بسام شكري
الذكاء الاصطناعي محاكاة للذكاء البشري
لقد اثار موضوع الذكاء الاصطناعي موجه كبيرة من المخاوف والتساؤلات في الفترة الأخيرة ومازال معظم الناس لا يفقهون معنى الذكاء الاصطناعي المجرد او التطبيقي ومن اجل نشر الوعي بموضوع الذكاء الاصطناعي علينا فهم اليات عمله فهو ليس روبوت يقوم بالتحكم بالبشر لكنه علم يحاول فهم الذكاء البشري ليتمكن من محاكاته ليس فقط من خلال برامج الكومبيوتر وحل المسائل المعقدة وانما الى اتخاذ القرارات التي يصعب علينا الوصول اليها لوجود العديد من الخطوات والمعوقات المحسوبة والمرئية وغير المحسوب وغير المرئية والذكاء الاصطناعي يحاول محاكات الذكاء البشري عن طريق تجارب الفكر الإنساني السابقة بالاستعانة بتلك التجارب لاتخاذ القرارات الصائبة في المستقبل .
لقد أحدثت جائحة كورونا طفرة كبيرة في التطور الإنساني من خلال تحول الموظفين للعمل في المنازل والطلبة في البيوت وتوفر الحرية والوقت الكافي للدخول الى معالم التكنولوجيا الرقمية والحصول على كم هائل من المعلومات المتوفرة على الانترنيت في اختصاصاتهم او في غير اختصاصاتهم واستعمالها لأغراض دراسة المناهج الاكاديمية الصفية وتوسع مدارك الطلبة واتجاههم اكثر الى الدراسة التطبيقية العملية من الأسلوب التقليدي الذي كان سائدا قبل الجائحة واعطت للموظفين ابعادا واسعة لواجباتهم اليومية وقد تجاوزا ما كان يسمى بالوصف الوظيفي لكل وظيفة فقد اخذوا بالابتكار اكثر وتطوير مراحل الإنتاج وتسهيلها من خلال ربط وسائل الإنتاج ببعضها مع وسائل وأساليب التنفيذ التكنولوجية, فملايين الموظفين والطلبة خلال جائحة كورونا في العالم قد استعملوا شبكات الانترنيت وقضوا اوقاتا طويلة في التعرف على معلومات جديدة عن عملهم او عن مناهجهم الدراسية وهذا ما دفع من عجلة استعمال الذكاء قدما الاصطناعي لخدمة الانسان.
واذا اردنا ان نفهم الذكاء الاصطناعي علينا ان نفهم أولا كيف يعمل العقل البشري بشقيه العقل الواعي والعقل الباطن , ولنأخذ مثالا عن فعالية واحدة للعقل البشري وهي فعالية الاحلام والمتعلقة باسترجاع الذاكرة والحدس فقط , ان العقل الباطن يقوم بإفراغ معلوماته للعقل الواعي على مراحل زمنية تتحدد مدتها بحسب قوة تأثير تلك الاحداث التي جمعت خلالها المعلومات على الشخص ولا علاقة بالفترة الزمنية التي حصلت فيها تلك الاحداث فمن الممكن ان احداثا ً مرت خلال أيام يستمر خروجها لسنوات وممكن احداث مرت على الشخص وخرجت الى العقل الباطن مرة واحدة وخلال فترة قصيرة ثم انقطعت فكيف يتم ذلك؟ ان العقل الواعي هو العقل الذي نعيشه في حياتنا اليومية ويعمل ضمن ميكانيكية الحواس الخمسة وهي البصر والشم والذوق والسمع واللمس ويقوم بنقل كل الفعاليات التي تحصل خلال اليوم الى العقل الباطن الذي يقوم بتخزينها واعادتها للعقل الواعي بطريقتي الاحلام والشعور( الحدس ) ولنتكلم الان عن الاحلام ونرجع الى موضوع الشعور لاحقا , فعندما يمر الانسان بحدث معين يهز مشاعره فان ذلك الحدث يبقى عالقا في ذاكرة العقل الباطن ويخرج على شكل أحلام وذلك الحدث بالأساس لم يتعود عليه الانسان كمشاهدة حادث قتل او حريق او انفجار اوقد يتعرض الانسان الى اغتصاب او الى مراقبة من قبل أجهزة امنية او من قبل مديره في العمل او من قبل زوجته او شريكه في العمل وهذا يجعله حذر على مدار الساعة ويقوم بربط كافة الاحداث اليومية بموضوع المراقبة وعندما تنتهي المراقبة مثلا فان العقل الباطن يبدأ بالاستراحة وتفريغ المعلومات والهواجس والمخاوف والحدس الى العقل الواعي على شكل أحلام قد تستمر سنوات طويلة حسب شدة تلك الاحداث او حسب قوة تأثرّ الشخص بها , فمثلا عندما تمر فترة زمنية على مشاهدة حوادث القتل او الحرق او الاغتصاب وغيرها من الحوادث المؤلمة فينسى العقل الواعي تلك الاحداث ولا يتذكرها الا عندما يحصل شيء يذكره بها لكنها تبقى عالقة في العقل الباطن الذي يرسلها للعقل الواعي على شكل أحلام وهواجس , وعملية افراغ العقل الباطن للحوادث المؤثرة او المؤلمة هي عملية ميكانيكية وصحية من اجل افراغ الألم بإعادة استعراضه بلغة الاحلام فلو لم يحلم الانسان فان الألم سيبقى في داخله , ان جميع الناس يحلمون لكن ليس جميع الناس يتذكرون احلامهم والاحلام تبدأ من لحظة الدخول في سبات النوم وتنتهي عند الاستيقاظ من النوم ونحن في الغالب نتذكر الحلم الأخير الذي حلمنا به قبل الاستقاظ لأنه يبقى متعلق بالعقل الواعي وقد يبدع العقل الباطن فيخرج تلك المعلومات الى العقل الواعي بطريقة الحدس فكيف تحصل تلك العملية؟
أولا ان حجم الدماغ ووزنه لا علاقة له بالموضوع لكن هناك عوامل متعددة هي التي تجعل العقل الباطن يقوم بإخراج الاحداث بطريقة الحدس ومن تلك العوامل صنف الدم والجينات الوراثية والصحة الجسمية والصحة النفسية ونوعية الطعام ومكان عيش الانسان من حيث التضاريس ومستوى ارتفاع او انخفاض الأرض التي يعيش فيها الشخص عن سطح البحر وقد يكون سبب خروج المعلومات عن طريق الحدس وليس عن طريق الاحلام في حالة تعرض الشخص الى ضربة على الرأس فتحدث متغيرات عديدة منها تلك الحالة , وعندما يمر الانسان بحدث معين تدخل المعلومات لمخزن العقل فتنتقل من العقل الواعي للباطن ويتم تفسيرها وتحليلها في العقلين الواعي والباطن فيقوم العقل الباطن بإخراجها عن طريق الاحلام وقد تتطور الحالة فيمررها الى العقل الواعي عن طريق الحدس وقد يقوم العقل الواعي بالإبداع ولو جمعنا عدة عقول في بودقة واحدة تفكر في موضوع واحد لفترة زمنية معينة وسوف يشتغل العقل الباطن ويمد العقل الواعي بتفسيرات جديدة لم يكن ان يتوصل اليها بشكل فردي من قبل شخص واحد.
ومثال على ذلك عند دخول معلومة معينة عن حدث معين الى دماغ شخص كحضور مؤتمر يقوم العقل الباطن بتجميع كافة المعلومات المخزنة عنده عن فعاليات ومؤتمرات سابقة وعمل مقارنات وتحليل وعند حصول الصفاء الذهني تخرج تلك المعلومة كحدس او توقعات او اراء واذا كان ذلك الشخص واعيا لما يحصل ولديه ثقة بنفسه يقوم بإخراج تلك المعلومة والتحدث بها للآخرين وعكس ذلك فانه سيقول بعد حصول الحدث : لقد توقعت ذلك , ولو قمنا بتجميع عشرة اشخاص من الرجال والنساء ومن اعمار مختلفة وجينات مختلفة واصناف دم مختلف وطرحنا عليهم فكرة ذلك المؤتمر فانهم سيقومون بمناقشة الموضوع من كافة الجوانب ويخرجون بتوقعات وكذلك بالنسبة الى تحليل الصور فلو جمعنا هؤلاء الأشخاص وعرضنا عليهم صورة معينة فان كل واحد منهم يفهم محتويات الصورة بطريقة مختلفة عن الاخرين لأنه رأى الصورة من زاويته وقام دماغه بتفسير الصورة وفق مستوى عقله وخبراته السابقة وتوقعاته المستقبلية وزاوية وقوة النظر لديه وسوف يعطونا في النهاية أفكار ممتازة لا يتمكن شخص واحد من الوصول اليها لوحده ولو قمنا بتجميع مئة شخص وطرحنا عليهم موضوع المؤتمر او موضوع تفسير معنى الصورة وتركناهم أسبوعا كاملا يناقشون الموضوع لخرجوا بنتائج اكثر دقة من الفريق الأول بمعدل عشرة اضعاف ولو قمنا بعمل فريق اخر من الف شخص وكررنا معهم نفس الموضوع لخرجوا بنتائج اكثر دقة مئة مرة من الفريق الأول الذي ابتدأنا به بعشرة اشخاص , وهذا يعني اننا كلما قمنا بزيادة عدد الفريق كلما زادت الدقة في النتائج والتوقعات المستقبلية لكن كل تلك العملية يجب ان تكون بشرط عدم إيقاف عجلة التفكير لدى الفريق وعدم وجود دكتاتور بينهم يوقف عجلة التفكير ويفرض عليهم رايه وعدم وجود شخص لديه اتجاهات واهداف غير التي عمل من اجلها الفريق فيقوم بتحويلها الى اتجاه وهدف اخر يخدم مصالحه الشخصية .
ان مثال فريق العمل الذي استعملته هنا يسمى العصف الذهني أي اننا كلما زدنا عدد فريق العصف الذهني وقمنا بتنويع افراده من حيث الجنس والعمر والجينات وفصيلة الدم كلما حصلنا على نتائج ادق للموضوع الذي يناقشونه خلال جلساتهم، والية عمل العصف الذهني للأشخاص المشتركين فيه لمدة أسبوع مناقشات مستمرة سيؤدي الى ان موضوع المؤتمر سيبقى يعيش معهم في عقلهم الواعي والباطن وسيؤدي الى الوصول الى نتائج وتفاصيل وتوقعات لما بعد تنفيذ الموضوع بدقة متناهية، وكما يقول المثل الشعبي فان الموضوع سوف يأكل ويشرب معهم.
الذكاء الاصطناعي بشكله العام هو نفس تلك العملية لكنها تتم بطريقة مختلفة , فلو ادخلنا معلومات أولية عن موضوع معين الى كومبيوتر ذو سعة صغيرة محددة لحل مشكل معينة وطلبنا منه حل المشكل فانه سيقوم بإعطائنا نتائج بسيطة وساذجة في بداية الامر ولو قمنا بتوجيه السؤال الى كومبيوتر اكبر سعة من حيث المعلومات والتفاصيل التي قمنا بتخزينها في داخله فإننا سنحصل على نتائج دقيقة اكثر وكلما زدنا من كمية المعلومات المدخلة للكومبيوتر وتنويع مصادر تلك المعلومات كلما حصلنا على نتائج اكثر دقة , وبشريا ً لو قمنا بتجميع عشرة اشخاص في اجتماع لحل مشكل معينة فان كل شخص سيقوم بإعطاء نتيجة مختلفة لان له راي مختلف عن الاخرين ولو جمعنا مئة شخص سيعطوننا نتائج اكثر دقة من العشة اشخاص وهكذا مع توفر شرط استمرار الاجتماعات والعصف الذهني أسبوعا كاملا وإعطاء فريق العصف الذهني الحرية الكاملة.
ان الذكاء الاصطناعي ليس خطرا كما يصوره البعض وانما هو مجموعة من الفعاليات قد استخدمت الكومبيوتر في الوصول الى نتائج سريعة بكميات ونوعيات دقيقة , فنحن مثلا وخلال اكثر من الف وثلاثمئة وخمسين عاما لم نكن نعرف ان ورود كلمة الدنيا في القران الكريم هو 115 مرة وعدد ورود كلمة الاخرة في القران الكريم هو 115 مرة وهكذا دواليك الشيطان 88 والملائكة 88 الموت 145 والحياة 145 الصالحات 167 السيئات 167 وهكذا الى نهاية القران الكريم حيث يسود الميزان بين كافة المعاني وقد حصلنا على تلك النتائج بفضل من الكومبيوتر ومع تطور التكنلوجيا ونظام الاتصالات في الأرض فإننا سنحصل على حلول ادق لمشاكلنا. فقبل اختراع الموبايل مثلا كنا نستعمل التلفون الأرضي وان استعمالنا للموبايل قد قام بتسريع حياتنا الاف المرات فباستعمال الموبايل مثلا قمنا بتسريع وصول سيارات الإسعاف الى المرضى او الحوامل والأشخاص الذين يتعرضون للحوادث وقد ساهم استعمالنا للموبايل في انقاذ ملايين الأرواح وفي النتيجة قد أدى الى رفع معدل طول عمر الانسان وان استعملنا للموبايل قد ساهم في إيصال معلومات سريعة عن الأوبئة والامراض والحوادث والفيضانات والزلازل بشكل سريع مما ساهم في ارسال فرق الإنقاذ بسرعة وإنقاذ ملايين الأرواح , والكذب الذي كان يمارسه البشر كأنظمة كشركات او كأشخاص في عدم نشر الحقائق قد ساهم الموبايل وكاميراته بنقل الحقائق بسرعة فائقة وكشف الأكاذيب وقد ساهمت تلك التطورات التكنلوجية في إنقاذ الدول من فساد الأشخاص والسرقات وجرائم الاعتداء والقتل وهنا قد أصبحت التكنلوجيا أداة لخدمة الانسان .
ان بعض الأشخاص الذين ينشرون الخوف من الذكاء الاصطناعي هم نفسهم الذين نشروا المعلومات وافلام الفيديو الكاذبة حول وباء كورونا في الصين وهي تظهر السلطات الصينية وهي تقتل الناس في الشوارع لا صباتهم بالوباء مثلا وهم نفسهم الذين شككوا بحقيقة الوباء والمؤامرة الدولية لقتل البشر من اجل التقليل من كثافة السكان وهم نفسهم الذين نشروا اخبار عن حرب نووية تنوي روسيا القيام بها ضد العالم، وفكرة تخويف الاخرين بالأساس هي مرض نفسي لان الشخص الخائف يريد ان ينقل الخوف الى الاخرين لكي يشعر بان احساسه بالخوف طبيعي, وقد صور البعض من هؤلاء بان الذكاء الاصطناعي سوف يصبح مجموعة من الأشخاص الآليين يتحكمون بحياة البشر تشبيها بأفلام الخيال العلمي وهذا غير صحيح لان الانسان الذي صنع الذكاء الاصطناعي يعرف نوعية وكمية المعلومات التي قام بتجميعها لعمل اله او برنامج للذكاء الاصطناعي.
وخلاصة القول فان الذكار الاصطناعي هو توظيف الكومبيوتر والتكنلوجيا المتطورة من وسائل اتصال وكاميرات متعددة الابعاد وغيرها في حل مشاكل البشر وتطوير قدراته وجعل الحياة أكثر سهولة وسيؤدي بنا للوصول الى علاجات وادوية لأمراض كانت تفتك بالبشرية وسيؤدي الى اختصار حلقات عديدة في مجال الإنتاج.
في النهاية علينا ان نتقبل فكرة توظيف التكنلوجيا لخدمة الانسان (الذكار الاصطناعي) لكن في نفس الوقت علينا ان نعود دائما للطبيعة ولا نضيع في عالم التكنلوجيا لان سر حياتنا ووجودنا هو الطبيعة فالأكل الصحي والطبيعي والخالي من المتغيرات الجينية والاسمدة الكيمياوية والمبيدات الحشرية السامة واستعمالنا للملابس والاثاث ا والمنازل المصنوع من مواد طبيعية سيؤدي الى حياة أطول وأكثر سعادة.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
هذا رسم كاريكاتير حول الذكاء الاصطناعي نشرته صحيفة الخليج التي تصدر من الشارقة.
955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع