هدى رؤوف
إيران تمنع الغاز عن العراق... صورة أخرى للهيمنة
يتناول مفهوم الهيمنة في النظم الإقليمية أن تقوم الدولة الساعية للنفوذ باستخدام استراتيجية متعددة الأبعاد تعتمد على توظيف أدوات القوة الناعمة والصلبة، وإقناع النظم الأخرى والنخب التابعة لها بأن هناك قيماً مشتركة بينهم، ومن ثم فإن سياسة تلك الدولة تجاه تلك النخب تقوم على المصلحة العامة للجميع.
في واقع الأمر، ووفقاً لما أكد عليه كثيراً المفكر السياسي غرامشى، فإن محاولة إقناع النخب في النظم والدول المستهدفة هو أهم أدوات الدول الساعية للهيمنة من أجل تحقيق منفعتها الخاصة، لكن بأقل كلفة، وبعد تأسيس علاقات الهيمنة تبدأ الدولة ذات الطموح في استخدام أدوات الإكراه والضغط بشكل أكبر.
ما سبق يمكن توضيحه من خلال موقف إيران من العراق، فعلى رغم كون استراتيجية طهران تجاه بغداد اعتمدت بشكل قوي على توظيف الأيديولوجية وخلق جماعات متأثرة بالنظام الإيراني وتقديم دعم لجماعات أخرى قائمة من قبل، إلا أن نتائج اتباع سياسات الهيمنة التي حاولت إيران ممارستها على العراق تتجلى في كثير من المواقف، التي آخرها الضغط على الحكومة العراقية للتأثير في الولايات المتحدة وتحويل أموال لإيران.
إيران منعت إمداد الغاز للعراق منذ أول شهر يوليو (تموز) عبر تخفيض الإمدادات نحو 50 في المئة، والمعروف أن العراق يستورد الكهرباء والغاز من إيران، والتي يبلغ مجموعها ما بين 30 و40 في المئة من إمدادات الطاقة الخاصة به لتشغيل محطات الكهرباء، حيث يعاني العراق من أزمة كهرباء مستمرة، وقد أثر توقف إيران عن تصدير الغاز إلى العراق في إيقاف محطات توزيع الغاز في المنصورية وبغداد والصدر وبعض المناطق الأخرى.
الدافع وراء منع الغاز الإيراني هو تأخر العراق عن سداد المستحقات المالية لطهران نتيجة نظام العقوبات الأميركية، ونظراً لتخوف الحكومة العراقية من اندلاع الاحتجاجات في البلاد على خلفية انقطاع الكهرباء، لا سيما خلال فصل الصيف مرتفع الحرارة، ومن ثم العودة لمناخ حراك تشرين، قامت الحكومة العراقية بعقد صفقة مع إيران تقوم على مقايضة النفط العراقي الخام بالغاز الإيراني، تجنباً للدفع بالتحويلات المالية ومن ثم تجنب نظام العقوبات الأميركية.
صرح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأن إيران خفضت صادراتها من الغاز إلى بغداد مما أدى إلى قطع إمدادات الوقود لتشغيل محطات توليد الطاقة والكهرباء. ومن ثم وافق مجلس الوزراء العراقي على أن تبيع وزارة النفط كميات من النفط الخام تعادل قيمة إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية.
ولمحاولة تخفيف الضغط الإيراني على العراق بخاصة أن الإطار التنسيقي، الذي يضم الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، اتهم الولايات المتحدة بأنها السبب وراء قطع الكهرباء في العراق لعدم سماحها للعراق بدفع أموال الغاز لإيران.
لذا جاء قرار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى منح العراق إعفاء لمدة 120 يوماً يقوم بموجبه بدفع مستحقات إيران المالية للغاز في حسابات ببنوك غير عراقية مقيدة، أي أنها لن تصرف إلا بإذن أميركي حيث تسمح واشنطن بالتحويلات المالية لإيران لشراء سلع لأغراض إنسانية كالطعام والدواء.
وفى واقع الأمر، فإن القرار الأميركي وإن كان المسؤولون الأميركيون برروه بأنه لتخفيف ضغط إيران على الحكومة العراقية وتحويل الضغط على دول أخرى بها الحسابات المالية، إلا أنه في الواقع يحمل دلالات أخرى، لا سيما مع تردد أن البنوك التي سيحول إليها العراق الأموال هي بنوك عمانية، ومن ثم فقد يعني القرار الأميركي منح إيران فرصة للحصول على بعض الأموال، مما يسهل بعضاً من أزمتها الاقتصادية، وهي صيغة قد تكون بديلة لرفع بعض العقوبات أو السماح بالإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة في بنوك أخرى مثل بنوك كوريا الجنوبية.
التبرير الأميركي بأن القرار يخفف الضغط الإيراني على العراق، ويسمح بتدفق الغاز ويزيل الحاجة إلى صفقة المقايضة غير دقيق، لأن الضغط سينتقل إلى حكومات أخرى صديقة لإيران ومن ثم ستحصل طهران على الأموال عبر طريق غير مباشر.
إجمالاً يمكن القول إنه بقدر ما أن الضغط الإيراني على العراق للحصول على أموال الغاز المصدر، إلى جانب منع إمدادات الغاز التي تؤدى إلى قطع الكهرباء عن المواطنين العراقيين، يشير إلى التوظيف الاقتصادي للعراق من جانب طهران، لكن هناك توظيف آخر من جانب واشنطن للأزمة العراقية، لتمرير أموال لإيران، وفي الأخير فإن كلاً من إيران وواشنطن لم يقدما حلاً لأزمة إمدادات الكهرباء والغاز للعراق الذي يعد ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك".
999 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع