عبدالكريم إبراهيم
رسائل غرام (حسوني ابو العنبة ) المنسية
حسوني كغيره من ابناء مدينة الثورة، ورثوا مهن آباءهم ،فقد فتح عينيه على رائحة العنبة وهي تفوح من البيت. ولم يكن باختياره ان يحمل ثقل الحياة مبكراً. كانت احلامه لاستوعبتها مخيلة الشباب الحالمة في غد اجمل . ولكن فشله في الدراسة هو الذي جعله يقع ضحية سهلة للحروب وتنهار احلامه في ان يكون معلما كأستاذه حسام المعروف عنه حسن الاناقة ولباقة الكلام حتى كان محط نزاع زميلاته المعلمات في ايهن تظفر بحبه. قيل الكثير عن (دون جوان) حسام لدرجة كما كان يشاع انه ما ان يخرج من علاقة غرامية لدخل في اخرى . قد يكون الرجل زيرا للنساء بمعنى الكلمة فقد ساعده اسلوب وحسن صياغته للمفردات فضلا عن وسامته في جذب الفتيات اليه، لذا كان بعض زملائه واصدقائه يستعينون به في كتابة رسائل الحب التي يبعثونها الى حبيباتهم.
كان حسوني أبو العنبة من اشد المعجبين به فكان يقلدهُ في مشيته، وكيف كان يضع قلم الحبر في جيب سترته لدرجة انه الح على والده أن يفصل له قاط كالذي يلبسه استاذ حسام ،ولكن حسوني لم يكن يمتلك تلك الموهبة في صناعة الكلام العذب. وأيضا هناك فرق بين رائحة العنبة ورائحة العطور الفرنسية التي يضعها حسام.
برغم من قناعة حسوني انه محدود الامكانيات، فأنه مازال يحلم أن يكون له عشيقات كثر كحسام يكتب لهن ما يجول بخاطره – علما انه لا يفك الخط – ولكن الاحلام ليست حرام كما يقال. وشاءت الصدف أن يتعلق قلبه بفتاة نسخة طبق الاصل من الممثلة زبيدة ثروت حتى أن أهل المنطقة تناسوا اسمها الحقيقي من كثرة يشوع هذا اللقب على هذه الفتاة. ولمْ يستطع حسوني أن يصارحها بحقيقة مشاعره اتجاها، فهو: متردد ،كثير الحياء ، قيلة الخبرة ، فضلا عن أنها كانت ابنة مختار المنطقة المعروف انه من النوع (الحاروكة ) الذي وشى بعدد كثير من اهل المنطقة. هذه الاسباب هي التي جعلت من العاشق الولهان متردد، كثير السرحان والهيام في جمال شبيهة زبيدة ثروت. وفي يوم من الايام قرر استشارة استاذه حسام فهو لا يبخل في تقدم المشورة والنصح في مثل هذه الامور. عرف الاستاذ الذكي صاحب المراس الطويل، وباع الكبير في دورب العشق ان تلميذه أصابه سهم الحب فجاء طالباً النجدة. فبادره قبل ان يقول شيئا : من هي ؟
- وكيف عرفت يا استاذ؟
- الا تعرف أن العاشقين تفضحهم عيون.
- انها زبيدة ثروت.
- بنت المختار، حبيبي حسوني ما لكيت غير بنت المختار حتى تحبه؟ّ!
- والقلب وما يهوى.
- صدقت، القلب ما يهوى ،اسمع حسوني راح اكتبلك رسالة جميل بثينة ما كتبتها بحياته.
- استاذ أبوها كسار ركاب.
- اعرف جيداً.
سلم حسوني رسالة العشق إلى حبيبته التي تفاجأت بحسه المرهف، وقدرته على اختيار الكلمات التي ثلج الفؤاد، وتزرع في المخيلة العناد. ولكن القدر لمْ يمهل العشاق الولهان سوى ايام قليلة، حيث سيقَ الى جهات القتال عندما تذكر كيف كان رفاقه في المنطقة يأتون على نعوش تحملها سيارات الاجرة وسط عويل الاهل والاحبة ؟ فكر ان يهرب من الجيش ولكن إلى أين؟ لابد له من الذهاب إلى قدره المكتوب حيث لا رسائل معطرة بأريج الهيام، وعيون زبيدة ثروت تطرد عنه وحشة المكان، فقط دوي المدافع وازيز الرصاص والموت الذي يخطف الجنود واحداً واحداً. كان الدور هذه المرة على حسوني ليعود محمولاً في احدى ايام تموز الحارة على سيارة اجرة حمراء توسطت الدربونة. اختار الموت هذه المرة عاشقاً أخرس لا يعرف قصته سوى انين محبوبته واستاذه ولافتة سوداء ورسائل غرام كانت تصل بعيدة عن اجهزة الرقابة.
840 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع