عائشة سلطان
التواصل: الاحتياج الخطر
تفتح عينيك صباحاً كمعظم مواطني هذا الكوكب، وتحديداً هؤلاء الذين منحتهم الحياة فرصة امتلاك وسائل التقنية الحديثة، فيكون أول فعل تجرّب به إحساسك بنفسك وبما حولك وبالوقت وبأنك ما زلت على قيد الحياة، هو أن تمد يدك بكامل إرادتك صوب هاتفك النقال الذي حرصت قبل أن تنام على أن يكون قريباً منك، وبعين مغمضة وأخرى تقاوم النعاس تروح أصابعك تعالج الأزرار، وتتوغل في طرقات الإمبراطوريات الافتراضية باحثاً في: بريدك الإلكتروني، الفيسبوك، الواتس أب وتويتر!
كثيرون ممن راجعوا عيادات الاستشارات النفسية اعترفوا بأنهم حاولوا مراراً النوم وترك الهاتف خارج غرفة النوم، إلا أنهم كانوا يفشلون في كل مرة! وربما لهذا السبب هناك عيادات تستقبل أشخاصاً كثر في دول أوروبا لمعالجة إدمان الهاتف المتحرك ومواقع التواصل، وأول شروطها للانضمام لبرنامج العلاج هو ترك الهاتف خارجاً!
الهاتف النقال هذا إدمان لا يقل خطراً على الدماغ وحركة الجسد عن إدمان السجائر والمخدرات والكحول، حتى إن البعض أصبح لا يتقبل فكرة البقاء بعيداً عن هاتفه أكثر من ساعة ربما، ولذلك فليس غريباً أن يحتمل العودة إلى منزله في غمرة زحام السابعة صباحاً إذا تأكد له أنه نسي الهاتف في المنزل!
لماذا هذا الإدمان عند البعض؟ لأنه يشعر بأنه متواصل مع العالم، وما يكتبه أو يقوله يحظى باهتمام الآخرين وإعجابهم، وأن لديهم أصدقاء بالمئات، هو الذي فشل في حياته الحقيقية أن يكون لديه صديقان، يتشارك مع الملايين معرفة الأحداث والأشخاص أنفسهم، فيبعد عن نفسه فكرة النبذ والبعد عن ما يدور في العالم، بل متواصل ومرحب به، وهذه هي الفكرة التي يلعب بها وعليها صناع هذه الإمبراطوريات الضخمة.
ليس كل من يستخدم مواقع التواصل مدمن، لكن الانسياق وراء فكرة التواصل والاهتمام يمكن أن يحوّل الإنسان إلى مدمن وبشكل فائق السرعة والخطورة، وهي الفكرة التي تدر على أصحاب هذه المواقع ثروات طائلة، لكن لماذا نتحول نحن إلى أكثر الناس تضييعاً لحياتنا عليها؟!.. هذا هو السؤال.
949 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع