نزار العوصجي*
ثورة أم مقاومة ؟
إن التمييز بين الثورة والمقاومة أمر يكاد يغيب عن ذهن الثائرين ، فالثورة إرادة شعبية في التغير السياسي والإجتماعي أو هما معاً . في حين أن المقاومة لاتعني أكثر من الرغبة في عودة الحكام إلى إحترام القانون وإلتزام حدود إختصاصاتهم كما هو في الدستور ، ومعنى هذا أن المقاومة تختفي بإختفاء الأسباب الموجبة ، أي أن الدافع لها ذو طبيعة مؤقتة ، كما أنها حركة أنية لاترتبط بأهداف عميقة ، أما الثورة فهي متجددة بإستمرار ، كونها عمل مدروس يستند إلى إرادة لاتنشأ فجأه أو تختفي فجأه ، كما أن الثورة تتسم بالسلوك العنيف فهي تأكل أبناءها وكما يقول المثل : ( الثورة تأكل أبناءها ) .
هنا يأتي السؤال : هل ما يجري في الشارع العربي هو ثورة ، أي تغير قواعد سياسية وإجتماعية راسخة ، أم انه مجرد مقاومة ؟
مثل هذا السؤال يدفعنا للحديث عن أن التحول من المقاومة إلى ثورة يجهض المقاومة ، من حيث أن المقاومة لاتمتلك أهدافاً معينة وإستراتيجية محددة ، وهذه السمة شديدة الحساسية والإهتمام بأن إسقاط هذا العنصر لايدعو للقول أن المقاومة ثورة ، أما العنصر الآخر فالثورة تسبق البدء في تنفيذها مستندة إلى عقيدة وهدف تصل إليه .
ثمة أمور أخرى منها أن المقاومة عادة ما تتمثل بالعصيان أو الإضرابات أو الإمتناع عن آداء العمل بشكل يشل حركة المجتمع ، وفي هذه النقطة بالذات لايستوي الحديث عن المقاومة والثورة ، كما لايستوي الحديث عن المقاومة بالسلاح مع الثورة ، ولايستقيم الحديث عن مقاومة تتحول إلى ثورة ، لأن المقاومة هي عنصر مفاجئ كردة فعل لعمل ما قد يكون سلبياً وهمياً ، وبالتالي تنتهي بإنتهاء وزوال الأسباب .
أما الثورة ولكونها مستمرة مادامت الحياة قائمة ، فإنها ستبقى في صراع مع طبيعة الحياة نفسها ، وذلك بالتغير المستمر ، مما يعني أن الثورة المسلحة قد تنتهي ، ولكن الكفاح لأجل إستمرار التقدم والتطور يبقى مستمراً .
الشرعية الدولية وطبيعة العمل السياسي حصرا استخدام السلاح بيد السلطة السياسية أو الحكومة ، فذلك يعني أن استخدام السلاح من قبل المواطنين هو أمر محرم شرعاً وقانوناً ، وما جرى ويجري هو عكس القانون والشرعية الدولية .
فالثورة ذات طبيعة مغايرة لأن الإستناد فيها إلى التغير الذي لا تستطيعه المقاومة .
فالوطن العربي بنظامه وأسسه يستند إلى هوية قومية لايمكن تغيير قواعدها ، مما يعطي الحكام مسؤولية الدفاع عن هذا السند الحامي لأي قطر عربي ، وهذا السند يحرم إستدعاء أو الإستقواء بالغرب لتغيير نظام ، وعليه فإن تغير النظام وفق هذا المفهوم لايمكن فهمه على أنه عمل ثوري .
ثمة أمر آخر فتحرير أي قطر من أي حاكم لا يمكن وصفة بالتحرير ، لأن مفهوم التحرير ينصرف أساساً إلى أن هناك إحتلالاً أو غزواً غربياً لهذا البلد أو ذاك ، كما هو حاصل في العراق وأفغانستان ، وكما حصل في الصومال أو في فيتنام وغيرها الكثير ، عندها يصبح التحرير واجباً وطنياً لتخليص البلد من الإحتلال ، أما أن يحكم البلد حاكم من أهله حتى لو إستبد فلا يقال عن التخلص منه تحرير ، فمفهوم التحرير أعمق من أن يفهمه ثوار لايدركون مضامين الثورات وأسسها وقواعد لعبتها وحدودها وأهدافها وآليات العمل فيها .
من المؤسف أن الإعلام العربي يطلق زوراً على المقاومة في اي بلد عربي أنها ثورة ، فهو مجافِ ومتناقض كلياً مع مفهوم الثورات التي قد تنتهي إلى شتاء قاس ..
*كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية .
746 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع