محمد صالح البدراني
المقامة العربنچية (الظرف والزمان لغزل الفرس والحصان)
حدثنا عارف المعروف قارع الطبل والدفوف عندما قرر التوبة والاعتزال فقال:
قيل الشعب سيد والساسة يقودون عربة مصالحه، ولابد من القادة فهم من يعلم المصالح والصالح والطالح لهذا الشعب اليتيم، أليس هو قاصر وماله مبعثر مسافر، أو منثور على راس راقصة أو منسي خلف الستائر، فالشعب إذن قاصر، طيب يا سادة لم لا تتفقون وتبنون، فيرتاح الشعب السيد الذي به تمجدون ولأجله تعيشون، وعلى وصفه تختلفون، إن تغافل قيل له المجد وان غضب قيل قاصر وغد.
فتذكرت قصة العربنچي (الحوذي) وسيده في كليلة ودمنة أو ألف ليلة وليلة وربما من نسج خيالي شبهت السياسي والشعب بالحوذي المسكين مع سيد لئيم لا يقدر جهده أو يتركه لأمره، كثر الانتقاد والتهديد بالفصل، وعيده تسمعه ليل نهار يقلق البنيان الحديث والآثار، فقد تاه الماضي وقل الزرع وجفت الأنهار
القصة حدثني بها يونس المقهور على جبل التوبة يقلب ناظريه يبحث عن منارة كانت تحييه كل الوقت فقال: يقولون من الجحود أن يقال العربة ولا يقال السايس ولا تذكر الفرس والحصان، واستطرد بعد أن تنفس بحسرة...... "يعدونه لئما" لكن الحقيقة هي في قهوة الصنف حيث ترى أن لا خلاف بين أصحاب المهنة وان تعاضدهم يتجاوز الجياد التي تجر عرباتهم وتسيرها، ولا تدري من سيد الآخر أهو الجواد أم هو السايس- الحوذي نسيت أن أقول انهما واحد فلا يسمح أن يكون سايس وحوذي فلابد أن يكون هو المقامين فهذه قيادة وزعامة لا تقسم على اثنين.
نظر نظرة تأمــــل وهو يرى نهر دجلة تكثر جزراته، تمتم انه آمن فليس هنالك في الأنهر حيتان، وتبسم قائلا لعلها لبست جلد إنسان أو حوذي مسكين مثل صاحبنا (العربنچي) الذي جلس في قهوة الصنف والحقيقة لست متأكدا أكان لقاءً وديا على الزووم أم في كافيتريا الشعب بيد انه كان واضح الحزن لا يخفيه فقال له صاحبه الذي يلعب بالبيض والحجر ما بك؟
قال إن سيدي لا يرضى عني وأخشى أن يطردني وهو يعذبني بانتقاده وكلماته الجارحة وليس مثل سيدك فكما أرى أنك سعيد
ــــ قال يا صديقي لا تغرك المظاهر فهذه الابتسامة تخفي جرح غائر سيدي اضرب تعاسة من سيدك فهذا يتهمني جهارا نهارا لكنه لا يطردني فقد عرفت كيف أسوسه؛ لكنها فرصة لننتقم للحوذية (العربنچية) أمثالنا من هؤلاء الجاحدين
قال كيف أيها الصديق العزيز والعدو اللدود
قال امسك بالعدو اللدود فهذه الصديق العزيز لا تنفع.
تعال يوم كذا فهو يوم خروج السادة إلى الزقاق الفلاني من جهة الشرق الساعة كذا وَسآتي أنا من جهة الغرب نفس الوقت
قال الحوذي المتظلم لكن سنعصى هناك
هو المطلوب أيها الأحمق افعل كما افعل فقط حتى لا تفسد الخطة واحرص أن تنادي بأنك تفعل ما تفعل محبة لسيدك.
والتقى الاثنان في الوقت المعلوم في اليوم الموعود ووقف الحصان بأنف الفرس يتغازلان وفي المقصورة المكشوفة السيدان فدار الحديث بين الحوذيان كما اتفقا
* ارجع أيها الحوذي الفاشل ليمر سيدي
* ارجع أيها الحوذي الفاشل ليمر سيدي
*سيدي اعظم من سيدك فلابد أن ترجع أنت
* سيدي هو الأعظم وأنت من ترجع
*أن لم ترجع سأضرب سيدك بالسوط
*أن ضربت سيدي بالسوط سأضرب سيدك سوطين (كانت بدعة أعجبت صاحبه إذ أضاف الضعف)
وبدأت عملية الضرب والضرب المضاف كل ينتقم لسيده الجالس بضرب سيد الآخر إلى أن أوشك السيدان على الموت
قال الحوذي تعب سيدي لذا أتراجع من الزقاق إكراما له ولأنه أعظم من سيدك فلا يمر بطريق مر به سيدك
فقال صاحبه أنا أيضا لن يمر سيدي من طريق مر به سيدك وسأتراجع
رجع كل بسيده خارج الزقاق فوعد السيد أن يكافئ الحوذي لأنه أشبع سيد الآخر ضربا انتقاما له وقال لولا خففت عنه خشية أن يموت فندفع ديته، مع أن السيدان لا مشكلة بينهما وإنما هي مشكلة كل حوذي مع سيده المزعوم
والتقى الحوذيان في قهوة الصنف كل يحلف أن يدفع الحساب من المكافأة التي تلقاها وتحقق الانتقام من السيد الذي اقتنع بإخلاص الحوذي فرفع من رتبته وسماه قائد المسار ولسان حاله يقول:
أكرمت بالرتب لمن ضرب، لم ضرب؟ لا أدرى فقد أعياني التعب!
984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع