بقلم : علاء المعموري
نظرة في التحرك الأميركي الجاري الآن في غرب العراق
على نحو مفاجئ عززت واشنطن قواتها بمزيد من القوة القتالية في العراق فهل هذا التحرك مناورة أميركية تقتضيها سياستها المألوفة منذ سنوات في المشرق العربي، أم أنها ضرورة تجاه مخطط إيراني تدعمه روسيا بإخراج القوات الأميركية من المنطقة؟
بالنسبة إلى إيران لم تكفّ عن زعيقها المعتاد ضد الولايات المتحدة، إذ عقب هذا التحرك الميداني بحرًا وبرًا وجوًا، رفع الحرس الثوري الإيراني صوته محذرًا الجانب الأميركي من أي توقيف أو احتجاز لسفن إيرانية، وسيقابل بالمثل، كما أن أي أفعال شيطانية أميركية ستقابل برد إيراني حاسم! وأكد على أن لدى الحرس الثوري الإيراني القدرة العسكرية، والقرار للرد على أي تحركات أميركية تصعيدية. وتخفيفًا لحدّة هذه اللهجة، أشار الجانب الإيراني إلى أن “دول المنطقة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار في مياه الخليج ومضيق هرمز”.
وعلى ما يبدو، إنّ هذا التحرك الأميركي لا يرمي إلى تجييش المنطقة فقط، وجعلها ضمن الدوامة المستمرة من القلق وعدم الاستقرار، بل لمواجهة الخطوط الحمراء التي تجاوزتها إيران وبتأييد خفي من روسيا، مع أن التمدد الإيراني في دول عربية عدة جاء بموافقة أميركية أصلًا، إلا أن الخطورة التي بدأت تخشاها الإدارة الأميركية هو التعاون العسكري المطرد بين الجانبين الروسي والإيراني، سواء في حرب روسيا على أوكرانيا، أو في توافق روسيا مع إيران تجاه خروج القوات الأميركية من سوريا والعراق، خاصة بعد التحركات الروسية الإيرانية داخل سوريا، التي توحي عملياتها على تنفيذ مرحلة مرهقة تستنزف فيها القوات الأميركية، لا سيما أن تقرير صحيفة “واشنطن بوست” كشف عن وثائق استخبارية أميركية عن وجود خطط إيرانية لتشكيل وحدات قتالية تحت اسم مايسمى “المقاومة الشعبية”. ولقد استهدفت إيران قواعد أميركية في دير الزور والحسكة في ريف الرقة الغربي، واحتمالية وقوفها وراء سقوط مروحية أميركية على متنها 22 عسكريًا أميركيًا. وكل ذلك يحدث ضمن صراع النفوذ في المناطق المتداخلة بين اللاعبين، التي تجاوزت فيها إيران قواعد الاشتباك التقليدي، ما دفع بوزارة الدفاع الأميركية بتزويد قواعدها في تلك المناطق بقاذفات صواريخ “هيمارس” الدفاعية الشديدة الدقة، التي يصل مداها إلى ٧٠ كيلومترًا، ثم نشرت طائرات “إف 22 رابورت” في قاعدة “موفق السلطي” في شمال الأردن، إضافة إلى تجهيز فرقة عمل جديدة للطائرات المسيّرة. وهذا الوضع برمته ربما يثير التوتر وينذر بخطر داهم في آن.
وبنظرة عامة، فإن السياسة الأميركية المرسومة تجاه الشرق الأوسط لم تتغير خطوطها العامة، والتحشيد العسكري الذي تقوم به بين الفينة والأخرى، إنّما لتبقي التوترات هي السائدة في المنطقة العربية، مع تسريبا إعلامية على تحجيم الأذرع المسلحة الموالية لإيران، التي تتصرف كدولة. كما أن إيران لا تلعب من تلقاء نفسها على الحبلين الأميركي والروسي، بل تؤدي دورها في خدمة المصالح الغربية والإسرائيلية منذ أن قرر الغرب إسقاط محمد بهلوي والاتيان بالخميني عام 1979.
على أي حال، فإنّ مجمل التحرك الأميركي الجاري الآن، أقل استعراضًا عمّا قدمته عام 2019، إلا أن هذا لا يمنع من القول بأن قرار البيت الأبيض ربما أراد ضبط إيقاع اللاعبين في المنطقة، أو حتى تقليم أظافر الفرعنة الإيرانية واذرعها، التي بدأت تخدش الجانبين الأميركي والإسرائيلي، وربما أيضًا مجرد شد أعصاب للعراق بغية ابتزازه، أو جعله أكثر طوعًا لتقبل التطبيع مع إسرائيل، ، خاصة أن النظام في العراق مبعثر وفي أضعف حالاته.
21 أغسطس 2023م
891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع