا يأتي الا بسواعد أبناءها البررة وعزيمتهم الذين لم يضحوا بأمهم بل اعتنوا بها واعانوها لاجتياز المراحل الصعبة من مرضها ليتم شفاؤها.
اما آن الأوان لناكري الجميل والجاحدين ان يذكروا بلدهم بذكرى طيبة تبقى ذكراها وحلاوتها؟ لقد سمعنا وشاهدنا الكثير من السلبيات لكننا لم نر أي جانب إيجابي من الصورة القاتمة التي اجبرنا على عيشها كأننا في مباراة لنشر الجانب المظلم غير عابئين بإظهار ولو جزء يسير من الجانب المشرق وما اكثره وقد خفي على الكثيرين او اجبروا على اخفائه فالأمر سيّان ويبقى ابناء العراق هم الملامون على تقصيرهم تجاه بلدهم.
يقول المثل العراقي الدارج: لو طاح الجمل كثرت سجاجينه (سكاكينه) في إشارة لضخامة حجم الجمل وقوته وتحمله وصعوبة ذبحه وبمجرد سقوطه ارضاً نتيجة ضربة احترافية من أحد القصابين في مؤخرة الرقبة ليبرك جاثياً مستسلماً لمصيره تتلقفه سكاكين المتربصين حوله لتقطيع اشلاؤه والفوز بقطعه لكل ذي حاجة منه. وهذا ما حدث للعراق العظيم بجبروته وعنفوانه ان يقع فريسة المرض الذي يفتك بجسمه وينخره ومع الأسف ان يكون أبناؤه من حوله يشحذون سكاكينهم لتقطيع اوصاله قبل غيرهم غير ابهين بمرضه ومعاناته وغير مدركين لما يقومون به من فعل مشين متناسين ان المرض مصيره الشفاء بقدرة رب العرش القدير الذي انزل المرض وانزل معه الدواء ليشفيه وهذا كله امتحان من رب العزة في التحمل والصبر على المحن والكوارث ليجزي الله القوم الصابرين (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. ١٥٣ البقرة).
لكن الذي يجري هو العكس تماماً وكل السلبيات هي نتيجة الجهل والتخلف الذي بات يلف العراقيين ليحجب الجانب المضيء من الصورة وكلنا تواقون لرؤية هذا الجانب لكن القوى الظلامية تمنعنا من ذلك اذ ابتلينا بأمراض كثيرة يصعب البراء منها الا بالعزيمة والإرادة الجبارة واللحمة الوطنية التي تصنع المعجزات. لقد ابتلي العراق بآفة الطائفية المقيتة والتي صارت جزءاً من هوية أبنائه التي انقاد لها مع الأسف حتى بعضاً من أبناء النخبة والطبقة المثقفة متناسين هموم الوطن ولا هم لهم غير كون الآخر من طائفتهم او مخالفاً لهم ليتم التعامل معه على هذا الأساس.
للقضاء على هذه الآفة التي هي السبب الرئيسي في بلاء الوطن والمسبب الأوحد لبقية الآفات والامراض الاجتماعية التي تعصف بالجسم العراقي علينا التكاتف في مواجهة هذه الفتنة البغيضة التي اوجدها المحتل وتلاقفتها بقية دول الجوار ورعتها لمطابقتها لأجنداتها ومصالحها وتوفر الأرض الخصبة لنموها وترعرعها والتي افرزتها نتائج الجهل والتخلف اللذان يغرق فيهما المواطن العراقي نتيجة التراكمات الممنهجة لدخوله هذا المضمار، وهي السلاح الفتاك الذي بواسطته يمكن تسيير الأمور حسب ما تقتضيه مصالح تلك الدول وبالقضاء على هذه الآفة نتمكن من القضاء على بقية الآفات بكل يسر وهذه الخطوة تحتاج الإرادة الصادقة والمخلصة من قبل الواعين من أبناء العراق ولنا في بقية البلدان التي سبقتنا في هذا المضمار مثل سنغافورة وماليزيا وجنوب افريقيا وغيرها من الدول التي رفضت حياة الهوان والارتهان، اسوة حسنة تعيننا لننهل من تجاربها التي انتشلتها من براثن التخلف والجهل والامية ووضعتها في مصاف الأمم الراقية بفضل أبنائها المخلصين وليس ذلك بعسير والعراق ليس عقيماً عن انجاب الأبناء البررة الذين اناروا دروب الحضارة والمدنية منذ آلاف السنين وقدموها للبشرية لتستنير بها.
لنضع مشاكل الحاضر واشكالاته وراء ظهورنا ونبدأ بوضع مصلحة الوطن نصب اعيننا ولتكون الهدف الذي نصبو له متناسين الأحقاد والضغائن والمصالح الفردية والخوض في غمار معركة البقاء والوجود لأننا مستهدفون من جميع اركان الكرة الأرضية لسبب واحد فقط الا وهو كثرة الخيرات التي حبانا الله وخصّنا بها دون بقية خلقه وهذه النعم التي بدأنا بضياعها رويداً رويداً غير مدركين ما نحن مقبلين عليه من تفتيت لبلادنا لا سمح الله وتحقيق المخطط الذي رسم لنا و للدول العربية والإسلامية من تقسيم وتناحر وانشاء ثلاث دويلات او اكثر متصارعة بينها بعد ان نالت دول الجوار نصيبها ويزيد ولم يتبق لنا سوى الصراع بيننا لإتمام هذا المخطط الخبيث لنتمكن من اجتيازه وتجاوزه بمشيئتنا وتكاتفنا وهذا يأتي من الوعي والادراك لنفوت الفرصة على الطامعين وشذاذ الآفاق الذين اتخموا من خيرات العراق خصوصاً بعد كارثة غزو الكويت على شكل تعويضات بقيت تدور مختلف دول العالم لتوزيع التعويضات اضعاف مضاعفة بحق او بدون وجه حق وهذا كله على حساب افقار العراقيين وتجويعهم تارة بالحصار وأخرى بالحروب و الشعب العراقي يتفرج ويتضور جوعاً جراء السياسات الخاطئة التي استغلت طيبة الشعب العراقي وتحمله وصبره على المكاره لتقوده الى ما قبل الهاوية لذا وجب الحذر من السقوط الذي بات قاب قوسين او ادنى بنبذ كل تلك السلبيات والتطلع بعين الامل الى مستقبل واعد ومشرق بعيداً عن كل ما من شأنه ان يفرق بين أبناء الوطن الواحد ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
علينا ان نضع أيدينا بأيدي بعضنا امتثالاً لقوله تعالى "يد الله فوق أيديهم. الفتح ١٠" لنفوت الفرصة على المتربصين بعراقنا وبنا متناسين كل ما من شأنه فرقتنا وتشتتنا والله لا يضيع عمل المخلصين المكافحين في سبيل رفعة وطنهم وبنائه. “فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم. آل عمران ١٩٥" وكفانا تناحراً ولا فائدة ترتجى منه غير الخراب والدمار.
559 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع