عادل شهاب ألأسدي
شارع الكويت اسم في ذاكرة الزمان والمكان
* مرّ الشارع بحقب زمنية مختلفة حيث عاش منتعشاً وصل ذروة النشاط والازدهار وأنتكس وضعف حد الانهيار في أزمان أُخرى .
** في البداية كان محلنا متخصصا في صنع الحلويات حينما كان الشارع في أوج ازدهاره حيث حركة البيع ومستوى الإقبال المتميز ولكن تغيرا كبيرا حدث للشارع .
مثلما للمدن وجوه وملامح وأسماء، فللشوارع ملامح ودلالات لما تزل منقوشة في ذاكرة الإنسان على مر العصور والأزمان ؛ لذا نجد في جميع مدن وعواصم العالم شوارع لها مسميات تحمل دلالات معينة . وشارع الكويت واحد من أشهر شوارع البصرة. وقد وهبه موقعه الذي جعله يتربع قلب المدينة أهمية خاصة ليُصبحَ اكبر سوقٍ تجاريٍ متخصصٍ في بيع الأدوات المنزلية والكهربائية على اختلاف أنواعها بالإضافة إلى الفنادق والمطاعم والمقاهي لتشكل جزءٍ من تأريخه.
استقطب شارع الكويت عموم أهالي المدينة حتى طارت شهرته لتصل جميع محافظات العراق على مدى عقود من الزمن , وقد مر الشارع بحقب زمنية مختلفة حيث عاش منتعشاً وصل ذروة النشاط والازدهار وأنتكس وضعف حد الانهيار في أزمان أُخرى. نستعرض هنا هذا الاستطلاع الجانب التاريخي والاقتصادي لهذا الشارع التجاري الحيوي .
عن بدايات هذا الشارع الذي يبتدئ جنوبا من الجسر الموازي لجسر المغايز لينتهي بالقرب من جسر الخندق شمالا يحدثنا احد شهود العيان وهو باحث وموثق ومختص بالشأن البصري مستذكرا :
" عام 1959 اعتدت اصطحاب جدي الضرير محل ابنه الكائن في سوق المطاعم عبورا لجسر المغايز ومن ثم انعطف يسارا باتجاه زقاق قوس الهواز بعد ساعة سورين تماما . وبعد ذلك نتوغل في أزقة منطقة البجاري باتجاه المحل الذي يقصده جدي والذي يقع ضمن سوق المطاعم القادم من ساحة ام البروم باتجاه الشرق. وما ان قدمت سنة 1965 حتى جرى انشاء الجسر الموازي وهدم بيوت البجاري لتكون المحصلة شارع الكويت الذي يلتقي في اول اندفاعته بطريق الساحل الشمالي القادم من مقام علي . وشمالا يتصالب مع امتداد شارع ابو الاسود المتجه الى ( رواسة الداكير ) . وما اذكره وجود ساحة قريبة من محلات محمد تايه بائع الدراجات النارية كانت تباع فيها السلع المجلوبة من الكويت : عطور ، سجائر اجنبية ، دشاديش ، علب ماكنتوش ، وغيرها من السلع . ومع الايام اخذ شارع الكويت الذي لا يتجاوز طوله الكيلومترا واحدا او حتى اقل بالتوسع بشكل مطاعم وفنادق ومحلات لبيع الأدوات الكهربائية و بسطات لبيع الملابس وغيرها . اعتقد ان شارع الكويت اطلقت عليه هذه التسمية بعد انتقال باعة السلع المهربة ــ والكويتية منها ــ الى بدايات شارع الكويت. ولعل مسؤلو الادارة المحلية اطلقوا عليه تسمية شارع الكويت بتأثير تحسن العلاقات بين العراق والكويت ايام حكم عبد السلام عارف والله اعلم ! "
البان البجاري
حدثنا الحاج أبو حسين صاحب دكان في محلة البجاري القديمة مستجمعا ذاكرته التي أوهنتها أعوامه السبعون قائلا :" شقّ هذا الشارع في الستينيات من القرن الماضي بعد ان كان مجموعة من بيوت يسكنها أهالي المنطقة تسمى محلة ( البجاري) تقع وسط العشار مركز المدينة . وقد تملكت الدولة قسما منها لغرض إنشاء هذا الشارع بعد أن منحت مالكيها تعويضا مناسبا لهم. وسميت بمنطقة البجاري كما يقول أبو حسين نسبة إلى عائلة البجاري التي تعد من أبرزالعائلات الميسورة في تلك المحلة " . وعلى ذمة الراوي الحاج ابو حسين فأن كلمة ( البجاري) كما يفسرونها تعني مربي الأبقار أو مالكها وعلى هذا النحو أقترن أسم ألمحلة بصاحب اكبر معمل لإنتاج الألبان في محافظة البصرة . يقع أحدها في المحلة نفسها أما الأخر فكان موقعه على طريق منطقة (ألجبيلة) والذي يحمل الاسم ذاته .
كنز في البستوكة
ومن الطرائف التي يرويها لنا ابو هاشم ــ صاحب بسطة لبيع السجائر هو العثور على (بستوكة ) وهي عبارة عن جرة مصنوعة من الفخار كان أجدادنا الأوائل يستخدمونها لحفظ المياه أو في استعمالات أخرى كانت مطمورة في الأرض ومملوءة بالليرات التركية التي كان يتداولها العامة أبان الحكم العثماني في العراق وذلك أثناء أعمال الحفر للشارع وقد خزنها أحد أغنياء ذلك الزمان ممن يكنزون الذهب والفضة حتى أشيعَ خبر بين العامةِ بأن كنزاً تم العثورعليه في ذلك الشارع إثرَ تلك الحفريات . وأضاف أبوهاشم :
" وبعد أن أنجزَت أعمال تنفيذ الشارع بنيت على جانبيه محال وفنادق ومطاعم ومقاه . ومن أشهر المطاعم الموجودة مطعم أبو بولص ووكالة بيع سكائر تركيا وجميعها كانت تشهد حركة تجارية متميزة وإقبالا كبيرا . وختم أبو هاشم حديثه عن أصل تسمية الشارع بإيراده لمعلومة ضعيفة المصدر تقول إن شخصاً غنيا هو الذي أسهم في إنشاء الشارع وربما كان كويتيا .
مواد كهربائية ومنزلية
وتمثل منتصف السبعينيات العصر الذهبي الذي عاشه الشارع حينما كانت الدولة متوجهة الى عملية استيراد كبرى لمختلف البضائع وفي مقدمتها المواد الكهربائية والمنزلية التي تتمتع بالجودة العالية تبيعها أو بالأحرى توزعها على شكل حصص لوكلائها من التجار المتخصصين يحصل فيها التاجر الوكيل على حصتين كل شهر كأورزدي باك الذي يعج بأنواع البضائع المختلفة ذات المنشأ الجيد والرصين حيث كان مزدحما بالمتبضعين وذلك شأن المحال المنتشرة على طول شارع الكويت وقتذاك . وكانت المواد كلها تحمل ماركات عالمية وعالية الجودة ما أنعش الشارع من الناحية الاقتصادية والتجارية .
وأتم المواطن أبو محمد حديثه انه " بعد سني الازدهار الذي شهده شارع الكويت بدأ بعدها وبكل أسف العد التنازلي لمستوى الشارع التجاري على خلفية اندلاع حرب الثمان سنوات تبعتها بعد ذلك فترة الحصار والتي تعد الأسوأ في تأريخ البلاد الشارع شكل خاص بعد ان أصيبت التجارة بالشلل التام , ليتحول شكل البيع من المواد الجديدة والمستوردة إلى المواد المستعملة التي نحصل عليها من قبل المواطن الذي أخذ يبيع أغراضه المنزلية لسد متطلباته المعيشية الضرورية جراء تدني وضعه المعيشي المزري والحصار الظالم المفروض على الشعب العراقي من قبل الدول المتحالفة ضده . وعن الجانب الأمني و في ظل وجود الكتل الأسمنتية التي تغلق مدخلي الشارع ومدى تأثيرها على مستواه التجاري قال المواطن عدنان المتعب صاحب أحدى المحال التجارية ان :" هذا الأجراء له تأثيران سلبي وايجابي في الوقت نفسه ، فمن جانب هو يعرقل عملية البيع ورواج السلع المعروضة وفي الجانب الآخر يمثل إجراء احترازيا من شانه أن يوفر الأمان والسلامة لأصحاب المحال وكل المجودين بالشارع ما يشعرنا بالطمأنينة. اليوم وقد رفعت تلك الكتل وحلت بدلها سيطرة أمنية نتوقع ان تنشط حركة البيع في هذا الشارع ونتمنى أن يأتي اليوم الذي يعم فيه الأمان ولا نحتاج فيه لمثل هذا الأجراء. " المواطن أبو فراس صاحب محل للأحذية المستوردة شاركنا الرأي قائلا :" في البداية كان محلنا متخصصا في صنع الحلويات حينما كان الشارع في أوج ازدهاره حيث حركة البيع ومستوى الإقبال المتميز ولكن تغيرا كبيرا حدث للشارع في زمن الحصار حيث استبدل فيها معظم أصحاب المحال مهنهم وتخصصهم إلى عمال أخرى كما حصل لنا حينما منعنا من تصنيع الحلويات واعتبرت حينها من الكماليات غير الضرورية ولا يحق للمواطن العراقي شراؤها بل ويعاقب كل من يقوم بتصنيعها، لذا بدلنا على إثرها طبيعة عملنا من صناعة الحلويات إلى بيع الأحذية وما زلنا نزاولها ! .وأضاف أبو فراس ان " عامي 1974 و1975 هما الأفضل بالنسبة لوضع الشارع من جميع النواحي وتمنى أن ينال الشارع اهتمام الجهات المعنية من أجل تطويره كبناء محلات متعددة الطوابق توجد فيها مولات للتسوق كما هو موجود في بقية الدول المتطورة مؤكدا على جانب النظافة المتسم بالضعف والإهمال والذي يشكو منه شارع الكويت العريق متمنيا أن يلقى الرعاية والاهتمام من قبل المسؤولين في الحكومة المحلية في البصرة لما يتمتع به هذا الشارع من أهمية تجارية وتاريخية .
يافطة تحمل اسم محلات أبوسجاد المتخصصة في تجارة أجهزة التبريد تحدث عن الشارع مبيننا أن " من ساهم ببناء هذا الشارع هو محافظ البصرة السابق محمد الحياني الذي توفي اثر الحادثة المشهورة بسقوط الطائرة بمعية المشير عبد السلام عارف رئيس الجمهورية العراقية فترة الستينيات .وترجع تسمية الشارع إلى وجود بسطات تفترش الارض لباعة كانوا يتجمعون في ساحة تقع في نهايته وكان هؤلاء يبيعون الأغراض التي تجلب عن طريق الكويت مثل العطور الفرنسية والأمريكية بأنواعها والملابس الأجنبية وحلويات النستلة والماكنتوش وغيرها. وقد أصبح محط تداول تلك السلع في ساحة تتجمع فيها الباعة والمتسوقون وهكذا أطلق عليه تسمية ( شارع الكويت ) ، وعاد ابو محمد ليضيف : " ان الحكومة المحلية كانت تولي الشارع اهتماما كبيرا من خلال تنظيفه بصورة مستمرة وغسله وتلك هي فترة الانتعاش الاقتصادي التي شهدها الشارع عكس ما يحصل له اليوم مبيناً ان :"جميع البضائع المستوردة والمتعامل بها في ذلك الحين كانت ذات جودة عالية تحمل ماركات عالمية وغير مزورة حينما كان الناس على سجيتهم وطيبتهم لا يعرفون الخداع والغش والتحايل ! " وعن وضع الشارع التجاري بعد التغيير وانفتاح العراق على دول العالم
قال أبو محمد: " لاشك ان عملية الاستيراد أخذت حجما كبيرا وطابعا شموليا جعلت كل من لديه القدرة على جلب إي نوع من البضاعة ان يقوم بذلك وبسهولة لذا وفي ظل انعدام المتابعة لشكل وأنوع المستورد وغياب جانب التقييس والسيطرة النوعية ؛عمت الفوضى حيث دخلت المواد الرديئة التي تضر بالمواطن المستهلك بصورة خاصة."
ونبه ابو محمد إلى اهمال أصحاب المحلات المتراصة على جانبي الشارع لنظافة الشارع حيث ترمى نفايات الصناديق واطعمة المطاعم على ارصفة الشارع مخلفين مشاهد تبعث على القرف ولاتمت للتمدن والرقي بصلة ! متمنيا ان تتدخل البلدية وبشكل جاد من اجل تنظيم أرصفة الشارع ليعكس الصورة الحقيقية للمدينة . بهذا الكلام ختم أبو محمد حديثه . وهكذا يبقى شارع الكويت علامة فارقة على جبين الزمن ومعلما تجاريا واقتصاديا لا يقبل التقليد .
هرم الثلج
ويتحدث بائع اللبن (أبو زهراء) :" افتتحت بسطيتي عام 2005، وأبيع اللبن منذ ذلك الحين؛ عملي يزدهر خلال فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة. لا أخفي خلطتي المميزة، بل أعلمها لكل من يريد ذلك.يزورني زبائن أتراك وكويتيون وإيرانيون وأسأل عن خلطة اللبن التي أستخدمها، فلا أبخل عليهم بسر المهنة. أشتري اللبن (الناشف) وأخلطه مع الماء بمقادير مناسبة، وأصنع هرماً ثلجياً للمحافظة على برودة اللبن، ولا أضع أي قطع ثلج في القدح.الحفاظ على النظافة عامل أساسي لجذب الزبائن، ويزداد إقبالهم في ايام الشرجي التي تبدأ في آب. أبيع القدح بـ500 دينار، والبُطل”قنينة” السفري بألف دينار، وأسعاري لم تتغير منذ 18 عاماً.
من مشاهد شارع الكويت الطريفة
لا يزال هذا الشارع ضاجا ومزدحما ويمكن لهذه الدقائق الخمس أن تصير ساعة لو كنت في سيارة. فالشارع تغلقه الشاحنات التي تحمل الأجهزة الكهربائية المختلفة والصوتيات والمرئيات والكمبيوترات والثلاجات، والشارع حافظ على نشاطه، لكنه فقد تفرده السابق بأنه شارع السلع الجيدة (الكويتية). وزادت فيه الأنقاض وكثرت القمامة التي قرر اصحابها عدم رفعها ليوم الدين وإن كانت المحال هي السبب فيها! هرمت فنادقه واختفت مقاهيه وقلت مطاعمه وخبا نوره وغابت تلك القناديل الملونة والنيونات الراقصة وزعيق المسجلات اليابانية الأصلية بأنواع الطرب.تراجع شارع الكويت، كما تراجع الجميع.غير أن أطرف ما في الأمر، انه لا في السابق ولا في الحالي، يوجد شيء رسمي يثبت أن هذا الذي نتحدث عنه اسمه: شارع الكويت!
886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع