ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
السفرات والمتنزهات في الموصل
ولابد ان نتساءل عن السر في تسمية مدينة الموصل باسم ( أُم الربيعين ) . وتأتي الإجابة سريعا ، ان الله سبحانه وتعالى حبا الموصل بجو ، وطقس جميل في فصلين هما فصل الربيع وفصل الخريف ؛ ففي هذه الفصلين يعتدل جو الموصل ويصبح عذبا ، ونرى براري الموصل وقد اخضوضرت ، وتحولت الى بساط سندسي اخضر لهذا نراهم يسمون الموصل أيضا ب( الخضراء ) ، وهناك من يسميها ( البيضاء) ، لان بيوتها قبل ان يدخل الاسمنت والكونكريت ، كانت تبنى بالحجر والجص الأبيض .
وكما قلت؛ فإن اهل الموصل وهم يعيشون صيفا حارا وشتاء قارصا باردا نراهم في الربيع والخريف يتحررون من أجواء البيت، ويخرجون في نزهات وسفرات يسمونها ( سياغه ) .
الشيء الجميل ان لديهم أماكن خاصة يخرجون اليها، وهم يحملون ما يحتاجونه من طعام وشراب ومكسرات (جرزات) وشاي وقهوة وعصير وحلويات فضلا عن اكلاتهم الطيبة المباركة وفي مقدمتها (الدولمه ) ومن قبل (اليبراغ) والفرق ان اليبراغ من ورق العنب ومن السلق فقط والتمن واللحم في حين يدخل البادنجان والقرع والفلفل والبصل الى الدولمة . يحملون كل هذا في ما نسميه ( الزملي ) .
ادركت اهلي في الخمسينات من القرن الماضي يذهبون في (سياغات ) مع اهل الموصل الى دير مار كوركيس (حي العربي اليوم) ودير مار سعيد(في الغزلاني) ودير مار ميخائيل (في حاوي الجنيسه) وعند مرقد الشيخ قضيب البان وعند (بئر البنات ) القريب من تل النبي يونس عليه السلام وهو تل التوبة المعروف في الجانب الايسر من مدينة الموصل .
والان في وقتنا الحاضر يذهبون الى الغابات كما يذهبون الى الشلالات ، والى سد الموصل . كما صار اهل الموصل يتنزهون في كورنيش اوبروي ، وكورنيش الجوسق ، وفي موقع النافورة وسط الموصل عند باب الطوب ، وفي متنزه المثنى .
وهناك من يذهب الى جسر مندان بالقرب من عقرة ، او الى زاخو حيث الجسر العباسي او الى مصايف كردستان في دهوك واربيل والسليمانية .
وادركت اهلي ، وهم يذهبون الى دير مار بهنام في منطقة الخضر والبساطلية .كما كانوا يشاركون المسيحيين في آحادهم ومنها ( احد الطاهرة ) ، و( احد كوركيس ) ، و(احد ميخائيل) و( جمعة الخضر) في دير مار بهنام ، وحتى كانوا يشاركون اليهود في الموصل احتفالهم ب( عيد اليبرغايي) ، وهو آخر يوم من عيد الفطر عند اليهود و( السياغة ) ، كانت عند مرقد الشيخ فتحي . ولا ننسى مشاركة اهل الموصل لأهلهم الايزيدية في بعشيقة وبحزاني بأعيادهم وخاصة ما يعرف ب(جمعة الطوافي ) .
والذهاب الى قضيب البان بالقرب من باب سنجار كانت مناسبة جميلة فالارض هناك يسمونه ارض الصينية وثمة اغان واهازيج وحفلات تنظمها الحرف والاصناف ومنها صنف الصياغ وصنف الدباغين وصنف الصياغ كلهم يذهبون ويجتمعون في أماكن ويطلق على من يجتمع كل في صنفه وحرفته (حريفانه ) من الحرفة او المهنة وتجري مسابقات وتنظم دبكات والطعام هو القاسم المشترك بين الجميع فضلا عن الجرزات والحلويات ومنها البقلاوة والشكرلمه والحاجي بادة والسودة وما شاكل ذلك .
وللاصطياف في حمام علي او حمام العليل ذات المياه المعدنية والتي لاتبعد جنوبا عن مدينة الموصل سوى 20 كيلومتر قصة وعادة ما يذهبون بالقطار والاهازيج تترافق مع النزهات والسفرات والسياغات ... .ياقضيب البان ثكلني حميتي **دا اطبخ الكشكا ، واغلق باب بيتي ....... وصاح القطار، صاح القطار ، كوي اوصلني حمام علي
وهكذا يتمتع الأهالي بحياتهم ، وينسون التعب والحزن ، ويبتعدون عن الكآبة والمشكلات والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هكذا يقولون قال :" روحو عن القلوب ساعة بعد ساعة ، فإن القلوب إذا كلت عميتْ " .
2187 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع