بدري نوئيل يوسف ـ السويد
من دفتر الذكريا- رحلة صيد جراد البحر ...!
كلما فاض بي الحنين أتسلل الى غرفة مكتبي وأتصفح دفتر الذكريات القابع فوق رف صغير مع بعض الكتب التي كانت ممنوع نشرها في العراق، وأتذكر مع دفتري الشوق لتلك الايام ولتلك الابتسامة البريئة والفرحة ومنها أيام حزينة كئيبة. قبل عام قد اكون واحداً من الذين حالفهم الحظ للاستمتاع بليالي شهر آب الدافئة والصافية عندما يشارف الصيف السويديّ على نهايته التي تشبه في طبيعتها ليالي سواحل البحر المتوسط.
كنت على موعد مع جارتي السامرنا وأبنائها الثلاثة مرافقتهم لرحلة صيد، فهذا الوقت المناسب الذي يختاره السويديّون ويحتفلون بشكل تقليدي باحتفال صيد جراد البحر، ترجع بداية الاحتفال للقرن العشرين عندما سمحت مملكة السويد بصيد جراد البحر وحدد موسمه لشهرين اثنين تبدأ من آب لأجل حماية ثروة جراد البحر وفرضت الدولة القيود بسبب الخوف من خطر الصّيد الجائر والإفراط في صيده.
ركبنا سيارة ابن جارتي البكر وانطلق يقودها من ستوكهولم نحو مقاطعة سمولاند القابعة جنوبي السويد على الساحل الشرقي نحو مدينة كالمار حيث تعتبر مقاطعة سمولاند منطقة غنية بالبحيرات والمستنقعات ويتألف الساحل البحري من عدد من الارخبيلات والجزر.
ابن جارتي البكر في العقد الثالث متذوق للأدب كتبت انامله الشعر وروائع القصائد الجميلة وأعذب الكلمات التي كتبها لوطن احبه ويرفع اسمه، وأثناء حديثنا ونحن في الطريق قال لي مستفسرا:
بحثتُ عن كتب لشعراء عراقيون مترجمة للسويدية فلن أجد في المكتبات اعلم ان شعراء عراقيين يعتبرون من الدرجة الأولى.
قلت له لنا:
نعم عندنا شعراء قصائدهم من رقيق المعاني دواوينهم شلالاً نقيا من تلاعب الكلمات ونهراً عذباً من ابداع الفكر ولكن لا اعرف لماذا لم تترجم قصائدهم الى لغات.
سرحت في افكاري وترقرقت الدمعة في مقلتي وأقول مع نفسي آه على وطن تبدلت احواله فلا حال فراقنا عنه مرتاحون ولا نحن به هانئون ...وآهٍ من جور الزمن ...آهٍ على أيامنا. أين أنت يا وزارة الثقافة والأعلام العراقية من قصائد الرصافي والجواهري وناسك الملائكة والزهاوي والسياب ولميعة وآخرين؟
دار بيننا حديث طويل شاركت فيه جارتي وأبنائها والمسافة طويلة حتى نصل البيت الصيفي الذي يملكه الابن الثاني لجارتي، فهو طبيب يعمل في دراسة وبحوث الانسجة ويفتخر ان هناك طبيبة عراقية تعمل معه في بحوث الانسجة وسيتزوجان قريبا واستطاعت إقناعه ترك للتدخين.
وصلنا الى غايتنا ومن يتسنى له ممارسة الصيد الخاص لجراد البحر، يتوجب القيام بصيده بعد حلول الظلام، ويصطاد في فخاخ سلكية، ويكون الطعم سمك متعفّن أو نيئ في أغلب الأحيان.
وقفت مع جارتي وابنها الصغير وهو طالب في الاعدادية على الشاطئ نراقب اخويه وهما يضعان الفخاخ في الماء وكان معهم ستة فخاخ. وعليهم الانتظار حتى تقع الفريسة في الفخ.
حدثتني جارتي أن جراد البحر كان مقتصراً فقط على مواطني الطبقات الراقية الأرستقراطية في القرن السادس عشر، إلا أنه أصبح طعاماً وطنياً يستمتع الجميع بأكله بسبب استيراده الدولة كميات هائلة.
بعد ما يقارب ساعة وعشرين دقيقة سحب أبناء جارتي الفخاخ التي اصطادت تسعة عشر جراد بحر، حملوا الصيد الوفير وتوجهنا نحو المنزل الصيفي.
في الطريق حدثني الابن البكر أنه تِبعاً للتقاليد، سنأكل جراد البحر في الهواء الطلق ونجلس حول طاولة تزيّن أطرافها بالفوانيس الورقيّة الزاهيّة الألوان، ويكون غطاء الطاولة والأطباق غنيّة بالألوان ومصنوعة من الورق وسنضع المرايل حول أعناقنا والقبّعات الورقيّة الكوميديّة على رؤوسنا.
واسترسل بالكلام يجب إعداده على الطريقة السويدية من خلال غليه في الماء المملح ثم تزيينه بالكثير من الشبت في خضمّ هذه الأجواء سنقوم بتناول جراد البحر وبكل تأكيد نشرب البيرة والمشروبات الكحولية.
قاطعته جارتي قائلة تبدأ الوليمة بأكل جراد البحر بارداً باليدين ويعتبر المصّ بشكل صاخب لانتزاع العصائر سلوكاً مقبولاً جداً، ويؤكل الخبز والجبن قوي النكهة معه، يمكنك استبدال المشروبات الكحولية بالعصائر الطازجة المرطبة مع الاستماع للأغنيات الشعبية السويدية.
سرحتُ مرة ثانية في افكاري وأنا احلم بعراق مشرق نعطيه نبضات قلوبنا ويحضننا كالأم ابكي على هذا الحاضر المؤلم ومهما طالت الايام الكئيبة لنا موعد مع صباح مشرق ليعود وطني، اين انت يا أبو نواس والسمك المزكوف؟ نحن لا نملك سوى الدعاء.
وصلنا المنزل الصيفي مع جراد البحر لنبدأ الاحتفال.
2112 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع