بسام شكري
لا يُنهي الغلوْ الا الغلوْ
جُملة كنت اسمعها من والدي رحمة الله في السبعينات ولم افهم معناها مثل الكثير من الجُمل التي كان يقولها لي في خلوتنا وانا اقرأ له كتب الادب والشعر وانا مازلت شابا يافعا لعجزه عن القراءة بعد تعرضه لحادثة مؤسف سنة 1958 وحيث كان والدي أستاذا للغة العربية فقد كان يفعمني بجمل وكلمات يتقصد ان تكون الغازا ً في ذلك الزمن لانتهاء عصر الديمقراطية في العراق بانتهاء العهد الملكي وقد أصبح العراق حلبة الصراع بين القوى الكبرى واستمر لغاية اليوم.
الان فقط فهمت معنى لا ينُهي الغلو الا الغلو , فبعد الغزو الأمريكي للعراق وكتابة دستور طائفي عرقي قسّمَ المجتمع العراقي الى اديان وطوائف وقوميات ووزع الوزارات والوظائف حسب تلك التقسيمات وحيث ان الكاوبوي الأمريكي ( رعاة البقر ) لا يفقهون في السياسة فقد استعانوا ببريطانيا الضليعة في صناعة الخبث ( السياسة ) واوغلت بريطانيا كعادتها في تقسيم العراق واثارة النعرات الدينية والقومية والطائفية وقد قاد المسلمين الشيعة العراق باعتبارهم الأكثرية ( حسب التصنيف القومي الديني المذهبي الأمريكي ) وقد تمتعوا بحرية التعبير عن الشعائر الدينية وتأسست القنوات الفضائية للطائفة الشيعية في العراق واخذت تبث افكار المذهب الشيعي الأنثى عشري حصريا ومع مرور السنوات خرجت أجيال جديدة من رجال الدين الأنثى عشرية قد اوغلت في التطرف الديني وقامت الدولة بإصدار قوانين لتحديد أيام العطل الرسمية الدينية للمذهب الأنثى عشري ولبقية الأديان والمذاهب وأصبحت المسيرات والكرنفالات الدينية التي تمر في شوارع المدن الرئيسية وتقطع حركة السير وتعطل الحياة شيئا طبيعيا وسلوكا لا يتمكن احد من انتقاده لان أي انتقاد سوف يواجه بمصطلح المظلومية ومصطلح المظلومية قد استعمله اول مرة الحاكم المدني الأمريكي سيء الصيت بول بريمر ثم شاع استعمال المظلومية كمصطلح وكأداة لقمع كل من يعترض على ما يقوم به رجال الدين الأنثى عشرية .
استمر السلوك الديني الطائفي الأنثى عشري بالتصاعد الى ان اتخذ شكلا عدوانيا بحق كافة العراقيين غلوا ً صريحا ً وذلك بعد ان تلبس بهم العفريت الإيراني وأصبح هواهم وسلوكهم ولو أراد أي منهم اثبات قوته فانه يتكلم العربية بلكنة فارسية لإيهام المستمع بان اصله فارسي بعد ان اصبح الفارسي في الشارع العراقي هو صاحب السلطة والنفوذ واصبح التنغيم في الكلام على الطريقة الفارسية سمة ذوي النفوذ في العراق وقد اصدر الدولة قوانين تشرّع ذلك الغلو وتعطي الأولوية له بل وتمنع الاخرين من ممارسة شعائرهم الدينية وتقمعهم بل وقد وصلت الى حد القتل على الهوية وقتل الانسان لمجرد ان اسمه عمر او على مثلما حصل خلال الحرب الاهلية 2006 والتي استمرت ثلاث سنوات تم قتل وتهجير ستة ملايين عراقي داخل وخارج العراق.
خلال العشرين سنة الماضية لم يقوم النظام الطائفي في العراق باي إصلاحات مثل اصلاح منظومة الكهرباء والمجاري والمياه وإعادة تشغيل التلفونات الأرضية وبناء المدارس والمستشفيات وتشغيل ملايين العاطلين عن العمل وأصبحت الحياة في العراق عبارة عن أحزاب دينية وبرلمان وانتخابات لا يسمح لاي شخص بالاشتراك فيها سوى النخبة التي دخلت مع الامريكان فتلك القلة القليلة هي من يتداول السلطة في العراق دون منازع وقد مارست نهب ثروات العراق وفق قوانين واتفاقيات رسمية وانتشرت الميليشيات في كل مكان وقامت بتوزيع ثروات العراق فيما بينها وتشاهد اليوم الاف من افراد الحماية العسكرية لحماية كل السياسيين والبرلمانيين وفساد علني وتحويل المليارات من أموال العراق يوميا وعن طريق البنك المركزي العراقي والاغرب في ما يحصل هو مزاد بيع العملة الصعبة ( الدولار ) كل خميس من كل أسبوع والذي تقوم ايران بشرائه وتحويله الى ايران رسميا ونهب البترول وتهريبه الى ايران عبر خط الحدود الطويلة من اعلى نقطة في شمال العراق الى اسفل نقطة في جنوب العراق.
اين المواطن العراقي العادي من كل ذلك؟
ان الغلو في الدين أدى الى الحاد ملايين العراقيين وعدم استمرار ايمانهم بالله من كل الأديان والمذاهب وخصوصا الشيعة الأنثى عشرية والسنة وذلك لان استخدام الدين في نهب الثروات وتهجير الناس من بيوتها واراضيها والاستلاء عليها تحت غطاء غلو ديني ميليشياوي قد أدى بان يكفر الناس بالأديان وأصبحت مقولة الشارع العراقي ( اذا كان الدين هو الذي يسلبنا ثرواتنا وحقوقنا ويقتل أبنائنا فنحن لا نريد الدين ولا نعترف بالله ولا نريده ) فبدلا من ان يكون الانتماء للوطن اصبح الانتماء الى المذهب الأنثى عشري فالمسيحي الذي يرغب بان ترضى الدولة عنه وتسمح له في البقاء حيا وداخل العراق يجب ان يشارك في المواكب الحسينية لإثبات ولائه واصبح نشيد طلاب المدارس الصباحية هو نشيد ديني طائفي بدلا من أناشيد الصباح التي تتغنى بالوطن والسني اذا أراد ان يستمر في عمله عليه ان يعلن ولائه الصريح لإيران وهكذا.
ان الغلو في الدين الذي مارسته مجموعة من رجال الدين الأنثى عشرية ذوي الهوى الإيراني بشكل سري منذ اسقاط النظام الملكي في العراق لغاية الغزو الأمريكي قد أدى الى غلو علني عظيم وهوى إيراني علني وليس سري بعد ان تأسس النظام الطائفي في العراق بأوامر من الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر فقد افقد المجتمع العراقي توازنه وادى الى انفلات تطرف ديني لا يمكن السيطرة عليه بحيث اصبح العراق كله في صراع بين رجال الدين والسياسيين وكل المستفيدين من ذلك النظام الطائفي من جهة وبين الشعب العراقي من جهة أخرى وتطور ذلك الصراع وظهر على شكل موجات وتظاهرات وانتفاضات على فترات مختلفة , ان الغلو الأنثى عشري ذو الهوى الإيراني قد أدى الى اضطهاد كافة المذاهب الشيعية الأخرى الموجودة في العراق ومنعها من ممارسة حياتها اليومية الا من خلال ولائها الى الأنثى عشرية ذات الهوى الإيراني والتي أصبحت تؤمن بولاية الولي الفقيه الإيراني وهذا بحد ذاته غلو واضطهاد فمثلا الطائفة الشيعة الشيخية ( الحساوية) في البصرة والتي يزيد عدد اتباعها عن الربع مليون نسمة قد تم الاستيلاء على معظم حسينياتهم لانهم مذهبيا وفقهيا معادين لإيران منذ تأسيس مذهبهم في الاحساء منذ قرون والشيعة التركمان والاكراد على اختلاف مذاهبهم قد تم صبغهم بصبغة الأنثى عشرية ومن يعترض منهم يحرم من حقوقه المدنية وبالنسبة لرجال الدين الأنثى عشرية ذوي الهوى الإيراني فان اي رجل دين لا يؤيد الولي الفقيه الإيراني قد تم عزله او محاربته وقد وصل الحال بالاثني عشرية الإيرانية الى قتل الاف العراقيين من اتباع المرجع الديني الصرخي وحرق الاف من نسخ القران الكريم وتدمير مساجدهم على رؤوسهم , وتم تحجيم المراجع الدينية ذات الأصول العربية وعدم السماح لها باي نشاط مثل عائلة الخالصي.
ان التغيير الذي فرضه الخميني على المذهب الأنثى عشري بنظرية الولي الفقيه لم تلاقي قبولا من معظم علماء المذهب الأنثى عشري خارج ايران لان الولي الفقيه هو انسان وليس اله معصوم عن الخطأ والهدف من تلك النظرية ضمان سيطرة ايران على كافة الشيعة في العالم , والتغيير الذي فرضه مقتدى الصدر في موضوع المهدي المنتظر بعد الغزو الأمريكي في 2003 وقد كانت شخصية المهدي المنتظر شخصية تخيلية وليست حقيقية عند عموم الشيعة مشابهة للمسيح المخلّص وبوذا المخلص وغيره , فقد عمد مقتدى الصدر الى ترسيخ مفهوم وجود شخصية المهدي المنتظر عند الطبقة الجاهلة في المجتمع العراقي والتي زرع في نفوسهم وعقولهم مفهوم ان ما يحصل في العراق من فساد وقتل ونهب وتهجير هو حكمة الهية بانتظار المهدي المنتظر الذي سيخلصهم من ذلك . وفكره تعذيب البشر من قبل الاله قد ظهرت لأول مرة في أوروبا خلال العصور الوسطى لليهود وبذلك كتبوا التلمود الذي تتشابه مفاهيمه بشكل كبير مع مفهوم نظرية المهدي المنتظر التي تهدف الى تخدير العراقيين ليقبلوا بما يحصل لهم بانتظار المهدي المنتظر الذي سيخلصهم وينقذهم.
لقد طفح الكيل مثلما يطفح القدح بالماء فيتساقط على كافة جهاته وكلما استمر سقوط الماء في القدح كلما استمر الماء بالتساقط الى خارج القدح وهكذا فكلما تزايد الغلو الديني كلما تساقط مؤيدوه وأصبح وحيدا مع نسبة قليلة لا تتعدى الثلاثة بالمائة وهم المستفيدين منه كالموظفين العاملين في الحوزات والهيئات الدينية والحمايات العسكرية للسياسيين والبرلمانيين والميليشيات.
المفارقة ان الأنثى عشرية ذات الهوى الإيراني قد اضطهدت كل العراقيين ونهبت ثرواتهم بما فيهم اتباع المذهب الأنثى عشري نفسه وثورة تشرين قد فجرها شباب المذهب الأنثى عشري في وسط وجنوب العراق بعد ان انكشفت اللعبة الطائفية التي بدأها بول بريمر وتبين لثوار تشرين ان كل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم القومي واليدين والطائفي هم ضحايا النهب والنظام السياسي الفاسد الذي تديره إيران في العراق من خلال مجموعة الأحزاب الدينية التي تحميها الميليشيات. وان الشرعية التي تعطيها مرجعية النجف للنظام السياسي القائم في المنطقة الخضراء غير مستقرة فالسيد السيستاني مشكوك في وجوده حيا لأنه لم يقوم بتأدية اركان الإسلام مع اتباعه كالحج مع الناس والصلاة بالناس او خطبة الجمعة وعائلته تعيش في قصور فارهة في لندن وتحمل الجنسية البريطانية وملايين الأموال التي تجنيها مرجعية النجف بمختلف الوسائل شهريا لا يعرف احد مصيرها كل ذلك قد خلق نقمة شعبية على المرجعية وعلى الدين بشكل عام.
ان ما تقوم به ايران من استغلال للدين وللمذهب الشيعي الأنثى عشري بالذات من اجل نهب الثروات والسيطرة على مقدرات الدول تحت صبغة دينية سينقلب عليها من داخل ايران أولا بعد المسيرة الفاشلة لنظام الملالي في قمع الشعب الإيراني واضطهاد القوميات الغير فارسية وسرقة ثرواتها وقد اصبح الوضع داخل ايران لا يطاق من فساد الملالي في سرقة ثروات ايران واجبار الشركات والمصانع الإيرانية على دفع نصف ممتلكاتها للملالي مقابل تأمين الحماية والاستمرارية لهم وتلك الحالة أصبحت حالة شائعة في ايران ويتكلم بها ابن الشارع الايراني.
سيشرق فجر جديد على العراق وينتهي النظام الديني الطائفي وسيولد نظام سياسي يفصل الدين عن الدولة وهذا يتطلب اتحاد الشعب العراقي في تجمع مدني او حزب سياسي يضع العراق فقط هدفا ً له ويقطع دابر دول الجوار التي تعبث بأمنه وتسرق ثرواته وتكون أهدافه تأمين الحياة الحرة الكريمة للعراقيين بعيدا عن المزايدات القومية والدينية التي أوصلت العراق الى ما هو عليه الان. وسوف لن ينهي الغلو الا الغلو الذي وصلت اليه الأحزاب الدينية الشيعية والسنية والمسيحية والكردية التي أصبحت إيرانية الانتماء والولاء.
فلا ينهي الغلو الا الغلو والفرج بعد الشدة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1721 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع