لا فرق عندنا بين الأنظمة العربية الحاكمة من حيث فشلها في تحقيق العدل والإنصاف والمساواة, ومن حيث تخلفها وضعفها أمام المغريات المادية, ومن حيث تآمرها على الشعب, وتفريطها بموارده الطبيعية, وتجاهلها لتطلعاته المستقبلية, لكننا وجدنا إن النظامين (الجمهوري والملكي) انفصلا وتباعدا, وانقسما فجأة إلى معسكرين متنافرين, حتى طغت قوة معسكر السلاطين والأمراء على قوة معسكر الجمهوريين, فكان الربيع العربي من كوابيس الجمهوريات العربية, وصارت الأنظمة الملكية السلطانية هي التي تتحكم بمناخه, وهي التي تثير زوابعه العنيفة في الساحات والميادين, بدعم مطلق من قوى الشر, وبمشاركة سليل الأبالسة (برنار هنري ليفي). .
لا للمفاوضات نعم للفوضى
هذا هو الشعار الذي آمن به الأمراء والسلاطين العرب في تفعيل مساعيهم الحثيثة للتآمر على الجمهوريين العرب, كانوا أول من أعلن الحرب على العراق بكل الوسائل المتاحة والمباحة, ثم اتخذوا من (الربيع العربي) جسرا عبروا فوقه نحو إشعال فتيل الفوضى العارمة في ربوع العواصم العربية الجمهورية, ووقفوا وراء فكرة التقسيم والتشرذم. .
1
وإلا بماذا تفسرون هذا الأعاصير والزوابع التي استهدفت القصور الجمهورية, واجتاحتها وحدها, بينما نأت بعيدا عن القصور الملكية والأميرية والسلطانية ؟, وهل الصدفة وحدها هي التي حددت مسارات تلك الأعاصير, ووجهتها نحو بغداد وطرابلس وتونس والجزائر وصنعاء والقاهرة, ومنعتها من الوصول إلى المنامة والدوحة وأبو ظبي والكويت وعمان ومسقط والدار البيضاء ؟, وهل انفرد الجمهوريون وحدهم بالظلم والتعسف, وتحصن الملكيون بالعفة والنزاهة والورع والتقوى, وهل صار العدل هو القاسم المشترك الأعظم في البلاطات الأميرية كلها من دون استثناء؟. .
غراتسياني يعود من جديد
نحن لسنا مع الأنظمة الجمهورية ولا ضد الأنظمة الملكية, لكننا نريد الوقوف على الحقيقة لتحديد الملامح السياسية لمستقبلنا الغامض, ونريد أن نعرف بالضبط متى تستقر أوضاعنا المتأرجحة ؟, خصوصا بعد أن تكررت المشاهد المؤلمة في العراق واليمن وليبيا, وبعد أن طغت أجواء الفوضى في المدن والأرياف, وبعد أن وصل الخلاف في ليبيا على أكياس القمامة إلى القتال في الشوارع والميادين بالأسلحة الخفيفة, وشهدت البلاد اشتباكات دموية عنيفة بين القبائل المتناحرة, بينما راح الايطاليون يحتفلون في الفنادق الليبية بتحقق أحلام الجنرال رودلفو غراتسياني, شاهدوا هذا الشريط الوثائقي, ولاحظوا ما الذي تلبسه عريفة الحفل, وأين تضع العلم الليبي الجديد:
http://www.youtube.com/watch?v=ls_Q-qvM7XY
بينما انزلقت الأوضاع في اليمن نحو المجهول, ما ينذر بتفجر زلازل هائلة قد تهدد أمن المنطقة برمتها, وقد تعيد اليمن إلى زمن الجاهلية الأولى, أما في العراق فقد صارت العبوات الناسفة هي الإيقاعات المدوية في تفعيل مشاريع تخريب البلاد, وقتل العباد, ولن تكون الأوضاع في سوريا أفضل حالا من الأوضاع في اليمن وليبيا والعراق ومصر وتونس, والدليل على ذلك انه لا يوجد حتى الآن من يستطيع أن يتكهن بمستقبلها بعد انهيار نظامها الحالي, ولم يشرح لنا فلاسفة (الربيع العربي) أبعاد الشكل الذي ستكون عليه سوريا بعد الانهيار, حتى لا نفاجأ, أو تفاجأ المؤسسات المتلاعبة بمناخ (الربيع), ولا نستغرب أن تنتهي الأنظمة الملكية والسلطانية والأميرية إلى ما انتهت إليه بعد تآمرها على العراق, واستمرارها بالتآمر حتى يومنا هذا, لا نستغرب أن ينتهوا إلى النهاية نفسها في الأيام القليلة القادمة, فالفوضى الخلاقة هي الهدف, وهي البرنامج المخطط له, وهي التي تحمل تفاصيل السيناريو المعول عليه في إشاعة البلبلة, والعودة إلى القرارات المزاجية الارتجالية في حسم الأزمات المزمنة, مع الأخذ بنظر الاعتبار توفير الدعم المطلق للتنظيمات الطائفية والمذهبية والعرقية إلى أقصى الحدود الممكنة. .
عربة التآمر المدولبة
قبل قرن من الزمان بالتمام والكمال كانت بريطانيا هي التي تقود العرب للتمرد على الخلافة العثمانية, والتحرر من حكومتها (السنية), فوقف معظمهم مع الحلفاء ضد الخلفاء, وانتهت الحرب بتحرر تركيا نفسها, بينما سقطت المدن العربية كلها في قبضة الهيمنة البريطانية, واقتطعت فلسطين من جسد الوطن العربي الكبير بموجب وعد (بلفور), وها هي الولايات المتحدة تقود المتأمركون العرب من جديد لخوض حرب ضروس ضد أفغانستان (السنية), وضد حماس (السنية), وضد إيران (الشيعية), وضد سوريا (العلوية) المتمردة على المشروع الغربي, فتعاطفوا معها ومنحوها الضوء الأخضر لإقامة قواعدها الحربية حيثما تشاء, من دون إن يستفيدوا من الدروس السابقة, ومن دون أن يكون لهم موقفهم المستقل في التعبير عن تطلعاتهم المستقبلية مثل بقية الأمم الآمنة المستقرة, وكأنهم عربة مدولبة يقودها جنرالات البنتاغون نحو الهاوية. .
وعادوا الآن لأداء دورهم المخجل في الحرب بالإنابة عندما كانوا يفتعلون المعارك بين عرب الغساسنة وعرب المناذرة بتوجيه وتحريك من الإمبراطورية الساسانية في الشرق, وغريمتها البيزنطية في الغرب, فتقمصوا أدوارهم القديمة بعدما أضحت مهمتهم الحالية مقتصرة على تحويل الشام إلى حطام, والتجحفل في خندقين متناقضين, خندق يقاتل تحت راية (الجهاد), التي يحملها قادة البنتاغون, وخندق يقاتل تحت راية (الجهاد), التي يحملها قادة الكرملن, وهذا هو منطق الحرب بالإنابة, التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل. .
2
لقد تعاظمت وتيرة التآمر في الشرق الأوسط هذه الأيام, حتى بلغت أعلى معدلاتها في المدن الأردنية, التي تحولت إلى محطة دولية لقادة أجهزة المخابرات, الذين يعدون العدة لتأجيج حروب العرب ضد العرب, وتفعيل حروب المسلمين ضد المسلمين, من دون أن يدرك قادة الدول العربية المتأمركة أنهم يقفون الآن على حافة الهاوية, وإنهم يجرون المنطقة برمتها إلى حرب طويلة الأمد ستحرق الأخضر واليابس, وبات من السهل على القوى الدولية الغاشمة ممارسة الخديعة ضد العرب بأيسر الطرق وأسهلها, من دون أن يشعر العرب بخطورة المخططات الدولية, التي ستقضي عليهم كلهم من دون استثناء. .
لقد سارت الحكومات العربية المتأمركة على النهج الذي رسمه قادة البنتاغون, فوقفت وقفتها المعروفة ضد العراق, حتى سحقت بنيته التحتية والفوقية, وألحقت به الدمار الشامل بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل, وسارت ثانية على النهج الذي رسمه قادة الناتو فوقفت وقفتها المعروفة ضد ليبيا, وحفرت في رمالها خنادق الحروب القبلية التي لن تنتهي ولن تهدأ حتى قيام الساعة, ثم تخلت عن السودان بناء على التوجهات الغربية فاقتطعت منه أعز ما يملك في جنوبه الغني بالثروات, وأسهمت في الحصار المفروض على غزة بناء على الرغبات الصهيونية, وشاركت في الحرب المعلنة ضد الكتائب الجهادية في أفغانستان, حتى وصل الأمر إلى تبجح أحد أمراء الدويلات الخليجية بدور بلاده في محاربة الطلائع الإسلامية الكامنة في كهوف كندهار, بذريعة مكافحة الإرهاب. .
أسئلة لا جواب لها
أسئلة بسيطة نطرحها على وكلاء البنتاغون وعملاء الناتو في المنطقة, فنقول لهم: هل كانت لديكم تصورات مسبقة عما ستئول إليه الأمور بعد مشاركتكم في الحرب على ليبيا ؟, وهل تعلمون بما آلت إليه الأمور الآن ؟, وما الذي حصلتم عليه بعد توزيع حصص الحقول النفطية الليبية على الشركات الأمريكية والغربية ؟, وهل ارتاحت ضمائركم بعد تأجج الفوضى بين القبائل الليبية ؟, وهل تمتلكون مخططات مسبقة لإعادة بناء سوريا بعد مشاركتكم في تدميرها مع الجيوش التركية والغربية ؟, وهل لديكم صورة واضحة للأوضاع السورية بعد انهيار نظامها ؟, أم إنكم ستشاركون في حملات الفتوحات الغربية في الأراضي العربية من اجل كسب الثواب والأجر والبركة؟, وما الذي ستجنونه من وراء تهافتكم وراء المخططات الأمريكية, التي رسمها (برنارد لويس) لتفكيك المنطقة وتمزيقها بما فيها الأقطار الخليجية, التي سيأتي عليه الدور إن عاجلاً أو آجلاً ؟, ألا تخشون من عقاب الله بعد أن وليتم عليكم القوى الغاشمة ؟, ثم منذ متى كانت أمريكا داعمة للمؤمنين وهي المعادية لله ولرسوله ؟, ومنذ متى كانت أمريكا حريصة على الإسلام ؟, ومنذ متى كانت بريطانيا قلقة على المسلمين ؟, ومنذ متى كانت فرنسا مهتمة بالشأن الإسلامي ؟, ومنذ متى كانت مناورات (الأسد المتأهب), التي شاركت فيها (19) دولة على الأرض الأردنية بقيادة أمريكا طبعا, منذ متى كانت هي العنوان الجهادي لتحرير الشام من قبضة العلويين ؟, ثم ألا تلاحظون إن أمريكا وعلى مدى ربع قرن من السنين خاضت معاركها كلها على الأرض العربية, وتحديدا في الشرق الأوسط ؟, ماذا يعني هذا ؟, ألا يعني إنها وجدت من يتعاون معها ويسمع كلامها ويحترمها ويقدسها ؟. .
3
ختاما نقول لن تستطيعوا أن تجيبوا على هذه الأسئلة, لأنكم مجرد توابع ذليلة تدور في فلك النظام العالمي الجديد, وان دويلاتكم هذه لن تسلم من تطلعات التوسع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة, ولن يعصمكم منها عاصم, فأمريكا (دولة العهر والغدر) ليست لديها لحية مُسرّحة, وإن مصلحتها فوق كل شيء, بل فوق مصالحكم الضيقة كلها, ويتعين عليكم أن تتعلموا الدرس من خادمها المطيع (عمر سليمان), الذي باع دينه وضميره وضحى بمستقبل بلاده من أجل تحقيق أحلامها, فأعادوه إلى بلاده جثة مشوية بأفران المايكروويف, وينبغي أن تعلموا إن قرارات الكاهن (برنارد لويس) هي المعوّل عليها في إقامة دولة علوية في سوريا, وأخرى درزية, وواحدة شيعية, ودولة سنية, وإقامة دولة البصرة التي ستضم الكويت والبحرين, وإقامة دولة في الحجاز, ودولة في الدمام, ودولة في جيزان, ودولة في عدن, ودولة في صنعاء, ودولة في بوشهر, ودولة للكرد, ودولة لقبائل اللر, ودولة في أرض الصومال, ودولة في مضيق هرمز, ودولة للأقباط, ودولة للصعايدة, ودويلات هشة أخرى مبعثرة هنا وهناك, ومن لم يصدق هذا الكلام يتعين عليه مراجعة مخططات وخرائط البنتاغون, التي أعدها عرّاب التقسيم والتفرقة, الكاهن (برنارد لويس), والتي تبرعتم أنتم بتنفيذها حرفيا, من دون أن تدركوا إنكم تنكرتم لعروبتكم, وتركتم كتاب الله وراء ظهوركم واتبعتم ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان. .
4
لابد لنا في الختام من وقفة تاريخية نستذكر فيها نداءات الفريق (ضاحي بن خلفان), التي حذركم فيها مراراً وتكراراً من خبث المخططات الأمريكية في أكثر من مناسبة, وأوصاكم بعدم السير خلفها, وخاطبكم بلسان عربي فصيح, على الرغم من انه أصغركم سناً, وأقلكم خبرة, فكان فيكم كدريد بن الصمّة, عندما حذر قبيلته (غزية) بهذا البيت الخالد, فلم يستجيبوا له, فوقعت الكارثة, ولات حين مندم, قال دريد:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى
فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد
والله يستر من الجايات
869 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع