سناء الجاك
مناوشات "حزب الله" وصفقة الترسيم البري
فراغ جديد في حاكمية مصرف لبنان يترقبه لبنان، ويفترض أن ينضم إلى شقيقه الأكبر في رئاسة الجمهورية نهاية الشهر الحالي، على أن يلتحق به شغور في قيادة الجيش بعد أشهر.
والمراكز الثلاثة التي تشكل العمود الفقري لأي بلد، هي من حصة الطائفة المارونية، التي يتم قضم دورها ونفوذها، تماما كما تم قضم نفوذ المسلمين السُنَّة من خلال إضعاف رئاسة الحكومة.
وفي حين يبدو واضحا أن "حزب الله" هو المستفيد الوحيد من إضعاف القوى اللبنانية الأخرى على خلفيات طائفية، بحيث يتمكن من تحريك الساحات بما يخدم مشروعه ويساهم في تمكينه من فرض خياراته، لا تبدو فعالة، في ظل موازين القوى الراهنة، الجهود المنطقية مع الحزب لإدارة الأزمة بما يؤدي إلى اتفاق على رئاسة الجمهورية، ومن ثم حل الأزمات المتوالدة من شغور الموقع الماروني الأول في البلاد، وقطع الطريق على محاولة فرض "تشريع الضرورة" الذي رفضه البطريرك الماروني بشارة الراعي ومعه "تعيينات الضرورة" في حكومة تصريف الأعمال، لأنها ستأتي حتما وفق مواصفات تتطلبها مصلحة الحزب على حساب الكفاءة المهنية، وبما يقهر القوى الأخرى، ويستغل الفراغ والتعطيل ليستثمر فيها وفق هذه المصلحة.
وفي السياق ذاته يأتي تلويح الشيخ صادق النابلسي المقرب من "حزب الله" بأنه "إذا لم نستطع التوصل بالحوار الى صيغة معينة لرئاسة الجمهورية قد تكون الحرب مع إسرائيل أفضل وسيلة"، بالطبع لتغيير المعادلات، كما حصل في تموز 2006.
وهذا ما يفعله "حزب الله" وبنجاح منقطع النظير، فهو يلعب على مختلف التناقضات التي يختلق الكثير منها. كما حصل أمس الأحد مع مسعاه لصرف النظر عن الأزمات المتوالدة وإبقاء البلد في حالة الفراغ وتصريف الأعمال، وذلك عبر توجيه الاهتمام نحو الجنوب اللبناني، وافتعال التوتر على الحدود مع إسرائيل.
وهدف الحزب ليس فقط إضاعة الوقت واختلاق قضايا "مصيرية" للتعمية عن احتدام الأمور في ظل عجز القوى السياسية والطائفية عن إيجاد قواسم مشتركة للتسوية وفشل الخارج حتى الآن في تحقيق خرق في جدار الازمة. وانما يفعل ذلك أيضا كلما تعقدت المفاوضات الإيرانية/الأميركية بشأن الاتفاق النووي، فيسارع إلى جبهة الجنوب او يوعز لمن يدور في فلكه بإطلاق حجارة أو صواريخ مجهولة الهوية، وينصب خيما للابتزاز عندما يريد تحريك المياه الراكدة. مع العلم انه وإسرائيل يدركان جيدا أن "مناوشاتهما" مقتصرة على تبادل الرسائل غير الودية بما يخدم أجندة كل منهما ويخفف من التوتر القائم على ضفتي الحدود.
بالتالي، تندرج قضية قرية الغجر المتلبسة لبنانيتها أو سوريتها في إطار هذه "المناوشات"، وستبقى في إطارها هذا مع أن الجيش الإسرائيلي ثبت سياجاً جديداً وقضم مساحات واسعة ليضمّ كامل الجزء الشمالي اللبناني من البلدة، التي أصبحت إثارة قضيتها أشبه بفلكلور الدبكة التي تحضر في المناسبات، وخدمة للاحتدام السياسي بين الحزب وبين خصومه، في حين أن أهل الغجر هم سوريون علويون ولا يريدون العودة إلى سوريا أو إلى لبنان.
كذلك، لا عجب في أن يكون خلف كل هذه "المناوشات" في الداخل وعلى الحدود، صفقة تشبه إلى حد بعيد، صفقة الترسيم البحرية، التي مهدت لها طائرة مسيرة، وأسفرت عن اتفاقٍ أفقد لبنان حقوقا وثروة غازية. وكأن في الأفق صفقة تتحضر لترسيم الحدود البرية وإعطاء إسرائيل ما تريده على الحدود، مقابل أن يأخذ الحزب ما يريده في الداخل اللبناني، حتى لو استوجب الأمر نصب خيمة.. تفتح الطريق للقيام بأكبر عملية نصب للدستور ولاتفاق الوفاق الوطني.
727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع