بدري نوئيل يوسف
من سوالف جدي العتيقة والألغاز ـ الأولى
جدي يستعد ويحضر سوالفه ويحاول ان ينافس جدتي في حكاياتها، وكنا نجتمع بعض الأمسيات حوله ويحدثنا عن مواضيع لا نعرفها وبعدها يختبر ذكائنا بألغازه ويطلب مننا أن نحل اللغز والذي يعرف يقدم له قطعة من اللقم بطعم المستكة.
في هذا اليوم عاد جدي الى المنزل بعد انتهاء المطارده الشعرية التي تقام في المحلة، ويجتمع بعض رجال المحلة تحت شجرة التوت الواقعة وسط حديقة صغيرة تربط الازقة مع بعضها،ويقال أن الشجرة عمرها تجاوز الخمسين عام، وهذه عادة قديمة يجتمع رجال المحلة يتسامرون بلياليهم ويتنافسون فيما بينهم، فان بدأ الأول ببيت شعر ينتهي بحرف بالباء مثلا، فما على غريمه إلا ان يبدأ ببيت شعر يبدأ بحرف الباء، وهكذا على كل واحد منهم ان ينهي بيته الشعري بحرف صعب وقليل الذكر، لكي يمنع الأخر من التحدي وهذا ما يسمى بالمطاردة الشعرية.
بعدما عاد جدي الى المنزل ودخل غرفته بدأ يتصفح أوراقه العتيقة، اجتمعنا نحن أبناء وبنات أولاده الثلاثة وكان عددنا تسعة، أربعة صبيان وأربع بنات، والصغير بيننا عمرة تسعة أعوام. في هذه الأمسية سئلنا جدي من منكم يعرف ما هي (الغمازات والرصعه). تعجبنا من سؤاله لأننا اول مرة نسمع بهذا السؤال، قال جدي: أنا سأقول لكم:
الغمازات هي حفر صغيره تظهر على كل خد وعلى جانبي الفم، وتصبح بارزه جدا بالضحك أو عند الابتسام، وأما الحفرة أو الخسف على الذقن وخاصة عند الرجال فتسمى بالرصعه، وهي حسبما معروف تعطي اكثر جمالية للوجه أما، الغمز بالعين فهو شيء مختلف، حيث بعض الفتيات قديما يتحرشن بالشاب، وعند مرورها أمام شاب يعجبها وتحب ملاقاته والتكلم معه بعيدا عن أنظار الأخرين، لأنه من المتعارف عليه قديما حرمة إن تكلم البنت الشباب، أو ابن الجار أو أبناء المحلة، وحيث إنها لا تستطيع مكالمته ولا تستطيع عمل أي حركه بيديها، وخاصة أنها مستوره ولابسه العباءة فهي تغمز بعين واحده للشاب، الذي تحبه مثلا بالحي حين مرورها أمامه، وهنا الشاب يفهم بان هذه اشارة من محب أو من حبيبه، تريد إقامة الود وتريد الكلام معه فيتبعها ليلاقيها بعيدا عن المعارف وبعيدا عن الحي، والغمزة تتضمن سد احد العينين بسرعة اي برمشه العين، اي بسرعة والشاب ايضا ان كان يريد التجاوب مع هذه الايحاء فهو ايضا يستطيع ان يغمز لها أي يعني الإيجاب، وهذه الغمزة هي فعلا كود مضبوط جدا، ولا يمكن كشفه بسهوله في تلك الايام.
ثم سأل من منكم يعرف ما معنى الكيشوان، طرحنا عليه عدة أجوبة، أتذكر من توقع نوع من الاكل يطبخ في دول أسيا، وأخر توقع اسم مدينة في احدى الدول، ابتسم جدي وقال أنا سأقول لكم ما المقصود بهذه الكلمة. الكيشوان هو الشخص الذي يشرف على استلام الاحذية او النعلان من الزوار الذين يدخلون في حضرة الأئمة للزيارة، وهذا الشخص له راتب مدفوع من تبرعات المواطنين للمرقد، وبالقديم كان له عصا طويلة اكثر من متران وبحافتها گلاب لرفع الأحذية أو النعلان وترتيبها أو إعطائها لصاحبها، دون أن يتحرك الكيشوان من مقعده وما يجدر ذكره هنا أن بعض الكيشوانيه له قدره عالية على حفظ الى من تعود هذه الأحذية، فعند خروج الزائر من الحضره بعد انتهاء الزيارة وقبل ان يطلب الزائر حذائه وقبل ان يؤشر عليه فهو يعرف حذاؤه، ويعطيه إياه عن طريق هذه الخشبة الطويلة علما أن الكيشواني مسئول أخلاقيا في ارجاع الأحذية إلى صاحبها الأصلي، وتجنب إعطاؤها لأشخاص اخرين عديمي الذمه والذين يعطون أحذية باليه ويأخذون بدلها احذية غيرهم الجيده.
وللعلم يحق للزائر اكرامهم بإعطائهم مبلغ زهيد للشكر، أما الأن فالمهنة تطورت وازداد عدد الزوار وأصبحت العمليه صعبه من ناحية الذاكرة، فلهذا الأن حال ايداع الاحذية تعطى رقم وعند خروجك تبرزه فيتم إرجاع الحذاء باليد، وهنا أتذكر قصه طريفة حصلت لجارنا أبو شاكر في احدى زيارته إلى بغداد، ذهب برفقة أصدقائه لزيارة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وعندما خرجا لم يجد الكيشوان حذائه، لأنه اخطأ وأعطاها لشخص اخر عديم الذمه، وكي لا يرجع حافي القدمين للفندق المقيم فيه، عاد بنعل بالي كان فاصل فعلا مضحك ولن ينساه جارنا ابو شاكر .
ثم سأل جدي من منكم يعرف حل هذا اللغز: عند أحد باعة البطيخ في السوق بطيختان بأحجام مختلفة، أحداهما اعرض من الثانية بمقدار الربع، وأغلى منها بمرة ونصف، أيهما شراؤها اربح (الحل في السالفة القادمة) وتصبحون على خير.
2124 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع