بقلم طارق احمد السلطاني
مواء قطة أم عياط امرأة ؟ ! -قصة قصيرة
قبل وقوع الحرب هجر العديد من الناس منازلهم ونزحوا من بغداد إلى المناطق الريفية الآمنة . لكن أبو ماجد أصرَّ على البقاء في البيت رغم سفر زوجته وأولاده إلى بيت أحد الأقرباء في محافظة واسط حتى بيت جيرانه ظل فارغا بعد أن تركه أصحابه وذهبوا إلى جهة مجهولة !
* * *
في الساعة الثانية والدقيقة الخامسة والعشرين بعد منتصف الليل أخذت مئات الطائرات والصورايخ عابرة القارات تقصف بغداد بكافة أنواع القنابل وبقوة مفرطة جدا !
دوي أصوات القنابل والصواريخ يخترق الأذن البشرية ويكمن داخل جمجمة الإنسان لتشويش عقله ولفترة طويلة من الزمن ؟ !
أشتدَّ أصوات دوي القنابل التي تمطرها مئات الطائرات وفي وقت واحد . أخذت الأرض تميد تحت قدمي أبو ماجد ! أخذ البيت يهتز يمينا وشمالا !
أخذ ينتقل من غرفة إلى أخرى خشية سقوط السقف فوق رأسه !
فجأة ! شقَّ السماء دوي صوت عياط امرأة ؟ !
همس إلى نفسه قائلا :
- ربما هناك شخص قتيل أو ميت أثر هذا القصف الوحشي بالقنابل والصورايخ ؟ ! كما جرت عليه العادة . أول من يأخذ بالصراخ والبكاء واللطم والعياط هن النساء ! خاصة العياط واللطم على الوجه والخدود عند وفاة الزوج أو الأب أو الأخ أو الأخت أو الأم أو أحد الأبناء ... ! إضافة إلى أن عياط المرأة يعتبر بمثابة خبر إعلامي مباشر إلى الجيران من أن هناك شخصا قد مات .
اقترب من منزله جاره . شعر بفزع شديد ! صوت العياط ينطلق من داخل الدار . استغرب الأمر !! فجاره قد ترك الدار مع كافة أفراد عائلته ونزح إلى جهة مجهولة بسبب الحرب . من هي تلك المرأة التي بقيت في الدار ؟ الأبواب مقفلة من الخارج . هل أكسر باب المطبخ الحديدي لإنقاذ هذه المرأة ؟
- لا . لا . الظلام دامس ، شظايا القنابل تتناثر فوق الأحياء السكنية المدنية الأصوب أن أنتظر شروق الشمس ، حتى أتمكن من الرؤيا بصورة صحيحة .
* * *
عند حلول الصباح حمل أبو ماجد مطرقة وقطعة حديدية . تسلق الجدار الذي بفصل بين بيته وبيت جاره . أخذ يطرق باب المطبخ الحديدية ويصيح بأعلى صوته قائلا :
- من هنا ؟ من الذي بقي داخل البيت ؟ أنا جاركم أبو ماجد .
انتابه شعور غريب ! جالت بفكره أن المرأة قد أغُمي عليها وفقدت الوعي من شدَّة العياط الذي كانت تطلقه أثناء القصف الجوي !
على الفور . كسر قفل باب المطبخ الحديدية المقفولة من الخارج .
كرر ندائه مرة ثانية . لم يسمع صوت أيِّ إنسان من الداخل ! لكنه فوجئ بخروج قطة سمينة سوداء من داخل البيت !! أخذت تمشي بهدوء نحو الحديقة ، رفعت رأسها إلى السماء ، فتحت مناخيرها لاستنشاق هواء الحرية . بعد حصار – سجن – داخل البيت طوال فترة القصف الجوي الليلي الشديد القوة والمفرطة والذي غيَّر صوت مواء هذه القطة المسكينة إلى صوت عياط امرأة تماما ! كانت تستغيث من الشدَّة والإفراط باستعمال
القوة المسلحة ضد الإنسانية . هذه هي أحدى بشاعة الحرب التي حولت مواء القطة إلى عياط امرأة ! بمعنى أخر حولت صوت الحيوان إلى صوت إنسان ! الحقيقة أن الحروب مأساة وفناء ودمار لكل الكائنات الحيَّة التي تعيش فوق كوكب الأرض . وهذه القصة القصيرة قد كتبت بعد ان حدثت بصورة حقيقية ولم تنسج من وحي الخيال والحقيقة ان هذه الواقعة هي احدى المأسي التي يتعرض اليها الانسان والحيوان بنفس الوقت! وان شعار الحرب الذي اطلق لاستعمال اسلحة فتاكة ضد شعب العراق منذ الليلة الاولى من حرب الخليج الثانية التي تم اشعالها مطلع سنة 1991م بأستخدام اسلحة الصدمة والترويع للانسان! لكنها ! في الحقيقة والواقع انها اسلحة الصدمة والترويع ضد الانسان والحيوان ! وتعتبر من ابشع جرائم الحرب ضد الانسانية دون رحمة او وازع من ضمير.
859 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع