عبد يونس لافي
من رسائل مملكة ماري/ إدارة المملكة
الرسالة الأولى
قبل التعرُّضِ لهذه الرسالة،
أُمَهِّدُ بمقدمةٍ مُقتضَبةٍ عن
مملكةِ ماري.
تعتبر ماري من الممالكِ الساميَّةِ القديمة،
التي نشأت قبل 5000 آلافِ سنة،
أي إبّانَ الألفيّةِ الثالثةِ قبل الميلاد.
كان لهذهِ المملكةِ شأنٌ يُعْتَدُّ به،
وما تزال تُبهِرُ العالَمَ لما تمتَّعت
به من المظاهرِ الحَضاريَّةِ،
التي شملت نواحٍ شتّى،
من سياسةٍ، وعمرانٍ،
وصناعةٍ، وتجارةٍ، واجْتماعٍ.
أُقيمت هذه المملكةُ
في مدينة ماري،
التي تقع على الضفة الغربية
من نهر الفراتِ في سوريا.
بقاياها وُجِد على تلٍّ يبعد
أحدَ عشرَ كيلو مترا،
من مدينة البوكمال الحدودية
بين العراق وسوريا
على الجانب السوري.
ولِمنْ لا يعرف البوكمال السورية،
فهي توأمُ (القائمِ) العراقية.
مدينتان تقعان على جانبي
الحدود العراقية السورية،
على الضفة الغربية
من نهر الفرات،
ولا تتجاوز المسافةُ بين مركزيْهما
غير ميلينِ او تزيد قليلا،
وأذكر أنّي قطعتها مشيًا على
الأقدام، كما فعلها الكثير من قبل.
هذا القربُ جعل اهالي المدينتين
مرتبطين بأواصر القربى والمصاهرةِ،
حيث الامْتداد العشائري،
لتنسحبَ هذه العلاقةُ وتمتدُّ
إلى مدنٍ سوريةٍ وعراقيةٍ اخرى،
على الجانبين السوري والعراقي،
سيما ما يقع على ضفافِ الفراتِ الخالد،
وأبناءُ جلدتِنا من أهالي الغربية،
يُدركون هذا الذي أقول.
كان لموقع هذه المملكةِ على قناةٍ،
تتصل بنهر الفرات،
بالغُ الأثرِ في أن تكونَ مركزًا
تجاريًّا يربط الجنوبَ بالشمال،
وفي نشوءِ حَضارةٍ،
اعتُبرَت من ارقى الحضارات.
حكمت هذه المملكةَ قوانينُ متميِّزة،
أنبأت عنها الوثائقُ
والمخطوطاتُ المكتشفة،
التي عكست تقدمًا وتطورًا
في ميادينَ حياتيةٍ مختلفة.
كما فصَّلت هذه الوثائقُ حياةَ الناس،
بشرائحهم المجتمعية المتعددة،
وتناولت ذكرَ انواعِ الفنونِ
والصناعاتِ السائدة،
والنقاباتِ والجمعيّاتِ التي
نظَّمت شؤونَ منتسبيها.
الحديثُ عن مملكةِ ماري يطول،
ويكفي ان نقولَ أنَّ مملكةً عاشت
اكثرَ من ألف عام،
من التطور المضطرد في
جميع مناحي الحياة،
لَمَملكةٌ يحقُّ لأبنائِها الفخرُ والاعتزاز.
الآن لنأتِ إلى فحوى الرسالةِ الماريَّة،
واستطيعُ ان اقولَ عنها
الرسالة النارية،
فالرسالةُ ليست بالرسالةِ العاديَّة،
انها رسالةُ شخصٍ
في موقع المسؤولية العليا،
انها لملكٍ إلى ابْنه الأصغر،
الذي اصبح ملكًا بعد موت والده.
كانت تحملُ اجابةَ الملكِ الوالدِ،
وتوجيهَهُ لما طرحه هذا الابن،
ويبدو أنَّه احدُ المسؤولين
في ادارة المملكة ايضا.
كان الولدُ قد اسْتأنَسَ بآراء والدِه حول:
إسقاطِ جميع الدعاوى القانونيةِ والاداريةِ
المترتبةِ على القبائلِ الشماليةِ من المملكة.
استيلاءِ معاوني ريفِ (خانا) او (هانا)،
على الحقول الممتدةِ على
طول نهر الفرات،
التي تقع بين حقول المُلّاكِ الحاليين،
بعدما اصدر الملكُ اوامرَه،
بتوزيع وتخصيصِ الأراضي
على ضفاف الفرات.
ضرورةِ اقْتناءِ عددٍ كبيرٍ من
القواربِ الكبيرة، إلى جانب الصغيرة.
كانت اجاباتُ الملكِ صارمةً حاسمةً،
معتمدًا على خبرتِه، ومستمعًا
الى رأْيِ مستشاريه،
كما تُفصِحُ الرسالةُ دون غموض!
ودونك الرسالة:
"أخبر يسمَخ – أدو1 (Yasmaḫ - Addu):
والدك شَمشي – أدو (Šamšī - Addu)
يُرسل الرسالةَ الآتية:
لقد استمعتُ إلى الرسائل
التي أرسلتَها إلَي؛
كنتَ قد سألتَني حول التنازلِ
عن جميع الدعاوى الإدارية
والقانونية المُتَرتِّبةِ
على القبائل الشمالية، فأُجيب:
"أنه ليس من المناسبِ
التنازلُ عن هذه الدعاوى،
فإذا حصل مثلُ هذا التنازلِ،
عن الدعاوى المرفوعة ضدَّهم،
فإن أقاربَهم، قبائل الربايا،
الذين يقيمون الآن في
الجانب الآخر من نهر الفرات،
في مملكة يمهاد (Yamḫad)،
تسمع عن هذه المعاملة التفضيلية،
فيكونون غاضبين جدًا منهم،
أنهم لن يعودوا إلى مواطنهم الأصلية.
عليه لا تتنازلْ عن الدعاوى
ضد القبائل الشمالية
تحت أية ظروفٍ بل على العكس،
وبِّخْهم بشدةٍ موضِّحًا لهم:
أنْ إذا ذهب الملكُ في رحلةٍ استكشافية،
فالجميعُ، كبارًا وصغارًا،
يجب أن يتجمَّعوا حالًا.
ايُّ شيخٍ لا يجمع رجالَه كلَّهم
دون ان يتركَ احدًا،
يرتكبُ عقوبةَ تدنيسِ المقدَّسات
ضدَّ الملك،
حتى لو ترك وراءه رجلًا واحدًا فقط!
وبِّخْهم بهذه الطريقة بالضبط.
تحت أيِّ ظرفٍ من الظروف،
لا يجب عليك إلغاء الدعاوى ضدَّهم."
الآن انتقل إلى موضوع آخر:
عندما أرسلتُ لك أوامر
بشأن تخصيصِ الحقول
على طول نهر الفرات،
وكذلك الاستيلاءِ على هذه الحقولِ
من قِبَلِ الجنود، سألْتَني ما يلي:
"هل يجب على المعاونين من
خانا3 (Ḫana) الساكنين في الريف،
أن يستولوا على الحقول،
من بين (الذين يعيشون) على
طول نهر الفرات، أم لا؟ "
هذا ما كتبتَه لي.
لقد سألتُ إيشار - لِم (Išar - Lim)،
و خبراءَ آخرين للحصول على المشورة،
ولذا ليس من المستحسَنِ،
إعادةُ تخصيصِ الحقولِ
على طول نهر الفرات،
أو حتى التحقق من
(حقوق المالكين الحاليين).
فاذا ما اعدتَ التخصيصَ من جديد،
وتحقَّقْتَ من هذه الحقول،
سوف يكون هناك الكثير من الشكاوى.
لا ينبغي تحت أيِّ ظرفٍ من الظروف،
أن تُعيدَ تخصيصَ الحقولِ الواقعةِ
على طول نهر الفرات.
كلُّ رجلٍ يجب أن يحافظَ على
قبضتهِ تمامًا كما في الماضي.
يجب على الحقول ألّا تختلط.
تحقَّقْ فقط في حقول أولئك
الذين ماتوا أو هربوا،
وأعْطِها لِمن ليس لديهم
حقولٌ على الإطلاق.
عند التَّنازُلِ عن الدعاوى نفسها،
كن أكثرَ صرامةٍ واجْعلِ
الجنودَ جاهزين.
يجب فحصُ التَّنازُلِ الذي تقوم به جيدًا.
أيضًا يجب على مساعدي خانا،
الذين يعيشون في الريف المفتوح،
ان يحافظوا على الحقول
الواقعة على ضفة الفرات،
كما فعلوا من قبل.
"اما فيما يتعلق بما كتبتَه لي
عن ضرورة امْتلاكِ العديدِ
من القواربِ الكبيرة،
مع القوارب الصغيرة"
فإنَّ المهمَّ هو التركيزُعلى
بناءِ القواربِ الكبيرة،
التي يبلغ الحدُّ الأقصى لها،
عشرةً أو ثلاثينَ فقط،
حيث أينما كانت هذه القوارب،
ستكون دائمًا متاحةً
لك لتحملَ شعيرَك.
الخاتمة:
حكمٌ دون مواربةٍ،
يدعمُه حزمٌ ومشورة،
لاريبَ يقودُ الى تطور الأمم.
1 يسمخ – أدو أو يسمح – أدو
(Yasmaḫ - Addu
هو الإبن الأصغر للملك الأموري
شَمشي – أدو (Šamšī - Addu).
2 مملكة يمهاد او يمحاض (Yamḫad)
احدى الممالك السامية التي قطنت
في حلب سوريا اليوم.
3 خانا أو خانة (Ḫana)
مملكة من الممالك السورية القديمة
وعاصمتها ترقا (Terqa)
تقع في منطقة الفرات الأوسط.
3276 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع