بقلم: صفوة فاهم كامل
مجلس الثلاثاء الثقافي في حلّته الجديدة
عن دار الأيام للنشر والتوزيع صدر في العاصمة الأردنية عمان الجزء الثالث عشر من سلسلة موسوعة (أحاديث الثلاثاء... كتابات لمثقفين عراقيين).
بين دفّتي هذا الجزء 450 صفحة من القطع الكبير، تضمّنت في بدايتها خمس مقدمات ترحيبية وتعريفية، تلاها تسعة وثلاثين موضوعًا كان أساتذة متخصصين وشخصيات مرموقة قد ألقوها في مجلسهم الأسبوعي المنعقد في دار المرحوم السفير عطا عبد الوهاب في عمان. ومن هذه المقدمات توطئة كُنتُ قد دونتها عن المجلس وأعضائه بهذه المناسبة العزيزة، ما يلي نصّها:
بعد عامين عبوسين مرّا على مجلس الثلاثاء الثقافي بأسابيعه المتوالية، كانت جائحة كورونا سببها الرئيس في ذلك، على إثرها عزفَ أعضاؤه على عقد ندواتهم الأسبوعية فيه توجّسًا من أي مكروه قد يصيبهم. لكن ما سرّهم خلال تلك المحنة وأسعدهم جميعًا صدور المجلد الثاني عشر من سلسلته الثريّة (أحاديث الثلاثاء ... كتابات لمثقفين عراقيين) رغم أنف كورونا، فظهر بنفس حلّته المعتادة، ونفس غلافه الأثير، ونفس ناشره (دار الذاكرة).
وضمّ بين دفّتي غلاف هذا الجزء كما هي في أجزائه السابقة، عناوين ومواضيع شتّى في مختلف مناحي الحياة الثقافية والمعرفية، وبفيض من جهود المحاضرين الأجلاء الذين نفحو بما لديهم وجادوا بما خبروا قبل وصول ذلك الداء الملعون إلى الأردن وتغلغله في نسيمها العليل، وحَرَمَنا من حشدنا الأسبوعي صباح كل ثلاثاء.
ومع استمرار هذا الوباء، وتوقف نشاط المجلس التام؛ بدأ أعضاؤه يضجرون من حالة السبات الطويل وهذا التخوّف المتزايد من كورونا، مما أصابهم الملل والاكتئاب، فطالبوا بعودة جلساته الاعتيادية كما كان في سابق عهده، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يستوجب أخذه من احتياطات قصوى في تباعدهم الاجتماعي وفق التعليمات الصحية الصادرة، خاصةً وأن الوباء بدأ بالانحسار التدريجي والتعافي منه في عموم الأردن.
وعلى الرغم من كل المناشدات والمطالبات من أغلب أعضائه الكرام بضرورة عودة انعقاد المجلس بشكله الطبيعي وفي يومه المعتاد بعد انتهاء مرحلة الخطورة لجائحة كورونا وعودة الحياة لطبيعتها إلا إنهم لم يجدوا استجابة من مستضيفهم في صالون داره الدكتور شوقي ناجي الساعاتي، مشكورًا وبنجاح وثبات طيلة الفترة السابقة. لذلك اقترحت ثُلّة من الأعضاء الكرام وبطلب رحب من الأستاذ لهب ابن المرحوم مؤسس مجلس الثلاثاء، عقد اجتماع فيما بينهم لتدارس الموضوع بشكل ودي وأخوي فقرروا استئناف جلسات مجلس الثلاثاء مرة أخرى. وأهم ما أتخذ في ذلك الاجتماع هو إعادة عقد ندواته في مكانه السابق؛ صالون دار المرحوم عطا عبد الوهاب، كما كان واقعه خلال سنواته الأولى.
ولذلك فقد دُعيَّ كل أعضاء المجلس السابقين للالتئام في مكانه الجديد-القديم، وتحقق عَقدَ أولى جلساته وندواته في الأول من شهر شباط من عام 2022. وكان السيد لهب متأهبًا في ذلك الصباح البهي لاستقبال ضيوفه الرواد، ومُستضيفهم في نفس الصالة السابقة وإكرامهم بضيافته العربية الأصيلة على الرغم من احتياجاته الخاصة المعروفة.
وفي ساعة اللقاء الأول، تبادل الجميع التهاني فيما بينهم وكلمات المحبّة في التحامهم من جديد وسرورهم بـ (عودة الفرع إلى الأصل) مرةً أخرى. وفي بداية الجلسة تأسّف الحاضرون لرحيل زميلهم إلى دار البقاء، الخبير النفطي الأستاذ علاء الخطيب... رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. بعدها تفضّل الدكتور خالد الشمري بإدارة هذه الندوة وما تلاها من ندوات، بكل همّة ونشاط. ورديفه في ذلك الأستاذ صباح علّو. ولا زال المجلس متواصلًا دون أي انقطاع أو تلكّؤ.
وبينما الكتاب ماثل للطبع فُجعنا بخبر وفاة عضواً آخراً من أعضاءه السابقين هو الاقتصادي المرحوم عبد الخالق الصافي بعد صراعه الطويل مع المرض... رحمه الله وعطّر بالطيّب ثراه.
ومع قرب احتفال المجلس بعيد ميلاده الرابع عشر يوم انبثقت أولى جلساته في 9/4/2009، فأن مجلس الثلاثاء في سنته الأخيرة استجدَّ عليه تغيرات مهمّة وسارّة فبالإضافة إلى عودة لقاءاته واجتماعاته إلى مكانه الثري فثمّة عناصر شابة ودماء جديدة انضمّت إليه وبمستويات ثقافية عالية، وبدأت تُطرح مواضيع حديثة ومتنوّعة خلال جلساته المتوالية مع تطور العلم والمعرفة في شتّى المجالات وتسارع الأحداث المختلفة في العراق والمنطقة والعالم.
ومن جميل ما طرأ على المجلس أيضًا حضور عدد غير قليل من السيدات والآنسات الناشطات والمُثقّفات اللواتي ساهمنَّ في إثراء هذا التجمّع وتقديمهنَّ محاضراتهنَّ بكل جرأة وحيوية، مما أعطى الندوات والجلسات نكهة سردية خاصة وعنفوانًا جديدًا وسمة مميّزة، بعد أن كان مقتصرًا على الذكور طيلة سنواته السابقة. ولا يكاد يمر يوم ثلاثاء من كل أسبوع وبحضور يتراوح بين 15 إلى 20 شخصًا، إلا وضيف جديد يحل بيننا أو ينضم إلينا فيسعى لتقديم محاضرته ويُتحف الحاضرين بها ويستمتعوا لسماعها.
وبعد أن جمّل الجزء الثاني عشر من (أحاديث الثلاثاء) رفوف مكتباتنا الخاصة والمكتبات العراقية والعربية في ظرفه الصعب؛ ها هو اليوم وبكل فخر واعتزاز يَصدر جزءه الثالث عشر بشكله الجذّاب والأنيق ليضاف إلى سلسلة أجزائه السابقة.
ولأننا على الدوام متشوّقون إلى جلسائه ومواضيعه، فأننا توّاقين لأن يستمر المجلس في عطاءه بلا انقطاع متحدّين كل الظروف والمصاعب، كي ينعم أعضاؤه بملتقيه ومحبّيه، ولأن مجلس الثلاثاء الثقافي سيبقى ذلك النهر الوارف الذي يُسقي كل الأجيال العربية ويصبُّ نتاجه في بحر المعرفة والثقافة والعلوم... وخير الكلام عند قول الشاعر:
بدأتم فأحسنتم فأثنيتُ جاهدًا وإن عدّتم ثنيتُ والعَودُ أحمدُ
1185 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع