بثينة خليفة
من الأمثال العربية التي سمعتها، ما قاله رجل للحلاق وهو يجلس أمامه استعدادا للحلاقة: هل شعري أسود أم أبيض؟ فقال له الحلاق: «الآن سوف يسقط فوق رجليك وتراه».
هذا المثل يقال عندما يتعجل أي إنسان في فهم شيء ما، لكي يتمهل هذا الإنسان قليلا ليرى النتائج التي حتما ستتضح قريبا.
تذكرت هذا المثل بعد أن دعا الشيخ عيسى قاسم للصلح والتصالح بعد وقت طويل من التحريض وزرع الفتنة في البلاد، ورأيت الدهشة التي أصابت الكثيرين من هذه النبرة الجديدة التي اعتمدها الشيخ، وهو الذي وصل إلى أقصى مدى من التحريض والسعي للقضاء على استقرار البلاد والدعوة إلى العنف ضد رجال الأمن الذي تجسد في عبارته التاريخية «إسحقوهم».
البعض قال إن ما قام به الشيخ يدخل في إطار التقية، ونحن لا نلومهم، فالتقية مسألة تاريخية معروفة يتبناها فريق من الناس على اعتبار أنهم في حرب والحرب خدعة ولا مانع من خداع العدو بالتقية وبالكذب، ورأى البعض أن هذا التحول الذي يذكرنا بقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي حول الثعلب الذي برز يوما في ثياب الواعظين ومشى في الأرض يهدي ويسب الماكرين، هو رد ماكر وتكتيكي على توصيات المجلس الوطني في جلسته الاستثنائية الأحد الماضي بإسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي الجرائم الإرهابية والمحرضين عليها، وتشديد العقوبات ضد كل من يثبت تورطه في زج الأطفال واستغلالهم في الأعمال الإرهابية وتخريب المنشآت العامة والخاصة، وكذلك ما سيتضمنه قانون مكافحة الإرهاب الجديد من عقوبات لمن يمارس التحريض من على المنابر.
كل هذا منطقي وجائز ومتوقع ولا يجب أن يدهشنا، فالشيخ يريد تفويت الفرصة على الدولة في قطع رؤوس الأفاعي الكبيرة بهذه القوانين الجديدة التي لن يستطيع أحد أن ينتقدها في الخارج، ولأنه من الذكاء أن يعطي الشيخ لنفسه ولمؤيديه هدنة في هذه الفترة لفهم القوانين الجديدة ومراجعة النفس.
الشيخ دأب على مخاطبة الخارج من فوق المنبر وليس فقط تحريض الداخل، وهو في هذه الحالة أراد أن يصنع صورة إعلامية مضادة لتحرك الدولة البحرينية ومؤسساتها للقضاء على الإرهاب، فهو يقدم نفسه للعالم هو وعشيرته كحملان وديعة تتمنى الصلح وتتمنى الوئام وترفض الإرهاب والخراب، سعيا منه إلى إبراز تحرك مؤسسات الدولة الحالي على أنه شيء لا ضرورة له، لأن البحرين ليس بها إرهاب ولا إرهابيين ولا محرضين على الإرهاب، ولكن بها حملانا وديعة لا تريد شرا للوطن، وان كل من في البحرين طيبون، والدليل على ذلك أنه حتى ثعالبها وأفاعيها تدعو إلى الخير.
وسواء كان الأمر تقية، أو سعيا لامتصاص الضربة التي ستوجهها الدولة ضد الإرهاب وحماية النفس والأتباع من الوقوع تحت طائلة القانون، فالنتائج ستظهر قريبا، وسوف نعرف عاجلا هل الشعر أسود أم أبيض، وسنعرف هل سيستمر الشيخ في نهجه التصالحي من فوق المنبر، أم أنه سيعتمد وسائل أخرى بعيدة عن عيون الإعلام؟ وسنعلم هل سيتوقف الإرهاب وتتوقف عمليات التخريب أم لا؟.
وإذا ما توقف التحريض والإرهاب، فلله الحمد، ولا يشغلنا سوى استقرار بلدنا ولن يشغلنا السبب أو الأسباب التي غيرت خطاب عيسى قاسم من «اسحقوهم»، إلى «صالحوهم»!.
971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع